المنشد المصري محمود التهامي .. يبدع و يبهر الجمهور في دار الأوبرا السلطانية مسقط

مزاج السبت ١٥/مارس/٢٠٢٥ ١٦:٥٣ م
المنشد المصري محمود التهامي .. يبدع و يبهر الجمهور في دار الأوبرا السلطانية مسقط

مسقط - خالد عرابي - تصوير: خالد البوسعيدي

أحيي المنشد المصري محمود التهامي مساء الخميس الماضي أولى أمسيات الإنشاد الديني والمديح التي تنظمها دار الأوبرا السلطانية مسقط مع ضيوف متميزين من مصر وسوريا وسلطنة عمان، في الأوبرا السلطانية دار الفنون الموسيقية. قدم المنشد المصري المتميز محمود التهامي مجموعة من أروع أناشيده ومدائحه الدينية الشهيرة والتي تميز فيها بصوته العذب الذي يأخذك في عوالم أخرى من لترى نفسك في عالم من التيم والهيام، وقدم شمس الحسن، قاضي الغرام، يا رفاق الصبر، حياتي، سلامي على المختار، يا راحلين، أيام عمري، البردة للأمام البوصيري، ياهو، تولى المصطفي أمري، أكاد من فرط الجمال، وكان مسك الختام والذي غالبا ما يكون في كثير من لياليه الأنشادية بـ " قمر".

كان أداء الشيخ محمود التهامي في تلك الأمسية الانشادية الرائعة مبدع وتجلت فيها روحانيات شهر رمضان الفضيل فتعددت القصائد ما بين المديح لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بين الروح والنفس وتجلياتها، والتي ظهر فيها جليا وكما العادة مدى ما يتمتع به المنشد الشيخ محمود التهامي من قوة في الصوت وتنوع في طبقاته والتي امتزجت مع الموسيقى لتتناسب كل طبقة من الصوت مع النغمة التي تناسبها، وكان من الملاحظ وكما هو معروف عن محمود التهامي - وهو منشد ابن منشد - فوالده الشيخ ياسين التهامي وهو اسطورة في عالم الانشاد الديني، غير أن محمود التهامي الذي ورث الانشاد أبا عن جد طور من نفسه ليقدم نفسه كمنشد حداثي "مودرن" بل وزاد على ذلك أنه طور من فن الانشاد الديني بأن مزج ما بين التراث والحديث بل وزاد عليه أيضا بأن أضاف وأدخل بعض الموسيقى الغربية مع بعض الموسيقى الشرقية ليقدم فن الانشاد بطريقة حديثة حافظة على تجلياته وقوته ومنحته مزيدا من العذوبة واستمتاع الجمهور من المريدين والمحبين للانشاد الديني، والذين ما إن نظرت إليهم وتابعتهم لثوان لتجدن أن كثير منهم تهتز رأسه في حركات خفيفة لتتناسب مع طبقات الصوت وعذوبة الموسيقى وهو ما يوحي بمدى الانسجام مع الانشاد والاستمتاع به.

المنشد الشيخ محمود التهامي قدم في كلمة سريعة في بداية وفي ختام الحفل شكره وتقديره وفرقته الموسيقية لدار الأوبرا السلطانية مسقط لاتاحة الفرصة لهم لكي يقفوا على خشبة مسرح هذا الصرح الثقافي الفني الرائع والمبهر دار الأوبرا السلطانية مسقط، وأشاد بروعة وعظمة الدار كجسر ثقافي حضاري يربط بين السلطنة والعالم. كما أشاد بسلطنة عمان قيادة وحكومة وشعبا وما تشهده من نهضة وتطور حضاري على كافة المجالات والقطاعات في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -.

