مسقط - خالد عرابي
تتمتع العلاقات العمانية الصينية بروابط وثيقة تنعكس على التعاون بين البلدين الصديقين في شتى المجالات، وتلعب الدبلوماسية والسفارات لدى البلدين دور كبير في العمل على زيادة أوجه التعاون بين البلدين بما ينعكس عليهما وعلى الشعبين بالنفع .. تولى سعادة ليو جيان، السفير الصيني المعتمد لدى سلطنة عمان قب أكثر من ثلاثة أشهر سفيرا فوق العادة ومفوضا معتمدا لدى السلطنة .. واليوم تلتقيه الشبيبة في حوار حول رؤيته للعلاقات بين البلدين الصديقين وآفاقها الاقتصادية وكذلك التطرق نحو التطورات الصينية لاسيما الاقتصادية.
وقال سعادته: عندما نتحدث عن العلاقات بين الصين وعمان، أشعر بثقة كبيرة. فقد عبّر العديد من الأصدقاء العُمانيين الذين تواصلوا معي عن رغبتهم القوية وثقتهم في تطوير العلاقات بين الصين وعُمان .وهناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك:
أولا، يولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، و فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ اهتماماً بالغاً لتطوير العلاقات الثنائية. ففي أقل من ثلاثة أشهر منذ تولي منصبي سفير الصين لدى عُمان، تبادل زعيمان البلدين رسائل عدة، مما يُظهر الصداقة الراسخة والثقة السياسية العالية بين الجانبين، وهذا يقدم ضمان سياسيا قويا لتطور علاقة الشراكة الاستراتيجية. بين البلدين
ثانياً، تربط الصين وعُمان علاقة تقليدية ودية، تتشابه فيهما الرؤى التنموية ويجمعهما الإيمان بالمبادئ المشتركة. فقد تعرف الطرفان في العصور القديمة عبر طريق الحرير البري والبحري، وتعاونا لتحقيق مكاسب مشتركة في ظل عولمة الاقتصاد، وحافظا على المبادئ الأخلاقية في خضم التقلبات الدولية، مما أدى إلى تكوين روح صداقة تتجسد في "التواصل الدائم، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتسامح والتعلم المتبادل". وتلتزم عُمان بسياسة خارجية سلمية مستقلة، مستندة إلى مبادئ "الجوار الحسن، والتسامح، والحوار، والانفتاح على العالم، والبراجماتية". وهذه المبادئ تتوافق بدرجة عالية مع مبدأ الدبلوماسية الصينية، مما يعكس توافقاً عميقاً في القيم والمبادئ الأخلاقية بين البلدين، وهو ما يؤسس قاعدة فكرية قوية لتطوير علاقاتهما المتبادلة.
ثالثاً، تتطابق رؤية الطرفين وتتكامل مزاياهما بعضها البعض، وتبدو آفاق التعاون في جميع المجالات واسعة. فبينما تتمتع عُمان بموارد طبيعية وفيرة واستقرار أمني ورؤية تنموية طموحة مع استراتيجيات مدروسة وتنفيذ راسخ، تُعد الصين الدولة الوحيدة في العالم التي تضم جميع الصناعات. وهي الآن تنفذ عملية التحديث الصيني النمط، معتمدًة على استراتيجية التنمية القائمة على الابتكار، ومُحدثةً تعديلاً في الهيكل الصناعي، مع بروز قوى إنتاجية جديدة، وتطور سريع في صناعات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة والفضاء. في السنوات الأخيرة، حقق التعاون العملي بين البلدين نتائج مثمرة: فقد نجحت الصاروخ الصيني في إطلاق أول قمر صناعي لعُمان، وساهمت الشركة الوطنية الصينية للكهرباء في ربط شبكة الكهرباء بين شمال وجنوب عُمان. وترغب الصين في تعميق توافق مبادرة "الحزام والطريق" مع رؤية عُمان 2040، ورفع مستوى التعاون في مختلف المجالات، ليس فقط في المجالات التقليدية مثل النفط والغاز والتجارة، بل وخاصةً في الصناعات الحديثة مثل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة والفضاء. كما نشجع المزيد من الشركات الصينية على الاستثمار في عُمان والمشاركة في المشاريع التنموية الكبرى لدعم تنويع الاقتصاد العُماني. ونحن نُقدر الجهود المستمرة التي تبذلها عُمان في تسهيل الوصول إلى الأسواق وتحسين بيئة الأعمال، إذ إن هذه العوامل بلا شك تُعتبر دافعاً أساسياً
لتعميق التعاون بين البلدين.
