
بقلم كاتبي شينخوا : لي تنغ، و وانغ تشو، و يين كه
كلما عادت ابنتي من مدرستها الإعدادية وشرعت في مذاكرة دروس مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية، تستخدم جهاز اللابتوب المزوّد بنماذج الذكاء الاصطناعي التي تفسر لها المسائل الرياضية المعقدة بكل صبر ودقة كما لو كانت تجلس أمام معلم خاص ذو خبرة، كما تقوم هذه النماذج بتقييم واجباتها المنزلية تلقائيا وتطرح عليها تلقائيا أسئلة مشابهة أخرى بهدف تعزيز قدرتها المعرفية. وبعدها أساعدها على تنقيح موضوعات تعبير باستخدام الذكاء الاصطناعي المركب على هاتفي المحمول لتصبح أكثر بلاغة وسلاسة.
وعندما نزلنا في الفنادق خلال جولتنا السياحية في أنحاء البلاد أثناء إجازات ابنتي الشتوية، لفت انتباهنا وجود روبوتات في قاعاتها تتجول لتنظيف الأرضيات دون أن تعرف التعب، وفي مطاعمها كانت الروبوتات تنقل الأطباق التي طلبناها من المطابخ إلى مائدتنا بشكل مرتب ومنظم لا مثيل له..
هذا ما عايشته وجربته بنفسي منذ عودتي للوطن بعد الانتهاء من عملي كصحفي في مصر لمدة ست سنوات كاملة. ولا شك في أن تطور التكنولوجيا المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي قد غيّر أسلوب الحياة بشكل لم نعهده من قبل.
والآن تعمل الصين على تعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي في مجالات المعرفة الرائدة والقطاعات الناشئة، وتسعى إلى تطوير القوة الإنتاجية الحديثة النوعية، وتعزيز التنمية عالية الجودة في البلاد. ويكون ذلك موضوعا رئيسيا لجدول أعمال الدورتين السنويتين المنعقدتين حاليا في بكين، وهما الاجتماعان السنويان لكل من المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني - وهو أعلى هيئة تشريعية في الصين- ، والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني - وهو أعلى هيئة استشارية سياسية في البلاد - ..
بناء على ما أراه، كمتابع ومشجع للعلاقات الصينية - العربية، فإن جهود الصين في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات تضيف زخما جديدا يعزز التعاون الصيني العربي متبادل المنفعة.
ــ الذكاء الاصطناعي: تطلع مشترك
باعتبار الذكاء الاصطناعي من المجالات المحورية للتنافس التكنولوجي العالمي، وضعت الصين خطة طموحة لتطوير الذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد بهدف تشكيل بيئة صناعية شاملة، وصار لديها حتى أواخر العام الماضي أكثر من 4500 مؤسسة متخصصة في هذا المجال، حيث تقدر قيمة الصناعة بحوالي 600 مليار يوان (اليوان الواحد يساوي نحو 7.28 دولار أمريكي) وتتضمن السلسلة الخاصة بها جوانب عدة بدءا من وحدات المعالجة المركزية وطرق الحساب وصولا إلى المعلومات والمنصات والتطبيقات. أما الإمارات والسعودية فقد أدرجتا الذكاء الاصطناعي ضمن إستراتيجاتهما الوطنية سعيا لتكونا مركزين ابتكاريين في المنطقة.
كما تبنت الصين والبلدان العربية إطار تعاون لـ "طريق الحرير الرقمي"، لدفع التعاون بين الجانبين في مجالات المدن الذكية والتجارة الإلكترونية. وهكذا أصبح تعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي توافقا وتطلعا مشتركا بين الجانبين.
