مسقط - الشبيبة
في رحلة مليئة بالتحديات والآلام، اختارت حنان البوسعيدية، التي تواجه مرض البروفيريا النادر والمزمن، أن تخوض تجربة الأمومة رغم المخاطر الصحية التي قد تهدد حياتها. إنها باختصار تجسد قوة الإيمان والإصرار على تحقيق الأحلام مهما كانت الصعوبات.
من خلال كلماتها، كشفت البوسعيدية في حوار خاص لموقع مجلة "هن" كيف تحولت الصعاب إلى دافع للمضي قدمًا في الحياة، وكيف أصبحت الأمومة بالنسبة لها أسمى وأجمل تجارب الحياة. هذا الحوار هو رسالة أمل لكل امرأة تواجه صعوبات صحية، وتبحث عن الأمل في تحقيق أحلامها، مهما كانت التحديات.
البروفيريا مرض قاسٍ، كيف يؤثر على حياتكِ اليومية؟ وما أكبر التحديات التي تواجهينها بسببه؟
البروفيريا مرض نادر ومزمن، ولا يوجد له علاج شافٍ حتى الآن، مما يجعله جزءًا دائمًا من حياتي. تأثيره عميق ومتعب، خاصة وأنني أعيش في مرحلة شبابي، حيث يفترض أن تكون هذه السنوات مليئة بالحركة، التجارب، والتحديات. المرض يؤثر على جميع جوانب حياتي اليومية، خصوصًا عندما أحتاج إلى التحرك كثيرًا أو الاعتماد على نفسي في التنقل والقيام بالأنشطة المختلفة، مما يجعل بعض الأمور البسيطة أكثر صعوبة.
س: بالرغم من صعوبة العيش مع هذا المرض، قررتِ خوض تجربة الحمل والأمومة – كيف اتخذتِ هذا القرار؟ وما المشاعر التي رافقتكِ خلال هذه الرحلة؟
الأمومة فطرة مزروعة في كل امرأة، وبجانب أحلامي الدراسية والمهنية، كنت دائمًا أحلم بأن يكون لي عائلتي وبيتي. لكن القرار لم يكن سهلًا أبدًا، فقد أخبرني أطبائي أن الحمل شبه مستحيل وخطير جدًا على جسدي، خاصة مع العلاج المكثف الذي أخضع له. ومع ذلك، كان لدي إيمان قوي بربي وثقة بقدرة جسدي على خوض هذه التجربة.
في البداية، واجهت الكثير من الصعوبات، فقد تعرضت للإجهاض بسبب قوة العلاج وضعف جسدي. لكنني اتخذت قرارًا شجاعًا بإيقاف الجرعات القوية حفاظًا على صحة جنيني، رغم التحديات والمخاطر. كانت رحلة صعبة، لكن بفضل الله ودعم من حولي استطعت تجاوز أصعب الأيام. ومع تقدم الحمل وتكيف جسدي مع التغيرات، وبإشراف طبي دقيق، نجحت في خوض هذه التجربة بأمان رغم العقبات.
تزوجتي وانفصلتي سريعا.. لماذا اتخذت هذا القرار ؟
الزواج حدث بسرعة وكان بشكل خاص، لكنني وزوجي اتخذنا قرار الانفصال، وقمت بطلب الخلع حفاظًا على صحتي وسلامتي وسلامة جنيني. لم يكن الأمر سهلًا، خاصة في وقت كنتُ بأمسّ الحاجة إليه، لكنني أدركت أن الأمومة مسؤولية تحتاج إلى بيئة مستقرة. لذلك، تقبلت فكرة أن أكون أمًا مستقلة، وأواجه التحديات بقوة، مستمدة دعمي من عائلتي، أصدقائي، والمجتمع من حولي. لم يكن القرار سهلًا، لكنه كان الأفضل لي ولطفلي، وأنا اليوم أخوض هذه الرحلة بثقة ودون خوف.
