لماذا يراهن المستثمرون العالميون بقوة على الصين

الحدث الأحد ٠٤/مايو/٢٠٢٥ ٢٠:٠٦ م
لماذا يراهن المستثمرون العالميون بقوة على الصين

بقلم شين بينغ | تشاينا ديلي

"هنا، لوحات السيارات الخضراء تلمع أكثر من واحات الصحراء." مؤخرًا، أصبحت شوارع الشرق الأوسط مزينة بـ " الأخضر الصيني". فالمركبات الكهربائية الصينية تغزو أسواق الشرق الأوسط، حيث أصبحت واحدة من كل سيارتين جديدتين تعملان بالطاقة الجديدة في إسرائيل تحمل شعارًا صينيًا.

وعلى بُعد نصف الكرة الأرضية، يصدر بنك "دويتشه بنك" تقريرًا مثيرًا بعنوان: "الصين تلتهم العالم"، وتظهر على غلافه عبارة فرعية جريئة: "لحظة سبوتنيك هي للصين، لا للذكاء الاصطناعي".

كذلك، فإن رؤوس الأموال العالمية تُظهر ثقتها بالصين. فقد رفعت "جولدمان ساكس" مؤخرًا هدفها لمؤشر CSI 300 إلى 4700 نقطة. حتى "مورجان ستانلي" - الذي كان يومًا من أشد المشككين - قد غيّر موقفه، ورفع تصنيفه لمؤشر MSCI China إلى "وزن متساوٍ"، في إشارة إلى التفاؤل.

وراء هذا التفاؤل، هناك زخم نمو تقوده التكنولوجيا في السوق الصينية، إلى جانب دعم سياسي قوي من الحكومة.

قفزة تكنولوجية: من المتفرج إلى اللاعب الأهم

لم تعد البنوك العالمية تراهن على حجم الصين فحسب، بل على عقولها أيضًا. يبدأ هذا التفاؤل من تقدم تكنولوجي ملحوظ في الصين: التي كانت يومًا ما تسير خلف الركب، أصبحت اليوم من يقود السباق.

يعلن " دويتشه بنك": " نعتقد أن عام 2025 سيكون العام الذي يدرك فيه عالم الاستثمار أن الصين تتفوق على بقية العالم". ففي مطلع 2025، أطلقت الصين مشروع الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة "DeepSeek"، وهو ما يُعد لحظة فاصلة في اختراق الصين للتقنيات المتقدمة رغم العقوبات القاسية.

نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي تمثلها DeepSeek تُسهم في ديمقراطية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. قال بعض المستخدمين: "إنه يشبه ChatGPT لكن بميزانية وولمارت". إنهم لا يواكبون التطور فحسب، بل يعيدون كتابة قواعد اللعبة. فقد تحولت الصين من متابع للاتجاهات إلى قائد للصناعة، وتقدمها التكنولوجي لا يمكن كبحه.

وليس هذا النجاح حدثًا منفردًا. ففي عام 2024، جمعت مهمة "تشانغ آه-6" 1935.3 غرامًا من غبار القمر، في أول مهمة لجمع عينات من الجانب البعيد للقمر في تاريخ البشرية. كما أطلقت منظومة "بيدو-3" قمرين صناعيين جديدين، لتصبح نظام ملاحة معترفًا به عالميًا في مجال الطيران المدني بدقة تصل إلى مستوى السنتيمتر. وتجاوز إنتاج الصين من المركبات الجديدة العاملة بالطاقة 10 ملايين لأول مرة، لتكون بذلك الدولة الأولى في العالم التي تحقق هذا الإنجاز. كذلك، اختُبر بنجاح مروحية AR-500 من دون طيار - وهو مشروع رئيسي في اقتصاد الطيران المنخفض الارتفاع - في سيناريوهات حضرية متعددة مثل التوصيل غير المأهول ومكافحة الآفات الزراعية.

