عقبات على السلام اليمني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ٠٣:٢٢ ص
عقبات على السلام اليمني

علي ناجي الرعوي

تعترض طريق السلام في اليمن العديد من العقبات والتحديات والمعوقات الداخلية والخارجية التي تحول بعض اشكالياتها دون تحقيق الحد الادنى من التقارب والانسجام بين الفرقاء الذين انخرطوا اخيرا ومنذ ما يقارب الشهر في مفاوضات الكويت حملوا اليها خلافاتهم وتبايناتهم وتقاطعات مواقفهم مما جعل هذه المفاوضات ورغم كل عوامل الدفع الاقليمي والدولي تترنح في مربعها الاول تحت سقوف المطالب والشروط المتضادة وهو امر كان متوقعا لهذه المفاوضات نتيجة شعور كل طرف انه من يمتلك الحقيقة المطلقة وانه على الحق اليقين وان من يجب ان يقدم التنازلات لمصلحة الشعب اليمني الذي اصبح ثلثي سكانه كما قال البنك الدولي في اخر تقرير له تحت خط الفقر هو الطرف الاخر لتتحول هذه المفاوضات بإصرار طرفيها على الفجور في الخصومة الى مجرد ملهاة عبثية وسريالية تظهر حالة الانقسام المجتمعي الذي يبدو اليوم اخطر ما يواجهه المجتمع اليمني.
وأمام هذا الاعتراك فكلما اعتقد اليمنيون ان افق الحل قد لاح وجدوه يبتعد عنهم كسراب بل انهم وكلما اقتربوا من امل السلام صدموا بهول المسافة التي تفصل بين اولئك الذين يجلسون على طاولة الحوار في هدنة هي بالنسبة لهم ليست اكثر من استراحة لالتقاط الانفاس وليس لمراجعة الذات وتحكيم العقل والانتقال من لغة الحرب الى لغة السياسة وهي هدنة تبدو غير مرحب بها من قبل البسطاء الذين ينظرون الى رقعة الشطرنج تتحرك من دون افاق على ارض الواقع ومن دون ان تؤدي الى ايقاف تلقيم المدافع وإراقة الدماء الى درجة ايقن فيها الكثير من اليمنيين انهم اصبحوا ضحية اخطاء وخطايا كان الخارج والداخل فيها مسؤولين عن مزيج الانقسامات الجامحة والقاتلة الاخذة بالتداعي في الجسد اليمني الذي يقاد نحو هاوية سحيقة.
ليس من الصعب وفق هذا المشهد الكئيب والمأساوي الاستنتاج بان الذين يتفاوضون في الكويت خير من يعلم ان مشاوراتهم ومهما كانت نتائجها لن تفضي الى سلام مستدام وانها وحتى وان نجحت في ايقاف الحرب التي اندلعت قبل اكثر من عام فانها التي ستؤسس لصراعات جديدة في المستقبل بعد ان اختل التوازن المجتمعي الذي كان يحكم علاقات المجتمع اليمني بعضه ببعض وسيطرة طوفان متلاطم من الانشطارات والتناحرات والصراعات المحمومة على الكراسي والمغانم والامتيازات في هذا البلد الذي اختلطت فيه المفاهيم والحسابات بصورة يبدو تجاوزها في الوقت الراهن اقرب الى الخيال منه الى الواقع سيما اذا ما علمنا ان اعادة بناء العقد الاجتماعي او اعادة ترتيب العلاقة مابين الدولة والمواطن ترتيبا وظيفيا صحيحا يقفز على تخوم التحاصصية الحزبية والمناطقية والطائفية والقبلية باتت عملية شاقة ومكلفة بعد ان ضعفت كثيرا روابط الانتماء للدولة الوطنية والهوية الجامعة وحلت محلها منظومة من الولاءات والهويات الصغيرة التي يغيب فيها قبول الاخر المتشارك في الوطن والمواطنة والمتساوي في الحقوق والواجبات.
