السيدة بسمة آل سعيد في حوار خاص لمجلة هن: هذه هي الأمومة كما أعيشها وأتعلم منها

مزاج الأحد ٢٣/مارس/٢٠٢٥ ١٧:١٩ م
السيدة بسمة آل سعيد في حوار خاص لمجلة هن: هذه هي الأمومة كما أعيشها وأتعلم منها

مسقط - الشبيبة

جناب السيدة بسمة آل سعيد، أم متفانية لأربعة أطفال مميزين: سارة البالغة من العمر 17 عامًا، وطارق وليث التوأم اللذان يبلغان من العمر 15 عامًا، وجنى ذات التسع سنوات، لا تقتصر تجربتها على الأمومة فقط، بل تنعكس أيضًا خبرتها في مجال الصحة النفسية على دورها كأم.

برفقة زوجها صاحب السمو الدكتور أدهم آل سعيد، الذي يشاطرها رحلتها في الحياة، تسعى جناب السيدة بسمة لتوازن بين مهام الأمومة ومتطلبات الحياة اليومية.

ومن خلال حوار صحفي خاص لمجلة "هن"، أقتربت السيدة بسمة أكثر من تجربتها كأم وكيف يسهم عملها في مجال الصحة النفسية في تعزيز علاقتها بأطفالها. نغوص في عالمها العاطفي لنكتشف كيف تدير حياتها كأم محبة وحنونة، وكيف تزرع قيم العناية والرعاية النفسية في قلوب أطفالها، مما يجعلها قدوة في العطاء والتفاني.

كيف تصفين تجربتك كأم تعمل في مجال الصحة النفسية؟

تجربتي كأم تعمل في مجال الصحة النفسية تجربة غنية وعميقة، فأنا أعشق هذا المجال، ومع مرور السنوات يزداد حبي له لأنه مجال إنساني يحمل في طياته علماً عميقاً وقصصاً مؤثرة لأشخاص وثقوا بنا لمشاركة تجاربهم. إنه أمانة عظيمة، وأجمل ما فيه هو رؤية التغيير الإيجابي عندما ينتقل شخص من حالة صعبة إلى التحسن.

كأم، كان دوري دائماً يتمحور حول تعليم أطفالي أهمية التعبير عن مشاعرهم، وكيفية التعبير عن الغضب، الفرح، الحزن، أو الزعل. هذا الأمر منحنا بيئة حوار مفتوحة، لكنه أيضاً جعل أطفالي أكثر وعياً بمشاعرهم، وأحياناً أكثر حذراً في تقبل بعض الأمور بسهولة، إذ يقولون لنا: “أنتم تريدون منا دائماً التحدث عن مشاعرنا!”.

ابنتي اليوم عضو في جمعية الصحة النفسية في مدرستها، وقد حرصت على إدخال أطفالي في هذا المجال ليعرفوا طبيعة عملي، ولماذا أسافر كثيراً أو أكون غير متواجدة في بعض الأحيان. أردتهم أن يفهموا رسالتي ودوافعي، وهذا جعلهم أكثر تفهماً لما أقوم به.

التوازن بين العمل والأمومة: التحديات والتفاهم

في الواقع، لا أؤمن بفكرة “التوازن” بين العمل والأمومة بالمعنى التقليدي، بل أرى أن هناك تناغماً وتفاهماً مستمراً. عندما تشرح لأطفالك طبيعة عملك، تستشيرهم، وتشركهم في قراراتك، يصبحون أكثر تفهماً ودعماً، مما يسهل إدارة المسؤوليات.

هناك من يعتقد أن كوني أخصائية نفسية يعني أن أطفالي لا يواجهون مشكلات أو قلقاً، وهذا غير صحيح. مثل أي أم، أساعد أطفالي عندما يمرون بمواقف صعبة، لكنني في النهاية أم، ومشاعري قد تؤثر على طريقة دعمي لهم. لهذا، أشجعهم أحياناً على استشارة زملائي المختصين ليحصلوا على دعم محايد.

في المنزل، أنا أم متفانية، وزوجي شريك رائع في تربية الأطفال. اتفقنا على تقسيم الأدوار والعمل معاً لبناء أسرة متماسكة، وعندما وجدنا أن علاقتنا قوية ومبنية على تفاهم عميق، قررنا توسيع عائلتنا وإنجاب المزيد من الأطفال.

بعد جائحة كوفيد، أصبحت أسافر أقل مما كنت أفعل سابقاً، أسرتي تحتل المكانة الأولى في حياتي. التجربة التي مررنا بها خلال الجائحة عززت روابطنا العائلية وجعلتنا نقدّر وجودنا معاً أكثر، كما أن شخصيتي نفسها تغيرت كثيراً بعد تلك الفترة.

كيف تتعاملين مع تحديات الأمومة؟

التحدي الأكبر الذي أواجهه في الأمومة هو كيفية التعامل مع متطلباتها بطريقة صحيحة، فهي تجربة تدفعني إلى التفكير العميق والتعلم المستمر. وعلى الرغم من تخصصي في الصحة النفسية، فأنا، كأي أم، أحتاج إلى الدعم، وما زلت حتى اليوم ألجأ إلى والدتي، أشاركها تفاصيل حياتي، وأستفيد من حكمتها وتفانيها. علاقتي بها مميزة، وقد تعلمت منها الكثير مما ساعدني في تربية أطفالي.

