لميس ضيف تكتب للشبيبة: علب التونة الحزينة .. والخوف المشروع

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/يونيو/٢٠٢٥ ١٢:١٩ م
لميس ضيف تكتب للشبيبة: علب التونة الحزينة .. والخوف المشروع
لميس ضيف

عندما دوّى إنذار الجائحة في ربيع 2020، تحوّلتُ – أنا التي أتباهى باتّزان اختياراتي – إلى «وَزّانٍ» يملأ مستودع المؤن بالمعلّبات. اشتريتُ كمية هائلة من التونة التي أنعتها " بطعام القطط " ، وحمّصًا وفولًا وبازلاء لا أحبّها أصلًا، والكثير من «الإندومي». ثم حشوتُ الفريزر بمفرزنات لا رابط بينهم: برجر وسمبوسة ونقانق وكبة محشية . كل ذلك ليس جزءًا من نظامي الغذائي؛ اخترتهم لطول عمرهم الافتراضي. مرّ حظرٌ قصير لم يُربك الأسواق، وانتهى ما في المخزن إلى رف النسيان. وحين عزمتُ أخيرًا على توزيعه، وجدتُ كثيرًا منه منتهي الصلاحية . وفتحتُ التونة لقطط الحي وتراءى لي بأنهم يسخرون مني .

مع قرع طبول الحروب في 2024، ارتديتُ خوذة «استراتيجية» جديدة : ماء ورُزّ فقط، مع تحريض والدتي على تخزين الباقي لأستعيره عند اللزوم ! وسألتُ الأصدقاء عمّا خزّنوا لذات الهدف الخفي ؛ لاكتشفت أن الغالبية تخاف الجوع أكثر مما تهاب الصواريخ !

فهل نحن ضحايا أوهام حقا ، أم أن مخاوفنا حقيقية ومشروعة ؟

هناك واقع قاسي يجب الاعتراف به : دول مجلس التعاون الخليجي تستورد نحو 85 ٪ من غذائها، وهي أعلى نسبة استيراد على مستوى كتلٍ اقتصادية غنية . في البحرين ترتفع النسبة إلى 90 ٪ ، وفي السعودية تقف عند 80 ٪ رغم توسّع الإنتاج المحلي . واردات الحبوب تمثّل 90 ٪ من الاستهلاك. ويُضاعف الخطر أن قطاع البيع بالتجزئة في الخليج يهدر 1.3 مليون طن من الغذاء سنويًّا، بخسارة تُقدَّر بـ 4–7 مليارات دولار. .

إذن..

 لسنا مهووسون بلا سبب؛ منظومتنا الغذائية هشة، وأي عاصفة لوجستية أو نزاع بحري قد يضعنا في مواجهة رفوف فارغة. لذا فإن التطورات الأخيرة يجب أن تكون دافعا لتغير الأولويات في المنطقة والانطلاق نحو استثمارات سيادية في الزراعة عالية التقنية (الزراعة العمودية، البيوت المحمية المبردة) لتوليد إنتاج مستدام على مدار العام.و تحلية مائية مدعومة بالطاقة المتجددة تحديدا . مع التوسع في مشروعات الاستزراع السمكي والأحياء المائية .

كما ويجب تشجيع الشركات الناشئة في الاستثمار في الأغذية البديلة (البروتين النباتي والمختبر) عبر حاضنات تمويل خليجية و تحفيز البحث العلمي من خلال الجامعات لتطوير بذور مقاومة للملوحة والحرارة، مع استقطاب المواهب الزراعية لدفع العجلة قدما.

لقد علّمتني علب التونة الحزينة ؛ أن الخوف لا يُهزم بالتخزين بل بالتخطيط. ولن يحفظ رغيف الغد إلا قرارٌ سياسي سيادي يضع الأمن الغذائي في مرتبة النفط والغاز: مسألة حياة ووجود لا سوق فحسب .