لميس ضيف تكتب: القراصنة .. وخرائـط الجشع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/يوليو/٢٠٢٥ ١٦:٢١ م
لميس ضيف تكتب: القراصنة .. وخرائـط الجشع
«Si tu me laisses l’uranium, moi je te laisse l’aluminium…»
" إن منحتني أفغانستان، أترك لك باكستان…
إن تركت لي اليورانيوم، أترك لك الألمنيوم. "
من رحم أغنيةٍ إفريقيةٍ غاضبة، خرج هذا النص كاشفًا عن الحقيقة العارية:
الدول الكبرى لا تصنع الحروب من أجل الحرية، بل من أجل الحصص.
حربهم على الإرهاب هي حرب على الثروات.
لذا فهم لا يطاردون ظلال الطغاة، بل يطاردون الآبار.
****
حين اجتمع الغرب في مؤتمر برلين عام 1884 لتقسيم إفريقيا، لم تُدعَ القارة الأم إلى المائدة. تقاسموها قطعة قطعة، كما تُقسم فريسة بين ذئاب. أعادوا الكرّة بعد مئة عام، ولكن بثياب أنيقة : "التحالفات"، "الاستثمارات"، "الحماية ". أما الجوهر فبقي ذاته: نهبٌ ناعمٌ مغطّى بالشرعية الدولية.
في عام 2011، كانت ليبيا تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا. دخلها "الربيع"، وهبت معه "الحماية الدولية"، وانتهت الدولة ممزقة، بنفط لا أحد يعرف من يبيعه ولمن. شركة Total Energies الفرنسية تضاعفت أرباحها بعد حرب الساحل، بينما دول الساحل نفسها—مالي، بوركينا فاسو، النيجر—ازداد جوعها وفقْرها، رغم أنها تجلس فوق حقول من الذهب واليورانيوم.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تموت النساء في مناجم الكوبالت، بينما تُشحن الثروات لبناء سيارات كهربائية في أوروبا. وفي جنوب السودان، يتنازع الساسة، لكن الشركات النفطية لا تتأخر دقيقة في سحب النفط من بطن الأرض. وفي اليمن، يُدفن الأطفال جوعى، بينما تُؤمّن شركات الملاحة الدولية خطوط النفط في البحر الأحمر بدقة هندسية لا تعرف الرحمة.
ولم يكذب الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور عندما أثار حنقهم في مؤتمر قائلا "تنهبوننا باسم السوق، وتخنقوننا باسم القانون."
كأن التاريخ يسير في دوائر مقلقة. نحن دوماً فيها مُستعمرون، بين أفكاك المستعمرين .
****
للقلة التي لازالت تشتري بضاعة الأكاذيب الاستعمارية نقول لن تسلم ثروة من القراصنة .
في الماضي، قسّموا العالم بين إمبراطورياتهم علناً والآن يتقاسمونه باسم الشراكات الاستراتيجية:
أمريكا تدير قواعدها في 36 دولة إفريقية.
الصين تملك موانئ من كينيا إلى الجزائر. روسيا تزرع أذرعها في ليبيا ومالي.
وماذا كسب الإنسان البسيط من كل تلك الشراكات المليارية سوى الفقر والمرض والفتن والصراعات.
في بوركينا فاسو، خرجت أمٌ بصوت مبحوح أمام عدسات وكالات الأنباء
"أريد فقط ماءً نظيفًا لطفلي."
رغم أن بلدها من أغنى الدول بالذهب.
في النيجر، حيث الأرض مشحونة باليورانيوم الذي يضيء ريف باريس. تُشعل النساء النار لطهي طعام بلا زيت.
قالها المفكر الجزائري مالك حداد "نحن نكتب بلغةٍ ليست لغتنا عن وطنٍ لم يعد وطننا."
لكننا اليوم، لا نكتب فقط. نحن نحاسب. ونكشف. ونشهد.
العالم مقسومٌ بين من يملك الأرض ومن يملك قرارها.
من يجلس فوق الماس، لكنه لا يستطيع اقتناء مصباح.
ومن يتحكم بالسماء، ويشعل الأرض متى شاء.
وما الحروب إلا أدوات تعقيم للأرض، لتصبح مهيّأة للاستثمار.
***
خريطة العالم اليوم خرائط جشع . مرسومة بالدم، والغاز، والمسروقات.
" لم يعد هناك ما يدهشنا .. لقد تقاسمونا " قالت الأغنية الأفريقية التي دارت العالم
لكن، سيأتي يوم ينطق فيه الحجر، وتنهض الشعوب.
سيُقال فيه:
"كانوا يسرقون ذهبنا، ويتركون لنا التمائم.
كانوا يأخذون أرواحنا، ويتركون لنا نشيد الاستقلال."
فليضحكوا الآن ؛ الشعوب بدأت تستيقظ .
 لم نعد ضحية القصة، بل شهودها وفي وعينا تكمن البداية، وجراح الأرض ستنطق، وإن طال الصمت. وعلى الباغي ستدور الدوائر .