لا أحد يعلم الى أين تسير الامور في ظل الفوضى العارمة التي يشهدها الاقتصاد العالمي حاليا بسبب قرارات إرتجالية مفتعلة قد تؤدي الى حرب اقتصادية عالمية تؤثرعلى اقتصاديات الدول الصغيرة والدول ذات الاقتصاد الريعي كدول المنطقة وقد تطال دول العالم.
لقد عاش العالم حرب باردة أستمرت لسنوات عديدة بين الإتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة الامريكية وانتهت تلك الحرب بتفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 و في زمن كانت امريكا تشكل القوة عسكرية والاقتصادية قد تكون الاوحد ، أما الان فقد تغير الوضع كثيرا فما تقوم به امريكا من رفع الرسوم الجمركية لتشمل اكثرمن 180 دولة حول العالم ماهي الا حرب اقتصادية سوف تعود عليها بالضرر على المدى والمتوسط والبعيد وتأثيراتها السلبية سوف تمس دول تعتمد اعتمادا كبيرا على الاستيراد.
الوضع حاليا تغير كثيرا خاصة بعد صعود تكتل اقتصادي كبير والذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا والذي يطلق عليه البريكس(BRICS) هذه المجموعة تشكل قوة إقتصادية تستطيع ان تقف سدا منيعا ضد الهيمنة الامريكية حيث ان ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة يشكل حوالي 38 % من الناتج المحلي العالمي بينما الناتج المحلي الأمريكي اصبح يشكل حوالي 27% فقط من الناتج المحلي العالمي ،من هنا فأن هذه الدول بالاضافة الى دول اخرى مثل كندا سوف لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه القرارات.
إذا لم تتراجع أمريكا عن قراراتها الأخيرة فإن الاقتصاد الامريكي سوف يشهد انكماش كبير لم يشهده منذ الكساد العالمي والذي حصل في بداية الثلاثينات من القرن الماضي والذي بداء بإنهيار سوق الاسهم الامريكية ثم انتشر ليؤثر على اقتصادات العالم وصاحب ذلك حروب وازمات جيوسياسية وتفشي البطالة وانخفاض الطلب على السلع والخدمات و قد يتكرر نفس هذا المشهد، وحسب المؤشرات فإن اغلب الدول ذات الاقتصادات القوية سوف ترد الصاع صاعين.
لاحظنا الردود السريعة من دول مثل الصين وكندا والبرازيل التي سارعت الى اتخاذ اجراءات جمركية مضادة برفع التعريفات الجمركية على السلع الامريكية بنسب متفاوتة فعلى سبيل المثال قررت كندا رفع التعرفة الجمركية على استيراد السيارات الامريكية بنسبة 25% وهذا يعني انهيار سوق فورد وتسلا ويفروليه وغيرها في ثاني اكبر سوق تصديري في عالم السيارات، وحتى كتابة هذا المقال لازال الصراع والمزايدات على اشدها بين الكبار تارة خفض وتارة اخرى رفع الرسوم الجمركية ولا احد يعلم الى اين يتجه الاقتصاد العالمي وما هو مصير ضحاياه الكثر.
الدول التي سوف تتأثر مباشرة بمثل هذه القرارات الجمركية هي الدول الريعية والتي تعتمد على مصدر واحد للدخل ولا يوجد لديها تنوع اقتصادي وتعتمد على الخارج في استيراد المواد الخام واغلب المنتجات والسلع وبالنسبة لسلطنة عمان فلا شك أن التأثير سوف يكون كبيرا على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلك المحلي ولاحظنا مباشرة تؤثر سوق النفط بإنخفاض كبير وصل الى اكثر من 10% خلال اسبوع.
واذا علمنا بأن موازنة السلطنة لهذا العام مبنية على سعر 60 دولار للبرميل من النفط ونحن لازلنا في بداية الربع الثاني من هذا العام حيث انخفض سعر البرميل ليصل الى 61 دولار ومرشح للهبوط اذا ما استمرت هذه الحرب الاقتصادية المستعرة حاليا ناهيك عن ان العديد من السلع المستوردة متوقع ان ترتفع قيمتها وبالتالي سوف يؤثر ذلك على المستهلك المحلي وقد تزيد نسبة التضخم وقد لاحظنا تؤثر أسواق المال في المنطقة بهبوط وصل الى اكثر من 10% ، وقد يصل الامر الى اعادة النظر في بعض البرامج والمشاريع المعتمدة ضمن موازنة هذا العام والذي لا نتمناه.
مثل هذه الازمات الاقتصادية العالمية ينبغي أن نستفيد منها بدلا من شد الأحزمة في كل مرة.
والشي الغريب ان الجميع مقتنع بأهمية الخروج من الاقتصاد المعتمد على مصدر وحيد للدخل الى التنويع الاقتصادي.. من هنا نتسائل اين تكمن المشكلة والخلل ولماذا لم نستطيع حتى الان الخروج من عنق الزجاجة.؟؟
رؤية عمان 2040 وقبلها رؤية 2020 من اهم محاورهما التنويع الاقتصادي ورفع مساهمة قطاعات اقتصادية الغير نفطية في الناتج المحلي الا ان هذه القطاعات تنموا بشكل بطيء كما يبدو.. لقد عولنا كثيرا على قطاع السياحة على اعتبار ان السلطنة تمتلك مقومات سياحية كما عولنا على قطاع التصنيع على إعتبار انه لدينا بنية أساسية جيدة من مناطق حرة ومناطق صناعية جاهزة وتحدثنا عن تطوير القطاع الزراعي والامن الغذائي على اعتبار اننا نملك تنوع بيئي وبيولوجي مناسب يؤهلنا ان نكون منتجين للعديد من المنتجات.
وعولنا على قطاع الثروة السمكية على اعتبار أن الله حبانا بشواطيء ممتدة يصل طولها الى اكثر من 3000 كيلو متر وبنية اساسية متثملة في مواني الصيد وعولنا على اقطاع اللوجستي على اعتبار ان موقع السلطنة فريد من نوعه حيث يطل على ثلاث محيطات وبحار ويتوسط الشرق والغرب..لذا نقول لعل هذه المرة تتضافر الجهود ونتعلم من الدروس لبناء اقتصاد قوي ومتنوع يقوم على اسس متينة.