ما التحديات والمخاطر الصحية التي واجهتكِ خلال الحمل والولادة، سواء لكِ أو لطفلكِ؟ وكيف تمكنتِ من تجاوزها؟
خوض تجربة الزواج والحمل والولادة وأنا مصابة بمرض عصيب، وفي الغربة بعيدًا عن أهلي، كان من أصعب التحديات التي واجهتها. لكن رغم المخاطر، كانت الأمومة حلمًا لطالما تمنّيته، والمشاعر التي رافقتني خلالها خففت عني كل ألم.
كان القرار محفوفًا بالمخاطر، خاصة بعد تجربة الإجهاض السابقة، واضطراري لإيقاف جرعاتي العلاجية حتى لا أفقد طفلي مرة أخرى. واجهت أعراضًا قوية للمرض، مما أجبرني على البقاء طريحة الفراش لشهرين كاملين في بداية الحمل. عشت تجربة الحمل بمفردي تقريبًا، فقد كان زوجي السابق يسافر للعمل كثيرًا، مما جعل التحديات مضاعفة. ومع ذلك، لم أفقد الأمل، وتمسكت بأحلامي رغم كل الصعوبات.
أما الولادة، فكانت أيضًا رحلة صعبة ومليئة بالمخاطر الصحية، لكنني كنت على يقين بأنني سأحتضن طفلي قريبًا، وهذا اليقين منحني القوة والصبر. بفضل الله، ودعم من حولي، استطعت تجاوز التحديات، واليوم أعيش هذه التجربة بكل امتنان، فقد كانت محطة صقلتني وقوّت شخصيتي بشكل لا يوصف.
بعد أن أصبحتِ أماً، كيف تصفين شعوركِ عند احتضان طفلكِ لأول مرة؟
لا توجد كلمات قادرة على وصف هذه المشاعر، فهي أطهر وأسمى أنواع الحب التي اختبرتها في حياتي. الحمد لله، فأنا أعيش الآن أجمل أيامي بفضل هذه النعمة العظيمة.
لحظة احتضان طفلي لأول مرة كانت تفوق الوصف، مزيج من الامتنان، الفرح، والدهشة، وكأن العالم بأسره توقف ليحتفي بهذه اللحظة. مهما حاولت التعبير، ستبقى كلماتي قاصرة أمام جمال رحلة الأمومة. كل ما أتمناه من قلبي هو ألا يُحرم أي قلب مشتاق من هذا الحب المختلف وهذه التجربة التي تُغير الحياة بأكملها.
كيف تؤثر حالتكِ الصحية على دوركِ كأم؟ وما الاستراتيجيات التي تتبعينها للتكيف مع الأمومة رغم التحديات؟
لا شك أن مرضي يؤثر على دوري كأم، فأحيانًا أشعر بآلام شديدة وضعف يمنعني من حمل طفلي لفترات معينة، بالإضافة إلى الإرهاق العام الذي يرافقني نتيجة تاريخي مع الشلل وضعف الأطراف. كما أن جلسات علاجي وما يترتب عليها من آثار جانبية قوية مثل القيء، الألم، ونوبات الصرع تجعل الأمر أكثر تحديًا.
لكن رغم كل ذلك، أؤمن أن الأمومة رحلة مليئة بالقوة والإرادة، لذلك أسعى للتكيف من خلال التوكل على الله، وتلقي الدعم من أهلي وأصدقائي، إضافةً إلى وضع روتين يومي مرن يناسب حالتي الصحية واحتياجات طفلي. لا أسمح لمرضي أن يتحكم في حياتي، بل أواجهه بإيمان ويقين بأن الله معي في كل خطوة، وأنني قادرة على العيش بسعادة رغم التحديات.