الإبداع في هذه الأمسية الانشادية المبهجة لم يقتصر على المنشد المصري الشهير محمود التهامي ، وإنما تجلى في إبداع فرقته الموسيقية حيث حرص قبل تقديم الكثير من القصائد لإعطاء مقدمة موسيقية "صولو" منفردة لبعض العازفين على بعض الآلات الفردية، فأبدع عماد خليفة على الكمان، وتفوق محمد سيد على القانون، وأبهر الجمهور محمد محمد على الناي، وتميز شحات محمد على "الكاخون" وتميز اجمالا الجميع خلف التهامي في تقديم أمسية ابتهالية مديحية دينية تتماشى وتتوافق وتظهر روح و روحانيات شهر رمضان الفضيل بحق.

يعد الشيخ محمود التهامي أحد أبرز رواد فن الانشاد الديني في مصر والعالم العربي، ولد التهامي في صعيد مصر في محافظة أسيوط في أسرة ذات جذور عميقة في فن الانشاد، وحفظ القرآن الكريم منذ الصغر، حيث بدأ احتراف فن الانشاد وهو في الحادية عشرة من عمره، والتحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف، وأتم الدراسات العليا والتمهيد للماجستير من جامعة أسيوط، مما أكسبه خلفية علمية قوية انعكست على أدائه الفني.

درس الشيخ محمود التهامي الموسيقى دراسة احترافية حرة وتخصص في فن الأصوات والتأليف الموسيقي، كما أتقن العزف على عدة آلات موسيقية مثل: العود والكمان والبيانو، وقد ساهمت هذه الدراسة في تقديمه لنمط مميز في الانشاد، حيث لحن أكثر من 400 قصيدة، وأصدر أكثر من 70 ألبوما، وتعاون الشيخ التهامي في مسيرته المهنية مع كبار الملحنيين والموسيقيين مثل عمار الشريعي وصلاح الشرنوبي.

وتلقي الشيخ محمود التهامي العديد من الجوائز والتكريمات منها لقب "سفير الثقافة في الوطن العربي" من الرابطة الدولية للإبداع الفكري والثقافي بفرنسا، كما اختير ضمن أفضل 100 شخصية عربية مؤثرة لعام 2016م، كما حصل على الدكتوراة الفخرية من المركز الثقافي الألماني الدولي تقديرا لمساهمته في نشر القيم الإنسانية والثقافية.

تنبأ الدكتور مايكل فريشكوف البروفيسور بجامعة ألبرتا ببصمة محمود التهامي، وبأنه سيؤسس مدرسة حديثة في الانشاد الديني. يعرف التهامي بقدراته على الموازنة بين التراث والحداثة، حيث عمل على تحديث فن الانشاد، وإدخال الموسيقى الإلكترونية فيه، مما جعله محببا لدى الأجيال الشابة، وقد أسس مدرسة للانشاد تستقطب المئات من الشباب والفتيات، ليصبح أول من أدخل العنصر النسائي في هذا المجال، حيث أنشأ 12 فرقة للفتيات والأطفال.

تشمل مشاركات التهامي العالمية إصدار البوم "أوريحين" مع الفنانة الأمريكية إليزا ليبيك، والذي نال جائزة جلوبال ميوزيك"، ورشح لجائزة "جرامي" لعام 2018، كما قدم أعمالا مميزة مثل "السيمفونية الثلاثية: سلام، حب، تسامح"، وأنين العاشق ضمن مهرجان أبوظبي.

يسعى الشيخ محمود التهامي إلى احياء فن الإنشاد بروح معاصرة، مع الحفاظ على أصالته، ليكون جسرا يصل بين الماضي والحاضر وينشر قيم التسامح والسلام من خلال الموسيقى والكلمة الهادفة.

قدم محمود التهامي مشاريع فنية من أبرزها مشروع " أنين العاشق"، الذي يعد تجربة موسيقية روحية تبرز جماليات اللغة العربية من خلال الموسيقى، حيث يجسد التهامي العلاقة بين الكلمة والنغم، مستلهما روح القصيدة العربية مع مزيج من الألوان الموسيقية المتنوعة. يسعى مشروع "أنين العاشق" إلى تعزيز مفهوم التسامح ونبذ العنف من خلال نشر الفن الروحي، ويعكس رؤية التهامي في استعادة دور الإنشاد في الحياة الثقافية.