في مجال التصنيع، أنشأت الصين تجمعات من الأبطال الصناعيين. وقد توسعت بشكل سريع في مجالات ذات قيمة مضافة عالية، مع تعزيز مزاياها في سلاسل التوريد. فبعد أن كانت مصنع العالم للملابس والنسيج والألعاب، وقائدة في الإلكترونيات الأساسية والصلب وبناء السفن، تتصدر الصين الآن العالم في تقنيات القطارات فائقة السرعة ومعدات الاتصالات المعقدة.

النتيجة؟ الشركات الصينية تتفوق الآن في الأسواق العالمية بمنتجات ذات جودة عالية وأسعار مناسبة. الابتكار عالي القيمة في الصين يعيد تشكيل مشهد الصناعة العالمي.

وبالنسبة إلى دويتشه بنك، فإن هذا التحول من "ميزة الأداء مقابل التكلفة" إلى "علاوة التكنولوجيا" يذكر بصعود اليابان في الثمانينيات - ولكن بوتيرة أسرع.

الرسالة واضحة: انسَ عبارة " صُنع في الصين "، الشعار الجديد هو " ابتُكر في الصين ".

ركائز السياسات: القوة المُثبتة للسوق

ترتكز الثقة الأجنبية أيضًا على السياسات الملائمة في الصين. فقد دفعت توجيهات تنظيم السوق المالية لعام 2024 الشركات المدرجة إلى التحول من التوسع إلى مكافأة المستثمرين. ونتيجة لذلك، تم توزيع أرباح قياسية بقيمة 2.4 تريليون يوان (ما يعادل 330 مليار دولار) من الأسهم A في عام 2024.

وفي الوقت نفسه، عززت الجهات التنظيمية تدفقات رأس المال طويلة الأجل، وألغت القيود المفروضة على الاستثمارات في الأسهم لصناديق التقاعد والتأمين والتقاعد المبكر.

تلاحظ "غولدمان ساكس" أن "مجموعة أدوات السياسات في الصين - المالية والنقدية والبنيوية - تتسم بتكيف فريد". وبالنسبة للمستثمرين العالميين، أصبحت الشركات الصينية الآن بمثابة ملاذات آمنة وسط اضطرابات السوق.

الأفعال أبلغ من الأقوال: رؤوس الأموال تتحرك

الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال. فقد عزز صندوق التقاعد الحكومي النرويجي (GPFG) استثماراته في الصين بمقدار 50.8 مليار يوان (7 مليارات دولار) في عام 2024. وتتوقع "غولدمان ساكس" أن يرتفع مؤشر MSCI China بنسبة 14% في عام 2025. أما مايكل بَري، المستثمر الذي تنبأ بأزمة 2008 (والمعروف من فيلم The Big Short)، فقد استثمر بالكامل في الأسهم الصينية، وزاد من حصته في شركات مثل علي بابا وبايدو وJD.com.

بالطبع، يتطلب التفاؤل أيضًا الحذر. فقد دخل النمو الاقتصادي في الصين مرحلة جديدة بمعدل 5%، ولا تزال مخاطر ديون العقارات قائمة، كما أن التوترات الجيوسياسية زادت الضغط على تقنيات حيوية مثل رقائق أشباه الموصلات.

لكن، كما تقول الحكمة الصينية، تأتي الفرص العظيمة مع المخاطر. فعندما تبدأ مدخرات الأسر الصينية — البالغة 18 تريليون دولار — في التدفق إلى السوق المالية، وعندما تواصل الصين مساهمتها البالغة 30% في نمو الاقتصاد العالمي، وعندما يكون معدل نموها أكثر من ضعف معظم الأسواق المتقدمة، يصبح هذا التوجه لا يُمكن وقفه — ومن يفوّت الصين الآن، سيفوّت العقد الذهبي القادم. وفي خضم هذا التوجه، إما أن تركب الموجة أو تبقى على الشاطئ.

المؤلف هو معلق في الشؤون الدولية.

الآراء لا تعكس بالضرورة أراء ومواقف صحيفة الشبيبة.