بالفعل فقد حققنا إنجازات أولية في هذا المجال الحيوي، فدخل عدد من الشركات الصينية الرائدة في الذكاء الاصطناعي إلى سوق العالم العربي، لاسيما السوق الخليجي، ومنها "ديب سيك" و"تنسنت كلاود"... لكننا بالطبع لن نرضي بما حققناه من إنجازات في تعاوننا الحالي، ونسعى إلى أن نخطو خطوات أوسع، إذ يمكننا إنشاء ممر ابتكاري صيني - عربي للذكاء الاصطناعي وإقامة مراكز بحوث وتطوير في الدول العربية لتعزيز ربط التكنولوجيا بالظروف المحلية، كما يمكننا الاعتماد على جامعة شنتشن في دبي والجامعة الصينية في مصر وغيرهما من الجامعات الرائدة لتنفيذ برامج مشتركة معنية بتنشئة دفعات من المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي.
أما على المدى لطويل، فيمكن دراسة جدوى مسألة تطبيق الحلول الصينية للذكاء الاصطناعي في المشاريع الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة في مصر ومدينة نيوم السعودية، إلى جانب دراسة إنشاء نموذج ثلاثي للتعاون، وهو "التكنولوجيا الصينية زائد رأس المال الخليجي زائد السوق الأفريقية"، لتوسيع الأنشطة التكنولوجية في الدول العربية.
خلاصة القول، يتمتع التعاون الصيني العربي في مجال الذكاء الاصطناعي بتكامل إستراتيجي وقابلية للتطبيق. ومن خلال التنسيق السياساتي والأبحاث التكنولوجية المشتركة والتفاعل رأس المالي والتحمل المشترك للمخاطر، يمكن للجانبين خلق بيئة جديدة للذكاء الاصطناعي تتجاوز الحدود الإقليمية لتصبح نموذجا يحتذى به في التعاون التكنولوجي بين بلدان الجنوب.
ــ صناعة الروبوتات: قوة دفع
في الوقت الذي تدفع فيه السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بقوة نحو تقليص الاعتماد على صناعة النفط وتحقيق التنوع الصناعي بوتيرة متسارعة، أصبحت الروبوتات الصناعية آلة محورية في تحديث قطاع التصنيع. وفي هذا الإطار، يشهد سوق الروبوتات الصناعية في الدول العربية طلبا متزايدا، حيث من المتوقع أن "يرتفع هذا الطلب بنسبة تزيد عن 15 في المائة على أساس سنوي"، وفقا لتقرير صيني. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الروبوتات الصناعية في الدول العربية إلى أكثر من 12 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.
وفي هذا السياق، تعد الصين من أبرز الدول في صناعة وإنتاج الروبوتات الصناعية في العالم، حيث تم تسجيل 451.7 ألف مؤسسة عاملة في صناعة الروبوتات الذكية برؤوس أموال إجمالية بلغت حوالي 6445 مليون يوان حتى نهاية العام الماضي. وحسب إحصاء الهيئة العامة للجمارك في الصين، فقد صدرت الصين 24767 روبوتا إلى السعودية خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2024.
أما مجالات التعاون الصيني العربي في تكنولوجيا الروبوبات، فتتمثل في أربعة مجالات: أولا الروبوتات المستخدمة في صناعة الطاقة مثل الروبوتات المتخصصة في تفقد أنابيب النفط والغاز، وروبوتات اللحام المقاومة للحرارة الشديدة والمضادة للانفجار، ثانيا الروبوتات الطبية المستخدمة في العمليات الجراحية والتعافي الصحي لتطبيقها في بناء المستشفيات الذكية في الإمارات وقطر إلخ من خلال نموذج "الآلة زائد منصة الحوسبة السحابية"، ثالثا الروبوتات الذكية المستخدمة في إدارة وصيانة الألواح الشمسية في دول مثل مصر والإمارات اللتين تمتلكان حقولا كبيرة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، رابعا الروبوتات البشرية المستخدمة في الخدمة المنزلية.
وبالنظر إلى ذلك، تتمتع الصين والدول العربية بآفاق رحبة ومستقبل واعد في تعاونهما في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. ومن أجل مواكبة موجات التطور التكنولوجي السريع، فليشمر الجانبان عن ساعديهما لكي يحققا الاستفادة المثلى من الإمكانيات التكاملية.
وأخيرا، هناك سؤال يطرح نفسه: هل تعتقدون، أيها القراء الكرام، أن هذه المقالة كتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي أو بواسطة روبوت ذكي؟