النتائج الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ١٦:٢١ م
النتائج الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

يدعي المدافعون عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن ذلك من شأنه أن يجعل البلاد أكثر حرية وثراء. وهم يؤكدون أنه بعد «بريكست»، بإمكان المملكة المتحدة التفاوض بسرعة على اتفاق مفصل مع الاتحاد الأوروبي والذي سيكون مفيدا على مستوى التجارة الحرة دون تكاليف عضوية الاتحاد الأوروبي. وسيساعد ذلك على عقد صفقات تجارية أفضل مع الدول الأخرى، وعلى جني عوائد ضخمة عبر إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي المرهقة. لكن هذه الأمنية عبارة عن وهم. وفي الواقع، سيتسبب بريكست في تكاليف اقتصادية كبيرة لبريطانيا. وستضر حالة عدم اليقين والاضطراب العقيم وإجراءات الانفصال القاسية بالاستثمار والنمو. وسيؤدي هذا الانفصال الدائم إلى تقليص التجارة والاستثمار الأجنبي والهجرة، وسيضعف المنافسة ونمو الإنتاجية ومستويات المعيشة. بينما سيمنع «الاستقلال» بريطانيا من التأثير على إصلاحات داخل الاتحاد الأوروبي في المستقبل -وخاصة، تأسيس السوق الموحدة للخدمات- والتي من الممكن الاستفادة منها.

ويتوقع مركز الأداء الاقتصادي التابع لكلية لندن للاقتصاد أن التكاليف الكبيرة التي ستتحملها بريطانيا إثر تجارة أقل مع الاتحاد الأوروبي ستصل إلى 9.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن انخفاض الاستثمار الأجنبي قد يكلف 3.4 % من الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر. وستقلص تلك التكاليف وحدها المكاسب المحتملة من بريكست. وقد بلغت مساهمة بريطانيا الصافية في ميزانية الاتحاد الأوروبي نسبة 0.35 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام الفائت، كما سيجلب إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي فوائد محدودة فقط، لأن أسواق العمل والإنتاج في المملكة المتحدة هي بالفعل من بين الأكثر حرية في العالم.

إن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستولد حالة شكوك لفترة طويلة. رسميا، من المفترض أن يستغرق الأمر عامين. لكن ربما يستغرق وقتا أطول من ذلك بكثير. ففي العام 1980، استغرق التفاوض بشأن خروج جرينلاند (التي يبلغ عدد سكانها 50.000) ثلاث سنوات، وكانت الأسماك موضوع الخلاف الوحيد. وسيكون لخروج بريطانيا (باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، والتي يبلغ عدد سكانها 64 مليون نسمة) تبعات أكثر تعقيدا.
وعلاوة على ذلك، فإن أي اتفاق حول علاقة اقتصادية جديدة مع المملكة المتحدة سيتطلب إجماع باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 عضوا. وستصبح بريطانيا مجبرة أيضا على إعادة التفاوض -من الصفر- بشأن 50 صفقة تجارية عقدها الاتحاد الأوروبي مع بلدان أخرى. لكن كل هذا سيستغرق وقتا طويلا.
وفي غضون ذلك، فإن قواعد التجارة البريطانية واللوائح المحلية ستصبح معلقة. كما سيتم تأجيل قرارات الاستثمار والتوظيف أو إلغاؤها. وسينخفض الجنيه كثيرا. أما المستثمرون الأجانب الذين يقومون بتمويل الحساب الجاري البريطاني -والذي بلغ عجزه 7 % من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الفائت- فسيشعرون بارتفاع المخاطر على الأصول في المملكة المتحدة وقد يقررون الانسحاب. كل ذلك سيضعف النمو الاقتصادي، مما سيهدد الخطط المالية للحكومة.
وبعد إبرام الاتفاقيات، لن تستطيع بريطانيا الولوج إلى كل من الاتحاد الأوروبي والأسواق العالمية. اقتصاديا، فإن الخيار الأقل سوءا هو الحصول على عضوية في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، جنبا إلى جنب مع النرويج وآيسلندا وليختنشتاين. وذلك من شأنه أن يمكنها من الوصول الكامل تقريبا للسوق الواحدة (مع الابتعاد عن سياسات الزراعة والثروة السمكية للاتحاد الأوروبي)، ومع الخضوع للضوابط الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية.
وسياسيا، ستكون العضوية في المنطقة الاقتصادية الأوروبية صفقة فاشلة. وينبغي على بريطانيا أن تتوافق مع قواعد السوق الواحدة والتشريعات في بعض المجالات مثل حماية المستهلك والبيئة، والسياسة الاجتماعية - قواعد لن يكون لبريطانيا فيها أي دور. وستساهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي، دون تلقي أي إنفاق في المقابل. وستكون أيضا ملزمة بالسماح لمواطني الاتحاد الأوروبي بالدخول مجانا، وهذا الأمر يعتبر مصدر قلق سياسي لمعظم أنصار بريكست. وبالنظر إلى الوازع الرئيسي لبريكست الذي هو استعادة السيادة التي فقدتها البلاد، فإن الاتفاق الذي لا يسمح للمملكة المتحدة بإبداء أي رأي، ويفرض عليها الدفع والطاعة، سيكون أمرا بغيضا للغاية وغير مقبول.
فالتجارة مع الاتحاد الأوروبي وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية، مثل نموذج الولايات المتحدة والصين، ستنطوي على أقل عدد من القيود السياسية. وستكون بريطانيا حرة في البقاء بعيدة عن العمل الشاق، ودفع ضرائب المهاجرين في الاتحاد الأوروبي. لكن هذا سيشمل مراقبة متبادلة للاتحاد الأوروبي بشأن المهاجرين القادمين من المملكة المتحدة، مما سيلحق الضرر بالبريطانيين مرتين.ومن شأن هذا النهج أيضا أن يشمل الرسوم الجمركية على البضائع البريطانية -بما في ذلك واجب 10 % على صادرات السيارات إلى الاتحاد الأوروبي- وكذلك الحواجز غير الجمركية. وبذلك ستفقد المؤسسات المالية في المملكة المتحدة تصريحاتها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي مجانا. فبدون الولوج الكامل إلى 16 تريليون دولار في سوق الاتحاد الأوروبي الموحد، مع 500 مليون مستهلك أوروبي، من المحتمل أن يعرف الاستثمار الأجنبي انخفاضا كبيرا في بريطانيا. وتعتبر الخيارات الوسيطة، من النموذج السويسري إلى الكندي، بالكاد أكثر جاذبية.ويدعي مؤيدو بريكست أن بريطانيا بإمكانها القيام بصفقة خاصة بها، وهم يختارون الأحكام التي يفضلونها. ويمكن للمملكة المتحدة أن تكون مهيمنة كما يقولون، لأنها تشتري من الاتحاد الأوروبي أكثر من ما تبيع في المقابل. لكن هذا أيضا يعتبر وهما. للتذكير فالولايات المتحدة أيضا لديها عجز تجاري مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لا تستطيع إملاء الشروط في المفاوضات حول التجارة عبر الأطلسي والشراكة الاستثمارية. وعلاوة على ذلك، فالصادرات نحو الاتحاد الأوروبي التي تشكل نسبة 13 % من الناتج المحلي الإجمالي، لها أهمية أكبر بالنسبة للمملكة المتــــــــحدة من الــــــصادرات الأوروبية إلى بريطانيا (والـــتي تبلــــغ فقط 3 % من الـــــناتج المحلي الإجمالي).

المستشار الاقتصادي السابق لرئيس المفوضية الأوروبية، وزميل زائر في كلية لندن للمعهد الأوروبي الاقتصادي