أوقد شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ١٦:١٧ م
أوقد شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام

تابعت ردود الأفعال على ما طرح على الساحة المحلية من أحداث وقضايا، وما تناوله البعض بشيء من الإحباط تارة واللعن في الظلام تارة أخرى، والسب والشتيمة مرات، كأن الدنيا أصبحت سوداء في وجوهنا وخيم الظلام على عقولنا.. للأسف..

ويمكن القول إننا وسط هذا الضجيج المظلم السوداوي نتناسى النعمة التي نرفل فيها، مثلما ننسى أن نحمد الله عزوجل، حتى لا تزول كما زالت من أقوام قبلنا والعياذ بالله، مصداقا لقوله تعالى «ولئن شكرتكم لأزيدنكم» صدق الله العظيم.

فقد خلق الإنسان هلوعا، إذا مسه الخير جزع وإذا مسه الشر هلع.. فبدلا من أن نحول التحديات التي تواجهنا إلى فرص نتجاوز بها الواقع إلى المستقبل، نتباكى عليها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأننا أعجاز نخل خاوية لا نستطيع أن نواجه الشدائد بقوة وعزم، كالشعوب الأخرى التي تكدح وتكافح من أجل حياة أفضل، غير آبهة بما تعيشه من محن، أبعدنا الله عنها.
إلا أننا يجب أن نرفع أكفنا للمولى عزوجل، شكراً على نعمه التي أجزل بها على هذا الوطن وعطاءاته التي يمن بها علينا، ‏ونسأل جل جلاله أن يديم هذه النعمة.
‏علينا أن نقر أن الحياة عقيدة وجهاد، بل إن لذتها لا تستساغ إلا بالبذل والجهد والكفاح من أجل حياة أفضل، وكما قال الشاعر يفوز باللذات كل مغامر ويموت بالحسرات كل جبانِ..
علينا أن نقلع عن جلد اللذات ولعن الغير، ونتعالى على أوجاعنا وآلامنا مهما كانت، فهي لا تعدو إلا أن تكون لدى الآخرين مثل قطرة في بحر من مشكلاتهم ومعاناتهم، علينا أن نزيد من جرعات التفاؤل في قلوبنا والأمل بعقولنا في مستقبل أفضل وأجمل، فالتفاؤل أنفع وأجدى كثيراً من التشاؤم، والتعاطي مع ‏المستجدات الراهنة والمبالغة فيها بشكل غير عادي بدون مبررات كافية.
دعونا نغادر هذه الحالة النفسية الغارقة في الظلام الدامس، وأن نقلع عن العادة الذميمة المتمثلة في التراشق بالكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتسخيرها في بث كل أنواع الكره والضغينة، فكما يقول القائل «أوقد شمعة بدلا من أن تلعن الظلام» لكي تنير لك الطريق وتبصر بها المستقبل بدلا من الرجوع للوراء.
فعلى كل منا ألا يتوقف عاجزاً أمام المصاعب من أول وهلة، حتى لا تتحول إلى تحديات تطمس عليه الرؤية وتعيق تفكيره في التعاطي الإيجابي مع المتغيرات، فهذه الأزمات هي اختبار لقدرة الشعوب على تجاوز تلك المصاعب بدلا من التباكي عليها، فالبكاء لن يوجد لنا حلولا ناجعة، فالعمل والبذل والاجتهاد هوما يضيء لنا الدروب نحو الأفضل، والأهم لنا ولأجيال المستقبل، والشاعر يقول: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، فالأماني والتطلعات مشروعة إذا اقترنت بالعمل والكدح، وليس بالأقوال والخطب الجوفاء والصراخ والعويل في كل مكان.
يجب أن ندرك أننا لم نولد ناجحين وكذلك لم نولد فاشلين، لكننا نحن من يصنع الفشل أو النجاح.. فهل يمكننا بهذا التعاطي السلبي والإغراق في السوداوية أن نصنع النجاح لوطننا؟ عندما نبرر كل شيء لأنفسنا ونتهم غيرنا بالسوء والجهالة؟
طريق النجاح يبدأ بنا نحن والفشل كذلك، فعندما نسلك الطريق أياً كان لا بد أن نواجه مصاعب ومنعطفات ومطبات في حياتنا، والأهم هو معرفة كيف نتجاوز الأزمات والفشل بهمة أعظم ورغبة أكبر في النجاح، فهذه الأزمات وذلك الفشل ما هو إلا اختبار لجدارتنا وقدراتنا، علينا الوقوف على أقدامنا والانطلاق مرة أخرى في اختراق دروب المستقبل متسلحين بالعزيمة التي لا تلين والإرادة التي لا تضعف أبداً. فالتفاؤل سمة الشعوب الحية والقادرة على التأقلم مع الظروف والمتغيرات، فدعونا نتفاءل بأن هذه الأزمة ربما تدفعنا لنعيد حساباتنا كأفراد قبل الحكومات، وكشعوب قبل الدول، نحن مطالبون على الصعيد الشخصي أن يبذل كل منا جهده من أجل إعداد نفسه لمثل هذه الظروف الاستثنائية التي قد تواجهه في يوم ما، وكذلك على الدولة أن تعيد ترتيب أولوياتها وتنظيم أوضاعها لكي لا تعتمد على النفط إلى الأبد، فالكل مطالب أن يضحي والجميع عليه مسؤوليات النهوض بالوطن، واجبنا أن نكون فاعلين في عملية البناء وليس متفرجين.
فالإنسان عندما يتعرض إلى هزات مالية بسيطة أو عنيفة لا يقف مكتوف اليدين بل يتصرف، والدول عندما تتعرض لأزمات لا توقف بدون تحرك وتخطيط لمعالجة الأزمة، وإيجاد الحلول لاستدامة الحياة الكريمة للإنسان، فهل في هذا اختلاف أو خلاف إذا كان كل ذاك لصالح المواطن؟ بل نسأل أنفسنا لمن ستبلور الحكومة كل هذه الجهود، وكيف ستسخرها، أليس للإنفاق على المجالات الأهم كالصحة والتعليم والكهرباء والرواتب وغيرها، فالحكومة مثل رب الأسرة الذي ينفق على بيته وعياله من دخله. فكلما زاد الدخل زاد الإنفاق والعكس صحيح وهكذا.. ونحن أبناء الوطن علينا تقدير هذه الظروف التي تمر بها البلاد وتثمين ما يبذل من جهود وتعزيزها وليس تثبيط الهمم.. ولعن كل شيء فليس ذلك من الحكمة والعقلانية التي يجب أن نتحلى بها لمعالجة الأزمات.