رابعاً، يشهد التبادل الثقافي ازدهاراً ملحوظاً، مما يعد بمستقبل مشرق للتواصل بين الشعوب. فقد ازدادت اهتمام اللغة الصينية في عُمان بشكل واضح، إذ ستبدأ أربع مدارس ثانوية بتقديم مقررات لتعليم اللغة الصينية، وقد أبدت عدة جامعات رغبتها في تقديم كورس اللغة الصينية. كما يزداد عدد الطلاب العُمانيين الذين يتجهون للدراسة في الصين، وتُقام مخيمات "جسر اللغة الصينية" في فصلي الربيع والصيف، بينما تُقام عروض كبيرة من الأوبرا والحفلة الموسيقية التقليدية الصينية في عُمان من فرقة المركز الوطني الصيني للفنون المسرحية، مما أثار موجة من الاهتمام بالثقافة الصينية. وقد وقعت وزارات الصحة من البلدين مذكرة تفاهم للتعاون الصحي مع استكشاف خطط تنفيذية، ونحن أيضاً نعمل على تسريع إجراءات الإعفاء المتبادل من التأشيرات لتعزيز التواصل بين الشعبين.
باختصار، تتمتع العلاقات بين الصين وعُمان بأسس عميقة وآفاق واسعة للتعاون. ونحن على ثقة بأنه، من خلال الجهود المشتركة بين الجانبين، سنشهد مستقبلًا أكثر إشراقًا وجمالًا..
السلام العالمي
بلا شك تُعتبر عمان والصين كلاهما من بين الدول المحبة للسلام. ونحو المستقبل، كيف ستساهم الصين في تعزيز السلام والاستقرار على المستوى الدولي؟
تلتزم الصين بطريق التنمية السلمية، وتضخ مزيدًا من الاستقرار والطاقة الإيجابية في السلام العالمي. إن نجاح الصين يُعد تجسيدًا لتقوية قوى السلام الدولية.
أولاً، إن التحديث الصيني النمط هو طريقة التنمية السلمية. وقد تحققت إنجازات الصين التنموية من خلال كفاحها الجاد والسلمي، دون ممارسة أي عدوان توسعي أو استغلال الضعفاء. ومع دخول القرن الجديد وازدياد قوة الصين، لم تختر مسار الهيمنة كما فعلت بعض الدول الغربية، بل تقدمت برؤية جديدة للتنمية تقوم على مبادئ "الابتكار والتنسيق والانفتاح والخضرة والمشاركة"، ساعية لتحقيق الفوز المشترك مع مختلف الدول. إن العلاقة بين الصين والعالم تشهد تحولات إيجابية وعميقة؛ إذ تساهم سياسات الصين الثابتة وتطورها في تعزيز الاستقرار العالمي ودعم نمو قوى السلام الدولية.
ثانيًا، تلتزم الصين بدفع النظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدالة ومنطقية. في الوقت الراهن، لا تزال حفنة من الدول تتبع الهيمنة وسياسة القوة، وتسعى إلى احتكار الشؤون الدولية، في حين تعاني الدول النامية من ضعف التمثيل وقلّة النفوذ في النظام العالمي للحوكمة. فقد طرح فخامة الرئيس شي جين بينغ مفهوم بناء مجتمع المستقبلة المشتركة للبشرية، إلى جانب مبادرات عالمية للتنمية والأمن والحضارة، مما ساهم في إصلاح وتحسين الحوكمة العالمية من خلال الحكمة والحلول الصينية. ويستجيب عدد متزايد من الدول لهذا المفهوم وينضمون إلى صفوف بناء مجتمع المستقبلة المشتركة؛ إذ يدعم أكثر من مئة دولة المبادرات العالمية الثلاث. وستظل الصين متمسكة بتعددية حقيقية، متفانية في رفاهية البشرية ومستقبل الشعوب، من خلال تعزيز حوكمة عالمية تقوم على التشاور والمشاركة والبناء المشترك، لتجميع توافق أوسع من أجل عالم متعدد الأقطاب قائم على المساواة والنظام.
