شجــون عراقيـــة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ٠٦:٥٨ ص
شجــون عراقيـــة

محمد بن سيف الرحبي

يطل من علوه قصر صدام في المحلة ليقول للبابليين أكثر من حكاية.. الزمن الصدامي وزمن ما بعده.. والمخاوف المكبوتة خشية اكتشاف أن ما تغير فقط هو ذلك الإحساس المريع من الطاغية وهو يجتث الرجال والنخيل.. والكرامة.

صنع صدام حسين جبالا ثلاثة، هي تلال عملاقة، واحد عليها قصره الذي لا يعرفون إن أقام فيه أو لا.. ولا يعرفون كيف يخدش الزمن هيبة القصر ليغدو مبنى كئيبا ينتظر القرار حول تبعيته، مع أنه سيدر ذهبا لو تحول إلى فندق له إطلالته المهيبة على المدينة القديمة واخضرار المنتجع أسفله وشط الحلة بجواره.

أشاغب حروفي الصباحية في قاعة مبنى أشبه بمركز مؤتمرات يقع قريبا من سفح التل وطلة القصر الصدامي.. على مقربة مني غرفة رئاسية لم يعد الزعيم فيها يترك هيبته فيضع الخوف طلاءه على الحيطان دون حاجة لأجهزة التنصت.
رحل صدام تاركا جراحه وأسئلته، للعراقيين يحصون جراحهم في زمن الطاغية وزمن ما بعد الطاغية.. يقول لي مواطن عراقي إننا نستطيع أن نشتم السياسيين علناً كما نحب، قد تكون حرية لكنني أشاكسه بالقول إن الشتم ليس حرية لكنه دليل تحرر من الخوف.. يضحك الرجل ويضيف: مشكلتنا هي السياسيون.. حيث الفساد والإفساد، والظلم والإظلام.
الغبار يخيم على المحلة ويكاد يغيب القصر في أفق مغبـــر، الشط ينساب بالحكايات يرويها للنخيل والتاريخ.. أجابـــه سطـــوة ضغط التــــاريخ لأخرج من حصار صدام حسين لذاكرتـــي مستعيدا صـــور الذيـــن أبكاهم عقــــودا.. وهناك ربما مــــن يبكي عليه الآن.. كان محدثي الآخر يحدثني بفرح التخلص من صدام نافياً أن يكون طائفياً في فرحه برحيل الزعيم أو المجرم أو ما شاء للعراقيين التنويع في توصيفه حياً أو ميتاً، يقول: فرحنا بمجيء الأمريكيين نحن الذين أوجعنا عصر صدام، لكن لم نتوقع ما حدث بعد ذلك.
كانت فرحتهم بنا كبيرة، يقولون لنا إن الإعلام يكذب، فلا تصدقوا الاخبار، ولا شاشـــات التلفاز.. ما يحدث ليس مهولا بل تهويل لن ينال من حب الشعب العراقي للحياة..
عبر مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية يريدون القول بأن بلدهم آمن لا بلد أمن، وداعش ينهزم.. والحياة تسير في شوارع بغداد رغم أنف الإرهابيين.
أصدقهم لأنهم عبروا الأسوأ كما أدعي.. كأنما لا يوجد أسوأ من عقود الحروب والتفجيرات والموت المتربصين.. أملهم في بلادهم كبير لولا أولئك السياسيون.. يمارس الناس فرحتهم بمثل هذه القدرة والحرية القادرة على لعن السياسيين دون أن يغيبوا وراء الشمس.
كانت الشاشات تنقل تفجيرات بغداد بينما مهرجان بابل يحتفي بالحياة وعلى خشبته يستضيف شاباً وشابة تعارفا خلال المهرجان فاحتفلا بالخطبة أمام حضور لافت وبمشهد أكثر إلفاتاً للقدرة على المضي في الحياة.