أحرص دائماً على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع أطفالي، لأنني أؤمن بأن التواصل الصادق هو الأساس في بناء الثقة بينهم وبيننا. أشجعهم على التعبير عن مشاعرهم ومشاركة التحديات التي يواجهونها، تماماً كما كانت تفعل والدتي معي، حيث غرست فيّ أهمية الحديث عن كل تفاصيل يومي، وهذا ما أسعى لتطبيقه مع أطفالي أيضاً.

إلى جانب ذلك، أعمل على تنمية الروابط العاطفية بينهم، وأغرس فيهم قيمة الحب والتعاطف، ليكونوا إخوة متماسكين ومحبين لبعضهم البعض في المستقبل.

 هل تؤمنين بمفهوم الأم المثالية؟

لا، على الإطلاق. لكل أم تجربتها الخاصة وفقاً لظروفها وتحدياتها. مفهوم “الأم المثالية” يضع ضغطًا غير مبرر على الأمهات، خاصةً الأمهات العاملات، اللاتي يشعرن بأن عليهن التوفيق بين العمل والأسرة بشكل مثالي، وإلا فهن مقصرات.

المجتمع كثيرًا ما يسأل المرأة عن توازنها بين العمل والأمومة، لكنه نادرًا ما يوجه السؤال نفسه للرجل. لماذا لا يُطلب منه أن يكون “مثاليًا” أيضًا؟

رسالتي لكل أم: افعلي ما تستطيعين، ولا تخجلي من قول “لا أستطيع” عندما يكون الأمر فوق طاقتك. هذا ليس ضعفًا، بل وعي بحدودك. أحبي نفسك أولًا، حتى تستطيعي منح الحب لمن حولك.

برأيك، ما هي أكبر الضغوط النفسية التي تواجهها الأمهات اليوم؟

المجتمع، بلا شك. نحن نميل إلى الاستماع كثيرًا لآراء الآخرين، وهذا ما يجعل الأمهات يشعرن بالضغط المستمر. في كثير من الأحيان، تبذل الأم جهدًا هائلًا وتقوم بدورها على أكمل وجه، لكن المجتمع يجعلها تشعر بالتقصير، مما ينعكس سلبًا على صحتها النفسية.

رسالتي لكل أم: لا تجعلي توقعات الآخرين تتحكم في إحساسك بالنجاح أو التقصير. ركزي على أسرتك الصغيرة، فهم الأهم، وهم الذين يستحقون طاقتك واهتمامك الحقيقي.

كيف يمكن للأم أن تعتني بصحتها النفسية وسط الضغوطات اليومية؟

من المهم أن تبحث الأم عن شغفها وتمارس هواياتها، فذلك يعزز مشاعرها الإيجابية تجاه نفسها. لا يجب أن تتخلى عن أحلامها أو تدفن رغباتها من أجل الأسرة، بل عليها أن تجد توازناً بين دورها كأم واحتياجاتها الشخصية.

عندما يرى الأطفال والدتهم تمارس ما تحب، فإنهم يتعلمون قيمة السعي وراء الشغف وتحقيق الذات. للأسف، نرى الكثير من الأمهات يصلن إلى مرحلة معينة من العمر ويشعرن بالإحباط، وكأنهن لم يحققن شيئًا لأنفسهن. لهذا السبب، من الضروري أن تمنح الأم ذاتها وقتًا خاصًا، حتى تكون أكثر سعادة وتوازنًا، مما ينعكس إيجابيًا على أسرتها أيضًا.

كيف يمكن التعامل مع مشاعر الذنب التي تشعر بها كل الأمهات؟

مشاعر الذنب أمر طبيعي تمر به معظم الأمهات، فهو دليل على الحب والمسؤولية. لكن الأهم هو أن يكون هذا الشعور في مستوى متوازن ومعقول، دون أن يتحول إلى عبء نفسي مستمر.

في الواقع، عدم الشعور بالذنب نهائيًا قد يشير إلى عدم الاكتراث، وهذا ليس طبيعيًا. لذلك، بدلاً من الغرق في هذه المشاعر، يمكن للأم أن تقوم بأي لفتة صغيرة تجاه أسرتها، كقضاء وقت نوعي معهم أو التعبير عن حبها بطرق بسيطة، مما يمنحها إحساسًا بالرضا والتوازن. تذكري أن الأم المثالية غير موجودة، لكن الأم المحبة والمجتهدة كافية تمامًا.

نعيش اليوم تحديات الحياة الرقمية وإدمان التكنولوجيا وانعكاساتها على الصحة النفسية للأطفال: كيف تتعاملين مع أطفالك في هذا الخصوص؟

لكل زمن تطوراته واختراعاته، ولكل جيل أدواته الخاصة. من الضروري على الأم أن تواكب هذه التغييرات وتتعلم كيفية التعامل مع التكنولوجيا الحديثة لأنها جزء من المستقبل، وبالتالي ستتمكن من التواصل مع أطفالها ومواكبتهم في هذا المجال.