ثالثًا، تلعب الصين دورًا فاعلًا في مواجهة التحديات العالمية وحل القضايا الساخنة والمعقدة، مما أكسبها تقديرًا متزايدًا من جميع دول العالم. تركز الصين على التحديات المشتركة التي تواجه البشرية جمعاء وتنفذ بشكل نشط التعاون الدولي في مجالات مثل الحد من الفقر والأمن الغذائي وتغير المناخ. تستكشف الصين مسارًا فريدًا لحل القضايا الحساسة يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والحل السياسي، والالتزام بالموضوعية والإنصاف، ومعالجة الأسباب والجذور. وسنعمل مع جميع الدول لتجميع التوافق لوقف الحروب، وتمهيد الطريق للمحادثات، وتعزيز بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل.
تطورات الاقتصاد الصيني المستقبلية
سعادة السفير، اختتمت مؤخرا "الدورتان " السنويتان في الصين، وهما المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حيث تم اعتماد" تقرير عمل الحكومة. "هل يمكنكم مشاركة آرائكم حول الاقتصاد الصيني وتطوراته المستقبلية؟
شكرًا لاهتمامك بـ"الدورتين". "الدورتين" السنويتان هي أجندة سياسية بالغة الأهمية للشعب الصيني، وتنقل إشارات سياسية محورية في مجالات الاقتصاد والمجتمع والدبلوماسية محليًا ودوليًا، وتشكل نافذة مشرقة لمراقبة الصين وفهمها. وقد أقرت الدورتان "تقرير العمل الحكومة" الذي تميز بجزئه الأبرز حول الإنجازات الاقتصادية الكبرى وآفاق التنمية المشرقة. في عام 2024، وفي ظل بيئة دولية معقدة تشهد تعافيًا اقتصاديًا عالميًا ضعيفًا وارتفاعًا في الحمائية وتصاعد الاضطرابات الجيوسياسية، حافظ الاقتصاد الصيني على زخمه القوي ويحقق نموا ضد الاتجاه، الناتج المحلي الإجمالي ارتقع ب5%، تجاوز حجم اقتصادي قدره 18.9 تريليون دولار أمريكي، ساهمت ب30% في النمو الاقتصادي العالمي، مما يعكس بوضوح مرونة الاقتصاد الصيني وقوة ديناميكيته الذاتية. من المتوقع أن يحافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو يبلغ حوالي 5% في عام 2025.
لقد تحول الاقتصاد الصيني من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية ذات الجودة العالية. أولاً، نفذت الصين استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار ، حيث أصبح الابتكار التكنولوجي محركًا قويًا لتطور الاقتصاد. كما أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ: "الابتكار التكنولوجي والابتكار الصناعي هما الطريق الأساسي لتطوير القوى الإنتاجية الجديدة". خلال العام الماضي، حققت اختراقات مستمرة في مجالات مثل الدوائر المتكاملة والتكنولوجيا الكمية، كما يدفع بتطور الصناعات المستقبلية مثل الفضاء التجاري والجيل السادس والتصنيع الذكي. و إن تطبيق الذكي الاصطناعي DeepSeek الذي طوره الباحثون الصينيون قد اجتاح العالم بفضل مزاياه مثل التكلفة المنخفضة والأداء العالي ونظام المصدر المفتوح، وحظي بمديح واسع، مما يدل على أن تطوره في المستقبل لا حدود له. وأطلقت هواوي أول هاتف ذي شاشة قابلة للطي ثلاثية في العالم، بينما تستحوذ الروبوتات رباعية الأرجل من شركة يوشو الصينية على أكثر من 60% من الروبوتات المباعة العالمية لهذا النوع، مما يؤكد قدرة الشركات الصينية الابتكارية القوية مرة أخرى. لن تستطيع الحواجز الصغيرة والجدران العالية أن تمنع الأفكار المبتكرة، وفصل العلاقات وقطع الروابط سيؤدي في النهاية إلى العزلة. لا ينبغي أن تصبح العلوم والتكنولوجيا أداةً لنسج ستار من الحديد، بل يجب أن تكون ثروة مشتركة تعود بالنفع على الجميع. لطالما شاركت الصين بنشاط في التعاون العلمي الدولي، ونحن على استعداد لمشاركة نتائج الابتكار مع الدول بما في ذلك عُمان، لتمكين المزيد من الناس من الاستفادة من التقدم التكنولوجي.
