واشنطن – ش
هاري ترومان ... الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية، تولى المنصب من 12 أبريل 1945 حتى 20 يناير 1953.
كان ترومان يشغل منصب نائب الرئيس الأمريكي لمدة 82 يوم ثم تولى الرئاسة خلفاً للرئيس فرانكلين روزفلت الذي توفي في المنصب، وكان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ميسوري (1935-1945) ، أشرف ترومان على إنهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام كلٍ من ألمانيا واليابان، كما أمر بإطلاق قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في أغسطس 1945، وعمل على إنشاء منطقة حلف شمال الأطلسي "حلف الناتو" في عام 1949، كذلك بدأت في عهده الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كما ساهم في التدخل العسكري في الحرب الكورية عام 1950.
انتقادات
تعرض ترومان للعديد من الانتقادات خلال عهده، خاصة في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1948، وفضيحة سقوط شبكات الشيوعية داخل إدارته، وظهور بوادر للفساد في إدارة ترومان والمرتبط بأعضاء في مجلس الوزراء وكبار موظفي البيت الأبيض، والتي كانت قضية جوهرية أثرت في تدني شعبيته وعدم دخول الانتخابات لفترة ثالثة، أثرت أيضاً هذه المشاكل على الحملة الانتخابية الرئاسية للمرشح الديموقراطي وخليفته أدلاي ستيفنسون عام 1952، مما أدى إلى خسارته امام المرشح الجمهوري دوايت أيزنهاور، تعد فترة ترومان من أكثر الفترات جدلاً بين المؤرخين والأكاديميين نظراً لارتفاع شعبيته في بدايه حكمه ثم تدنت بشكل قياسي في نهايتها، وبعد 20 عام من انتهاء فترة حكمه تحولت الى شكل أكثر إيجابية، وكان ترومان قد أعلن اعتزاله الحياة السياسية تماماً عقب خروجه من البيت الأبيض وقام بكتابة مذكراته، وتوفي في 26 ديسمبر 1972 ودفن في المكتبة والمتحف الرئاسي في مدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري.
زيارة تاريخية
تثير الزيارة التي يقوم بها الرئيس الاميركي باراك اوباما الى هيروشيما الاسبوع المقبل، نقاشا حادا حول قرار الرئيس الاميركي الاسبق هاري ترومان تنفيذ اول قصف ذري في التاريخ.
ففي 25 ابريل 1945، وبعد ثلاثة عشر يوما على وفاة فرانكلين روزفلت ووصول ترومان الى البيت الابيض، اطلع هذا الاخير على مذكرة سرية مذهلة.
وقال وزير الحرب هنري ستيمسون في تلك المذكرة التي سلمها الى ترومان باليد "في غضون اربعة اشهر، سنكون قد صنعنا السلاح الاكثر رعبا في التاريخ البشري، قنبلة واحدة يمكنها تدمير مدينة كاملة".
وحتى تلك اللحظة، لم تكن لدى ترومان اي فكرة عن "مشروع مانهاتن" القاضي بصنع اول قنبلة ذرية في العالم، رغم انه كان نائب روزفلت وعضوا سابقا في مجلس الشيوخ اشتهر بقيامه التحقيق في العقود الدفاعية ابان فترة الحرب.
وفي غضون اربعة اشهر، تم اختبار القنبلة الذرية بنجاح، واختيرت الاهداف، وتم القاء "ليتل بوي" و"فات مان" على هيروشيما وناغازاكي، ما ادى الى مقتل نحو 214 الف شخص واستسلام امبراطور اليابان هيروهيتو.
وتبقى السرعة التي اتخذ فيها ترومان قراره وظروف هذا القرار وتداعياته مثيرة للجدل. ولا تزال غالبية الشخصيات التي ستستقبل اوباما في اليابان تعتقد ان القصف الجماعي للمدنيين جريمة ولم يكن ضروريا.
وقد حض المعلقون الذين يعتبرون ان زيارة اوباما هي بمثابة اعتراف بالذنب، الرئيس الاميركي على عدم تقديم اعتذار.
وكتب استاذ التاريخ في جامعة نوتردام ويلسون ميسكامبل "عندما يزور اوباما هيروشيما في 27 ايار/مايو، يجب الا يضع اي مسافة بينه وبين هاري ترومان". واضاف "يجب ان يشيد بالرئيس الذي ادت اجراءاته الى انهاء حرب رهيبة".
انقسام
بالنسبة الى مؤيديه، لم يكن ترومان يملك خيارات كثيرة. ففي اواخر ربيع عام 1945، التقت القوات الاميركية والروسية عند نهر الالبه، وكان ادولف هتلر محاصرا، والحرب في اوروبا توشك على النهاية.
