محمد محمود عثمان يكتب: القمة العربية.. وضياع القضية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/مايو/٢٠٢٥ ٢٠:٣١ م
محمد محمود عثمان يكتب: القمة العربية.. وضياع القضية
محمد محمود عثمان

سلام على القمة العربية أينما كانت وحيثما حلت وهنيئا لها تمسكها بثوابت الدفاع عن القضية الفلسطينية بالأسلحة العربية المتميزة التي تتنوع بين الشجب والإدانة والاستنكار والقلق وكلها أسلحة بتارة ، وأنها بكل فخر صناعة عربية فريدة، تطمئن لها اسرائيل بل و تستمد منها قوتها وجرأتها على القوانين والمواثيق الدولية وعلى العرب جميعا - أصحاب الحق - الذين يجتمعون في القمم المتتالية ونحسبهم جميعا ولكن قلوبهم شتى ولا يملكون سوى استخدام هذه الأسلحة التي عفى عليها الزمن ، وتعبر عن الضعف والمهانة لأسوأ حقبة ومحنة يمر بها العرب والمسلمون على مر التاريخ 

لأن ما يجري في غزة ليس فقط كارثة إنسانية، بل هو تحد صارخ للضمير العالمي وفضيحة أخلاقية تمس بالدرجة الأولى المؤسسات الدولية التي تبقى في موقف المتفرج، والذي يصل إلى حد التواطؤ، بل وتتعامل بازدواجية صارخة ، أمام معاناة شعب تتم إبادته أمام أعين العالم، حيث أضحت ازدواجية المعايير السمة الأبرز في التعامل، وهو تحد صارخ ومستفز لإرادة الشعوب العربية، التي لم ترتق بعد إلى مستوى التحديات التي تواجه أمتنا وتتطلب بل وتفرض التحرك الجماعي بشكل أكثر جرأة وأكثر فعالية لإعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك في ظل التحديات والأزمات الراهنة، وفي مقدمتها تصعيد العدوان الدموي الصهيوني في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة وارتكابه لإبادة جماعية مُريعة لم تُفرق بين البشر والحجر، في محاولات مستميتة ومُمنهجة لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض حلول اقصائية مجحفة تقضي على ما تبقى من فرص حقيقية ومنصفة لإنهاء الصراع وهي تجسيد حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق ما تنص عليه قوانين الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية المجمدة ،والإصرار الأمريكي – الاسرائيلي للقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني والتراجع عن مبدأ الأرض مقابل السلام واستبداله بوهم التوطين مقابل الوصاية ، وصولا للتهجير القسري والطوعي ،الذي اختلف حوله العرب وبالتأكيد سوف ينعكس ذلك على أعمال القمة العربية القادمة بالجمهورية العراقية ، ومن ثم ضياع القضية الفلسطينية في إطار الأداء العربي الجماعي المُحبط ،لأن القمم العربية، التي تُعقد بانتظام منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، لم يخلو جدول أعمالها من القضية الفلسطينية، التي غالبًا ما تُوصف بأنها "القضية المركزية ، ثم تغير هذا الوصف وتراجعت من سلّم الأولويات، وبدون ربط واضح بتسوية عادلة للقضية ،خاصة مع تفاقم النزاعات الداخلية بين دول عربية من سوريا و ليبيا، ولبنان والسودان والإمارات العربية والجزائر والعراق والكويت إلى اليمن ، وقبل كل ذلك الانقسامات الفلسطينية الداخلية بين فتح وحماس ، وزيادة المهرولين للتطبيع مع إسرائيل واتفاقات أبراهام القائمة والقادمة ، مما ينعكس على فعالية وتأثيرهذه القمم في الضغط السياسي أو الدبلوماسي لصالح الفلسطينيين ، حتى أصبحت عبئا على القضية ، وأري أن استمرارها على هذا النمط يفيد اسرائيل التي تبني خططها على أساس المخرجات الهزيلة للقمم العربية التي تجسد ضعفها أمام تسلط وتعسف إسرائيل ،لأن واقع الحال يقول إن القمم العربية تحوّلت إلى مجرد بيانات ختامية "إنشائية"، متكررة وأن القضية الفلسطينية التي كانت يومًا توحّد الصف العربي، باتت اليوم ضحية التطبيع والتشرذم والانكفاء على المشاكل الداخلية ، لذلك من الأفضل تأجيل القمة العربية إلى أجل غير محدد حتى تعود إليها الروح الوطنية والإرادة السياسية والقوة والقدرة التي تهز الكيان الصهيوني بمجرد الإعلان عن موعد انعقادها، لأن المخرجات الهزيلة فيها إساءة للأمة العربية وتجسيد للوهن العربي وتشجيع للكيان الغاصب على الغطرسة والاستمرار في تحقيق أهدافه وسيطرته على المنطقة وتغيير خريطتها السياسية، وانتهاج سياسة الحرب والإبادة مقابل عروض السلام العربية المتكررة، ومن هنا فإن قمة العراق أمامها تحديات جسيمة ، فالمخاطر تحيط بالدول العربية من كل صوب ناهيك عن مخاطر المنازعات الداخلية والبينية ،وأطماع إسرائيل التوسعية التي ليس لها سقف أو حدود وكذلك إيران التي تقف على الخط ، وأمريكا التي تفرض واقعا جديدا بتركيز تواجدها العسكري في المنطقة بخلاف قواعدها العسكرية في البلاد العربية ، وإعلان ترامب أنه سوف يمتلك غزة ويعمرها ويحولها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط ويطل منه على البحر الأبيض المتوسط ولا مانع من الوجود العسكري بها، بعد تعيين حاكم أمريكي لها

وترك لإسرائيل القيام بالواجب في استكمال تدمير غزة وكذلك لمهاجمة الحوثيين للضغط على إيران إذا لزم الأمر ، فيما أعلن الهدنة مع جماعة الحوثي في اليمن- التي صنفها بأنها جماعة إرهابية – وجعل منها مدخلا ومبررا للتواجد في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وأيضا ليضمن سلامة قواته، و ليتحكم في باب المندب وهو مدخل قناة السويس والسيطرة عليه، وعينه أيضا على الثروات الدفينة باليمن، وربما يخطط أيضا بالتواجد عند مضيق هرمز ، بعد إعلان نيته تغيير اسم الخليج الفارسي إلى الخليج العربي ،في إطار إعلان ترامب الصريح عن رغبته في حلب الثروات العربية، لذلك فإن المؤشرات غير مبشرة للخروج بنتائج إيجابية تعزز مكانة العرب دوليا، وتحافظ على الأمن القومي العربي،لأنه علي القمة أن تقدم جديدا مفيدا يُرضي طموحات الشارع العربي ويفرض الإرادة العربية على مجلس الأمن لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، في ظل عدم وجود خطة عربية موحدة للأمن العربي، وتنصيب قادة إرهابيين كرؤساء للدول وهم مدرجون على قوائم العقوبات الدولية ، مع فرض حظر سفرهم ،

لذلك فإن العرب وهم مجتمعون عاجزون أولا: عن مواجهة مشاكلهم الداخلية، وثانيا :عن طموحات وتوسعات إسرائيل التي قدمت هدية تتحدى بها القمة بالإعلان عن تصديق حكومة تل أبيب على خطة لاحتلال غزة بالكامل.