ثانياً، تلتزم الصين بالانفتاح الخارجي على مستوى عالٍ وترتبط وثيقاً بتطور العالم. في ظل تصاعد الاتجاهات الأحادية الجانب والحماية، تظل الصين ثابتة على العولمة، وتعمل على دفع مبادرة "حزام وطريق" بشكل أعمق، معانقة الأسواق العالمية برؤية أوسع، لتساهم بفرص صينية في نمو الاقتصاد العالمي. في عام ،2024 سجل حجم التجارة الخارجية للصين رقماً قياسياً، حيث بلغ إجمالي قيمة الواردات والصادرات 6.16 تريليون دولار أمريكي، بزيادة نسبتها 5% مقارنة بالعام السابق. تمتلك الصين سوق استهلاكي للبضائع الاجتماعية بقيمة تقارب 6.2 تريليون دولار أمريكي، حيث تستورد سنوياً سلعاً تفوق قيمتها 2.5 تريليون دولار أمريكي، لتساهم بتوفير 20% من الزيادة في الطلب العالمي. وتشغل القطارات الصينية الأوروبية حوالي 16,000 رحلة سنوياً، كما يربط "الطريق الحرير الرقمي" شبكة حسابية تربط 17 دولة. وتبقي الصين مستوى التعريفات الجمركية الإجمالية عند 7.4%، وهو مستوى منخفض مقارنة بدول العالم. وتظهر سياسات مثل "عدم فرض أي رسوم جمركية" في ميناء هينان للتجارة الحرة، واتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP) عزم الصين على الترابط الوثيق مع القواعد العالمية.
ثالثاً، يتم تسريع عملية التحول نحو التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون. فقد طرح رئيس الصين شي جين بينغ "التمسك بالتعايش المتناغم بين البشرية والطبيعة" و"الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة، إن حماية البيئة الإيكولوجية تعني حماية القوة المنتجة، وتحسين البيئة الإيكولوجية يعني تطوير القوة المنتجة". وتعمل الصين بسرعة مذهلة على تخضير الأرض، حيث تجاوزت نسبة تغطية الغابات 25%، وتحتل مساحة الغابات الاصطناعية المرتبة الأولى عالمياً. وتعتمد الصين على ميزاتها النظامية لتخطيط مسبق لهدف "الكربون المزدوج" (تحقيق ذروة الانبعاثات والكربون الصفري)، مما دفع إلى استثمار 40% من إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة. كما يقارب نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة غير الأحفورية في الصين إجمالي إنتاج الكهرباء إلى 40%، وتجاوز إنتاج السيارات الكهربائية سنوياً 13 مليون وحدة، مما يساهم بشكل كبير في تحديث هيكل الطاقة العالمي والتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون. وقد جعلت الاختراقات في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الخضراء من الصين قوة رئيسية في إدارة المناخ على مستوى العالم. ومن خلال آليات التعويض البيئي وتجارب حساب الناتج البيئي الإجمالي (GEP) للنظم البيئية، أثبتت الصين أن النمو الاقتصادي وحماية البيئة يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب.
نحو المستقبل، لدينا الأساس والدعم والضمان، والأهم من ذلك، لدينا الثقة النفسية. بشكل شامل، تتمتع الصين بميزات عديدة مثل سوق ضخم للغاية، ونظام صناعي متكامل، وموارد بشرية ومواهب وفيرة؛ فضلاً عن وجود آليات حكم فعّالة تعتمد على التخطيط طويل الأمد، والتنظيم العلمي، والتنسيق بين مختلف الأطراف؛ كما تتوفر مساحة واسعة للنمو في مجالات ترقية الطلب، وتحسين الهيكل، وتحويل الوظائف. إن شروط الدعم والاتجاه الأساسي للنمو الاقتصادي الإيجابي على المدى الطويل لم تتغير ولن تتغير. تحت القيادة القوية من مركز الحزب الشيوعي الصيني بقيادة الرئيس شي جين بينغ، تتزايد ثقة الشعب الصيني يوما بعد يوم، وسيشهد الاقتصاد الصيني في المستقبل تطورا أفضل وأكبر بالتأكيد.