من الناحية النظرية قد تكون عملية الحوار اليمني _ اليمني المتعثرة في الكويت مريحة من الناحية النفسية لكن على المستوى الواقعي فان أي صيغ ستفرزها ستبدو في النهاية غير قادرة على اعادة البناء والجمع بين المصالح المتعارضة والمتناقضة لأطراف الصراع التي تآكلت شرعيتها ولم تعد مع كل القوى والنخب السياسية والحزبية محل اجماع لقطاعات واسعة من اليمنيين الذين ادركوا ربما ان واقع اليمن بعد الحرب لن يكون كما قبله بل ان عودة البلاد الى سابق عهدها هي شبه مستحيلة فهناك اليوم مشاهد بانورامية ترسم في عجل الواقع المشتت والمتداخل في هذا البلد بوجود حكومتين او ثلاث وعدة جيوش ومجموعات مسلحة ووزارات مكررة وآلاف المقاتلين من العناصر الجهادية والقاعدية المتطرفة بينهم المئات من المقاتلين الاجانب الذين يتوزعون على الجغرافيا اليمنية بهدف حماية تموضعاتهم التي نتجت كاستحقاق لعملية الانقسام الجيوسياسيا التي تبرز واضحة في جنوب وشرق ووسط وشمال يعمل كلا منها على وحدانيته وتفرده وبالتالي فلن يكون هناك حل سياسي لمعضلات اليمن طالما وان هناك من يعمل على تفكيك هذا البلد بوعي او بدونه ويسلبه الامل في حياة كريمة.
ما يمكن قوله ان اليمن يدخل مرحلة استفهامات لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها لكن ما يبدو جليا للعيان ان ثمة وضع جديد لا يخدم الخروج من حال الضياع الذي يهيمن على المشهد القائم فبذور التفكك التي اضحت اشد وطأة بفعل حجم التشققات التي اصابت الجسد اليمني تجعلنا نتساءل بعمق عن مستقبل اليمن وموقعه الجيوبوليتيكي في ظل بعض الرهانات الداخلية والخارجية التي تتنازع وتتحاور بمقدار حركة الاحداث والصدامات الجارية على الارض .. اذ كيف لحوار الكويت ان ينجح ومن يشرف عليه من القوى الخارجية ليس لديها اية رؤية حقيقية حول مستقبل اليمن القادم ؟ هذا ان لم تكن لا تمتلك اصلا حتى اللحظة اية مقاربة سياسية لإنهاء الازمة وتطبيع الاوضاع في هذا البلد الذي لا يمكن بأي حال من الاحوال التعاطي مع ما يجري في داخله من تطورات ومتغيرات بمعزل عن امن واستقرار جواره الخليجي الذي لا تنبئ الوقائع بان سياساته حول اليمن تنطلق من مرجعية واحدة.
اذ انه وبعيدا عن العاطفة القومية والرومانسية السياسية فما لم تكن هناك مبادرة خليجية لمعالجة الازمة اليمنية بمعزل عن تطويع الواقع لمصلحة هذا الطرف او ذاك فلا يستبعد ان يصبح اليمن اشبه ما يكون بساحة امنية وسياسية مكشوفة يتم الصراع عليها من قبل اللاعبين الاساسيين في المنطقة والعالم في نطاق حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة العربية بل اننا لا نبالغ اذا ما قلنا ان الحفاظ على هذا البلد موحدا في كيانيته السياسية والاستراتيجية هو امر في غاية الاهمية نظرا لما ينطوي عليه أي تفكك لهذا الكيان من مخاطر وتهديدات ليس لليمن وحده وانما لكل الجوار العربي وحين نتحدث عن الامن سواء في مستوى الامن القومي العربي الجماعي او في مستوى الامن الاقليمي الخليجي الذي فان عنصر الاختراق والتهديدات الخارجية هو من قد يفرض نفسه اذا ما اصبح اليمن مفككا وضعفت مناعته الداخلية وتشرذم الى كيانات يغذيها الشحن العقائدي والمذهبي والجهوي ونوازع التطرف القادمة مع العناصر الجهادية التي ندرك جميعا انها من باتت الورقة التي يستسهل الغرب استخدامها لفرض هيمنته ونفوذه وشروطه.
مصلحة الخليج والعرب جميعا ان لا ينتظرون موت اليمن كما انتظروا موت العراق وموت سوريا وموت ليبيا ومن قبل كل هؤلاء موت الصومال فما فعلت ايديهم ليس اكثر من واجهة لواقع يمكن وصفه دون تردد بالهش والمؤلم والمعتل.

كاتب يمني