هذا التطور لن يختفي، بل سيزداد في المستقبل القريب، لذلك يجب أن نكون حذرين ونحاول تعليم أطفالنا كيفية التعامل مع هذه الوسائل بحذر. من المهم أن نكون إلى جانبهم، حتى نتمكن من توجيههم بشكل صحيح.

كل أم عليها أن تواكب وتتعلم استخدام هذه الوسائل، وألا تنأى بنفسها عنها. بذلك ستكون قادرة على توجيه النصائح لأطفالها بشكل مدروس ومتوازن، للحفاظ على صحتهم النفسية

ما هي أجمل لحظة عشتِها كأم؟

أجمل لحظة بالنسبة لي ولزوجي كانت انتظار ولادة أطفالي، وما صاحبها من فضول وتوقعات حول جنسهم وشكلهم.

من اللحظات التي لا تنسى أيضًا كانت أول مرة ذهب فيها أطفالي إلى المدرسة، ورؤية لحظاتهم المفضلة هناك ومشاركتهم في الأنشطة المدرسية.

لكن الأجمل من ذلك هو اليوم الذي عندما تخبرني بناتي بكل شيء يحدث معهن، وأسرارهن التي يشاركني إياها. في تلك اللحظات، أشعر بسعادة غامرة وأشعر أنني قد انتصرت كأم.

الدرس الأكبر الذي تعلمته من تجربة الأمومة ؟

تعلمت من الأمومة أن الحساسية ليست ضعفًا، وأن الخوف ليس ضعفًا أيضًا. التفكير المستمر والقلق المعقول من جانب الأم ليس خطأ، بل هو جزء من طبيعتها. كل هذه المشاعر، مثل الغيرة، القلق، والخوف، هي مشاعر طبيعية، فهي ببساطة جزء من كينونة الأم

ما هي أكبر مخاوفك كأم؟

أكبر مخاوفي كأم تكمن في مرض أحد أطفالي. عندما يمرضون، أشعر بالعجز والخوف، ويصعب علي قبول أي ضرر قد يصيبهم. كما أنني أجد صعوبة في تحمل فكرة فراقهم أو سفرهم، رغم سعادتي بتقدمهم في الحياة. أدعو لهم دائمًا، وأطلب من الله أن يحميهم.

كيف تحتفلين بيوم الام مع أطفالك؟

أحب مشاهدة أطفالي وهم يخططون للاحتفال بيوم الأم، كما كنا نفعل لأمهاتنا في طفولتنا. إضافة إلى ذلك، أستمتع برؤية اهتمام زوجي بهذا اليوم، ليس لي فقط بل لأسرته أيضًا. هذا التفاعل يعلم أطفالي أهمية هذا اليوم ويشجعهم على تقديره والاهتمام به في المستقبل.

النصيحة التي كنت تتمنين سماعها من والدتك عندما أصبحت أم لأول مرة؟

أمي كانت مصدر طاقة إيجابية رائعة، وقد علمتني أن القلق الذي تشعر به الأم لأول مرة هو أمر طبيعي. ولكن الأهم هو عدم الاستماع لنصائح الآخرين بشكل مفرط. كثيرون ينقلون تجاربهم السيئة، مثل التعب والألم، مما قد يؤثر على تجربة الأم ويجعلها تبدو صعبة. لذلك، يجب أن نركز على الأشياء الجميلة وأن نعيش التجربة بكل لحظة. النصيحة الأهم هي أن تكون هناك شراكة حقيقية بين الأم والأب، لأنها أساس نجاح تجربة الأمومة. إذا غابت هذه الشراكة، تصبح الأمور أكثر صعوبة.

ما هي رسالتك لكل أم بعيد الأم؟

عندما تكونين أمًا، كل لحظة تحمل معها جمالًا وتحديات. استمتعي بكل مرحلة تمرين بها، فهي جزء من رحلة مليئة بالمشاعر المتنوعة. قد تشعرين بالحزن أحيانًا عندما يكبر أطفالك ويحتاجونك أقل مما كانوا يفعلون في الماضي، لكن تذكري أن احتياجهم لك سيتغير مع مرور الزمن، وسيظهر بطرق جديدة. استمتعي بكل لحظة، سواء كانت سهلة أو صعبة، فهي لحظات لن تتكرر.

ماذا تقولين لوالدتك بعيد الام؟

أمي، أنتِ حبي الكبير وعالمي الرائع. حياتي بلا معنى من دونكِ، فوجودكِ يعطيني الأمل والطمأنينة. روحكِ الجميلة وابتسامتكِ المشرقة تملأ حياتنا بالبهجة. أقول لكِ كل عام وأنتِ بخير، فليس في هذه الحياة شيء أعظم من الأم. عندما أنجبت أطفالي، ازداد حبي لكِ أكثر وأكثر، فأنتِ ملجأي وملاذي، وأنا محظوظة بوجودك في حياتي.