إنجازات عظيمة
- حقا، تطورت الصين بسرعة وحققت إنجازات عظيمة. قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مؤتمر صحفي "ستقاسم الصين الفرص الرحبة الناتجة عن التحديث الصيني النمط مع دول العالم." هل بإمكانكم التحدث مع شعب عُمان حول الفرص التي سيجلبها تطوير الصين لعُمان؟ وما توقعاتكم لتطور العلاقات الثنائية بين عُمان والصين؟
للإجابة على هذا السؤال، أودّ أن أتحدث أولاً عن سياسة الدبلوماسية الصينية. لماذا عندما تتحدث بعض الدول عن "أولوية وطنها"، تصرّ الصين على الحديث عن الاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك؛ ولماذا توجد عبارة في الغرب تقول "لا يوجد أصدقاء أبديون، بل مصالح أبدية فقط"، بينما قال وزير الخارجية وانغ يي في مؤتمر صحفي خلال الدورتين السنويتين هذا العام بطريقة حازمة إنه في نظر الصين، يجب أن يكون الأصدقاء إلى الأبد، وتكون المصالح مشتركة.
تعتمد الدبلوماسية الصينية على فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد، وخاصة فكر شي جين بينغ حول الدبلوماسية. يتضمّن جوهر هذا الفكر التأكيد على "السير في طريق التنمية السلمية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك" و"العمل على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية بهدف الحفاظ على السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة". وقد أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أن العالم اليوم تشهد درجة غير مسبوقة من الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول، وأن الإنسانية تعيش في قرية كونية واحدة، حيث أصبحت مصائرنا متشابكة بشكل وثيق، مما يدعو إلى تعزيز القيم المشتركة للبشرية وتطوير مبادرة "الحزام والطريق" لتقديم فرص جديدة للعالم من خلال التطور الجديد للصين.
تحت إرشاد فكر شي جين بينغ حول الدبلوماسية، تدفع الدبلوماسية الصينية بثبات نحو نوع جديد من العلاقات الدولية قائمة على الاحترام المتبادل، والعدالة، والمساواة، والتعاون والفوز المشترك؛ رافضةً فكرة الألعاب صفرية المجموع ومعارضة قانون الغاب، وتحقيق نتائج الربح المشترك والمكاسب المتعددة. قامت الصين باستثمار وبناء أكثر من 20 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في الدول العربية، بإجمالي استثمارات تجاوز 30 مليار دولار أمريكي، مما أسهم في توفير أكثر من 250,000 فرصة عمل. كما قامت الصين بتشييد مشاريع طاقة شمسية ورياح في الدول العربية بقدرة إجمالية تتجاوز 5 جيجاواط، ما يمثل حوالي 40% من إجمالي القدرة المركبة للطاقة المتجددة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، شاركت الشركات الصينية في بناء أكثر من 70% من شبكات الجيل الخامس في الدول العربية، كما تعاونت في تنفيذ أكثر من 50 مشروعًا للمدن الذكية.
الصراعات في منطقة الشرق الأوسط
- مع استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ما الدور الذي ستلعبه الصين في معالجة القضايا الساخنة الإقليمية؟
كصديق وشريك حميم لدول الشرق الأوسط، فإن الصين تدعم بثبات حق دول الشرق أوسط في استكشاف مسارات تنموية مستقلة وتحقيقها بذاتها، وتؤيد حل المشكلات عن طريق الحوار والمشاورات، كما تدعم دول الشرق أوسط في الدفاع عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وتعارض التدخل الخارجي. فإن الشرق الأوسط هو ساحة لشعوب الشرق الأوسط، وليس ساحة لصراع القوى الكبرى، ولا ينبغي أن يصبح ضحية للصراعات الجيوسياسية من قبل دول خارجية.
وترى الصين أن القضية الفلسطينية تبقى جوهر قضايا الشرق الأوسط. فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتكرر باستمرار، والمشكلة الأساسية تكمن في عدم تنفيذ "حل الدولتين". وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تلتزم الصين دومًا بموقف موضوعي وعادل، وتقف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني وتدعم استعادة حقوقه القانونية. كما أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وتعود للشعب الفلسطيني؛ وأي محاولة لتغيير وضع غزة قسرًا لن تجلب السلام، بل ستؤدي إلى المزيد من الاضطرابات. ونحن ندعم خطة إعادة السلام في غزة التي أطلقها كل من مصر والدول العربية. تعمل الصين على تعزيز المصالحة الداخلية في فلسطين، حيث وقعت 14 فصيلاً فلسطينياً على إعلان بكين، وهي لحظة تاريخية مهمة في قضية التحرير الفلسطينية. وفي المرحلة القادمة، ينبغي على المجتمع الدولي تركيز جهوده بشكل أكبر على "حل الدولتين" ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تلعب الصين دورًا بناءً وأكثر نشاطًا في دفع عملية حل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط. فقد أجرى فخامة الرئيس شي جين بينغ حوارات عميقة مع قادة السعودية وإيران، مما ساهم في تجاوز الخلافات والتقارب بينهما. وبدعم كبير من الجانب الصيني، تم التوصل إلى "اتفاق بكين" بين الأطراف الثلاثة، وأعلنت السعودية وإيران عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، مما أطلق موجة من المصالحة في المنطقة. وتُعد مصالحة السعودية وإيران انتصارًا كبيرًا للحوار والسلام، فضلاً عن كونها ممارسة ناجحة لحل القضايا الحساسة على الطريقة الصينية. لقد دعمت سلطنة عمان منذ فترة طويلة المصالحة السعودية الإيرانية وقدمت مساهمات مهمة لتحقيق هذه الغاية.