لكن حصيلة الضحايا في المحيط الهادئ كانت مرتفعة اكثر من اي وقت مضى. ولم تظهر اليابان اي اشارات على الاستسلام، رغم الخسائر الفادحة والهزيمة التي كان لا مفر منها.
وقال المؤرخ والكاتب ديفيد ماكولو ان اي وحدة يابانية لم تكن قد استسلمت حتى تلك اللحظة.
بالنسبة الى ترومان، وهو من قدامى المحاربين في الحرب الكونية الاولى، بدا ان خيار استخدام القنبلة، هو اولا وقبل كل شيء، وسيلة للاستعاضة عن غزو بري وحشي لليابان.
ولو حصل الهجوم البري الذي اطلق عليه اسم "عملية السقوط"، لكان شارك فيه مليون جندي اميركي وما يصل إلى 2,5 مليون جندي ياباني.
ورأى المخططون العسكريون الاميركيون في حينه ان العملية البرية ستودي بحياة ربع مليون شخص وتوسع الحرب لمدة عام او اكثر.
وبعدما تم اختبار القنبلة في نهاية شهر يوليو بنجاح، اعطى ترومان فرصة اخيرة لليابان.
وخلال لقائه بجوزف ستالين وونستون تشرشل في بوتسدام، دعا الزعماء الثلاثة طوكيو الى "الاستسلام بلا قيد او شرط"، او مواجهة "التدمير الفوري والتام".
وانتظر الحلفاء بفارغ الصبر الجواب الياباني الذي اعطاه رئيس الوزراء كانتارو سوزوكي.
وعندما سأل الصحافيون سوزوكي عن موقفه، اجابهم بكلمة "موكوساتسو"، اي "لا تعليق" التي ترجمت الى "لا يستحق التعليق".
وبحسب تقرير لوكالة الامن القومي الاميركي حول مخاطر سوء الفهم، جاء "قرر المسؤولون الاميركيون الغاضبون اتخاذ اجراءات صارمة بسبب لهجة بيان سوزوكي الذي من الواضح انهم رأوا فيه مثالا آخر على التعصب والروح الانتحارية".
معارضون
وكانت هناك اصوات ضمن الدائرة المقربة للرئيس ترومان تعارض استخدام القنبلة النووية، بمن فيهم دوايت ايزنهاور، الرئيس المستقبلي الذي كان انذاك جنرالا.
وكتب ايزنهاور لاحقا "كنت واحدا من اولئك الذين شعروا بان هناك عددا من الاسباب المقنعة للتشكيك في حكمة هذا العمل".
لكن ليست هناك ادلة كثيرة على ان ترومان فكر جديا بالتخلي عن ثمار برنامج كلف ملياري دولار عمل عليه روزفلت سرا على مدى سنوات. والارجح انه رأى في السلاح الذري امتدادا رهيبا لكن مفيدا للاسلحة التقليدية.
ولا يبدو انه كان هناك ادراك بان اسقاط القنبلة الذرية سيحفز سباق تسلح مع الاتحاد السوفياتي، وهو سباق سيطبع القرن الذي تلا الحرب العالمية الثانية.
وكتب المؤرخ شون مالوي "ما ناقشه القادة الاميركيون على نطاق واسع، واحيانا بحماسة، هو اين ومتى تستخدم القنبلة. (...) هل ينبغي ان تستخدم ضد المانيا او اليابان؟ ما الاهداف التي قد تكون مناسبة لسلاح كهذا؟ هل ينبغي اولا اصدار تحذير؟".
عندما القيت القنبلة، لم يذكر ترومان فورا عدد الخسائر في صفوف المدنيين، حتى انه وصف بعد بضعة ايام هيروشيما بانها "قاعدة عسكرية"، ما دفع الى طرح تساؤلات حول ما اذا كان مدركا لحجم الدمار.
واستبعد البيت الابيض ان يتطرق اوباما مجددا الى القضية الاوسع وهي ما اذا كان ينبغي اسقاط القنبلة ام لا.
وردا على سؤال عما اذا كان يمكن لاوباما ان يتخذ قرار ترومان، قال المتحدث جوش ارنست "اعتقد ان ما كان الرئيس ليقوله هو انه من الصعب ان تضع نفسك في هذا الموقف".
واضاف "اعتقد ان الرئيس يبدي تقديرا لكون الرئيس ترومان اتخذ ذاك القرار للدوافع الصائبة. الرئيس ترومان ركز على مصالح الامن القومي للولايات المتحدة... ووضع حدا لحرب رهيبة. وعندما اتخذ الرئيس ترومان القرار، كان مدركا تماما للخسائر البشرية المحتملة".
واردف "اعتقد انه من الصعب ان ننظر الى الوراء وان نعيد تقدير الامور".