هل تلقيتِ الدعم الذي كنتِ بحاجة إليه خلال رحلتكِ، سواء من العائلة، الأطباء، أو المجتمع؟
الحمد لله، أعتبر نفسي محظوظة جدًا بكل الحب والدعم الصادق الذي تلقيته، والذي يمتد الآن ليشمل طفلي أيضًا. نحن ممتنون لكل شخص كان جزءًا من رحلتي، ولكل من ساهم في تيسير مرحلة حملي وولادتي رغم كوني في الغربة. كان للدعم الإيجابي الذي تلقيته أثر كبير في تخفيف التحديات التي واجهتها، وأنا ممتنة بشكل خاص لوالدتي التي كانت دائمًا بجانبي تُعطيني القوة والصبر في أصعب اللحظات. كذلك، لا أستطيع أن أنسى صديقاتي في الغربة اللاتي قدم لي الدعم المعنوي والمساعدة العملية، وكانوا مصدر راحة كبيرة لي في تلك الفترة، ومجتمعي الذي أعطاني القوة والدعم في كل المراحل.
أين وصلتِ في علاجكِ اليوم؟ وهل هناك أي تطورات في التعامل مع المرض أو خيارات علاجية جديدة؟
عدتُ مجددًا إلى جدول علاجي السابق بعد أن أوقفت الأدوية القوية طوال فترة حملي، حفاظًا على حياة طفلي وتجنبًا لفقدانه مرة أخرى. للأسف، لا يزال مرض البورفيريا بلا علاج شافٍ، ولكن هناك علاجات تخفف الأعراض. خلال السنوات الأخيرة، تم اكتشاف دواء جديد يساعد في التخفيف من حدة المرض، وكنتُ من أوائل من جربوه حول العالم. بفضل الله، لاحظتُ تحسنًا كبيرًا، إذ تراجعت الأعراض الحادة وانخفضت حاجتي لزيارة المشفى. والأجمل من ذلك أن الدواء أصبح متوفرًا في بلدي، سلطنة عمان، وأنا الآن أودّع الغربة في أمريكا بعد 11 عامًا من الدراسة والعلاج، استعدادًا للعودة إلى وطني.
كيف ترين مستقبلكِ ومستقبل طفلكِ في ظل تحديات المرض؟ وما أحلامكِ وطموحاتكِ للأيام القادمة؟
أتمنى من كل قلبي أن أنجح في محاربة مرضي وألا يكون هو المنتصر عليّ. وجود ابني إلى جانبي هو أكبر دافع لي للاستمرار في هذه المعركة، وهو محفز قوي لبناء حياة أفضل له. أحلم بأن يمنحني الله الشفاء كي أعيش مع ابني سنوات مليئة بالذكريات الجميلة، وأتمنى أن يكتب لنا جميعًا العمر الطويل، أنا وأمي وأخوتي، حتى أظلّ موجودة لأكون سندًا له. كل ما أريده هو أن يعيش ابني حياة أفضل من حياتي، وأن أتمكن من توفير حياة كريمة ومباركة له بفضل الله. على الرغم من التحديات الصحية التي أواجهها، وبالأخص وأنا أربي ابني بمفردي بعد قرار الانفصال، فإنني أؤمن بأن التوكل على الله والدعم من الأهل والأصدقاء والمجتمع سيمكنني من تجاوز أي صعوبة.
أخيرًا، ما الرسالة التي تودين توجيهها لكل امرأة تعاني من مرض مزمن وتفكر في الأمومة؟
أولاً، استشيري أطبائك ولا تخاطري بحياتك كما فعلت. تأكدي أن رب الخير لا يأتي إلا بالخير، وكل شيء هو مسألة وقت وحكمة ربانية لا يعلمها إلا الله. لذلك، لا تفقدي الأمل، واستمري في البحث عن الحلول التي تناسب حالتك وتساعدك على تحويل حلمك إلى حقيقة. في عام 2025، الطب والحياة قد تطورا بشكل كبير، وهناك حلول لأغلب التحديات التي قد نواجهها. توكلي على الله، استشيري طاقمك الطبي، وتذكري أن وجود الأبناء في حياتنا هو نعمة. نعم الله تأتي لنا بأشكال مختلفة، وقد يحرمنا من بعض النعم أحيانًا ليختبرنا، لكنه يعوضنا بألف نعمة ليجبرنا. لذلك لا تفقدي الأمل و اتقي الله في نفسك فأنت تستطيعين.