إن الصين دائمًا وسيطًا نشطًا ونزيهًا، لا تعتمد على القوة العسكرية ولا تسعى لتحقيق مصالح جيوسياسية شخصية. وتستعد الصين في تعزيز التواصل والتنسيق مع عُمان، للعمل معًا على إحداث المزيد من المصالحة والسلام والوئام في المنطقة.
التسمية الوحيدة لتايوان
لماذا أكد وزير الخارجية وانغ يي في المؤتمر الصحفي أن التسمية الوحيدة لتايوان في الأمم المتحدة هي "محافظة تايوان الصينية"؟ هل يعني أن سياسة الحكومة الصينية تجاه تايوان أصبحت أكثر تشددًا؟
منذ القدم، تُعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية. في عام 1945، أدت انتصارات الشعب الصيني في حربه ضد اليابان إلى إعادة تايوان إلى الخريطة الصينية. وقد نصت الوثائق الصادرة عن الدول المنتصرة الرئيسية في ذلك العام، مثل "إعلان القاهرة" و"إعلان بوتسدام"، بوضوح على إعادة تايوان التي استولت عليها اليابان إلى الصين، كما أعلنت اليابان اعترافها بالاستسلام غير المشروط وفقًا لإعلان بوتسدام. وقد أكدت هذه الوثائق سيادة الصين على تايوان، مما يشكل جزءًا هامًا من النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب. في عام 1971، أوضح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 أن هناك صينًا واحدة في العالم، وأن تايوان ليست دولة، بل هي جزء من الصين، وأن للمجلس الصيني في الأمم المتحدة مقعد واحد فقط، وأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الممثل القانوني الشرعي الوحيد. وحرصًا على الالتزام بأحكام هذا القرار، تستخدم الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة عند الإشارة إلى تايوان مصطلح "مقاطعة تايوان الصينية". وقد أوضح الرأي القانوني الرسمي لمكتب الشؤون القانونية في أمانة الأمم المتحدة أن تايوان، باعتبارها مقاطعة من الصين، لا تتمتع بوضع مستقل، وهو موقف ثابت للأمم المتحدة مثبت بأدلة. كما أن إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين من قبل 183 دولة حول العالم يثبت بشكل قاطع أن الالتزام بمبدأ الصين الواحدة يمثل قضية عدالة دولية وإرادة شعبية واتجاهًا حتميًا.
فلماذا يستمر التأكيد على هذه الحقائق المكتوبة بوضوح؟ ذلك لأن هناك توجد قوى انفصالية تدعم ما يسمى باستقلال تايوان، سواء بالتسلل السري أو باستخدام الظهور العلني، لاستفزاز الخط الأحمر للصين في قضية تايوان، وقد أصبحت مواقفهم في العام الماضي أكثر تحديًا وتصاعدت استفزازاتهم بشكل صارخ. وتصر بعض القوى الكبرى الأجنبية خارج المنطقة بعناد على استخدام تايوان كوسيلة للسيطرة على الصين. قضية تايوان هي جوهر المصالح الأساسية للصين. وتعبّر الصين عن أقصى درجات الإخلاص وتسعى بكل جهودها لتحقيق آفاق الوحدة بالطرق السلمية. وفي الوقت نفسه، ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها، وترفض بحزم الانفصالية والتدخلات الخارجية. ولا يجب على أحد التقليل من عزم الشعب الصيني على الدفاع عن سيادة الدولة ووحدة أراضيها بإرادة صلبة وقدرات قوية. إن السير في طريق الانفصالية لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود ومكتوب عليه بالفشل.