
مسقط - خالد عرابي
انطلقت أمس (الأحد) أعمال «مؤتمر المحيط الهندي» (IOC) في نسخته الثامنة التي تستضيفها سلطنة عمان تحت شعار «رحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية «، وذلك في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض تحت رعاية معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، بحضور 28 وزيرا من أصحاب المعالي وزراء خارجية الدول المطلة على المحيط الهندي، وبحضور ممثلين من 60 دولة ومنظمة دولية.
ويناقش المؤتمر على مدى يومين الفرص والتحديات التي تواجه دول المحيط الهندي، مع التركيز على التعاون في مجالات التجارة البحرية والطاقة المتجددة، وسبل تعزيز الشراكات البحرية، وتحسين الروابط التجارية، ودعم التنمية المستدامة والقضايا المتعلقة بالأمن البحري، وضمان حرية الملاحة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز أمن الموانئ والحوكمة.
ويهدف المؤتمر الذي يأتي بتنظيم من وزارة الخارجية وبالتعاون مع مؤسسة الهند، وبدعم من كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إلى مناقشة الفرص والتحديات التي تواجه دول المحيط الهندي، وتعزيز التعاون الإقليمي في المجالات البحرية والاقتصادية والأمنية.
شريان للحياة الاقتصادية
وأكد معالي السيد وزير الخارجية في كلمته خلال افتتاح أعمال المؤتمر أن المحيط الهندي جسر وليس حاجزا، وليس مجرد مساحة مائية، بل هو شريان للحياة الاقتصادية، ومنصة للتبادل، وجسر للتواصل والصداقة، ونحن أمام مسؤولية مشتركة لمعالجة قضايا مثل حماية البيئة البحرية، وضمان حرية الملاحة، وتعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على مواجهة تغير المناخ، كما أن هذا المؤتمر يمثل فرصة لاستكشاف الإمكانات غير المستغلة لمحيطنا، وننظر إلى جميع الدول على أنها شريكة تجمعنا بها مصالح مشتركة، مؤكدا على أن سلطنة عمان تلتزم بتعزيز الشراكة الشاملة في المحيط الهندي تضمن نصيبا عادلا لكل الدول شمالا وجنوبا لأمن وازدهار هذه المنطقة الحيوية.
وقال وزير الخارجية: إن سلطنة عمان كانت أمة بحرية على مدى آلاف السنين، حيث شكل المحيط بالنسبة لأسلافنا بوابة للتجارة وتبادل الثّقافات، وهو لا يزال كذلك حتى اليوم.
وأوضح معاليه أن الرؤية الاقتصادية لسلطنة عمان ترتكز على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، خصوصا في قطاعات الاقتصاد الأزرق، والبنية الأساسية للموانئ، والخدمات اللوجستية، معربًا عن أمله أن يعمل المؤتمر على تطوير استراتيجيات مستدامة ومفيدة للجميع.
وأكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي على أن سلطنة عمان تنظر إلى جميع الدول على أنها شركاء، تجمعنا بهم مصالح مشتركة ونلتزم بتعزيز شراكة شاملة في المحيط الهندي، تضمن نصيبا عادلا لكل الدول، شمالا وجنوبا، في أمن وازدهار هذه المنطقة الحيوية. وأضاف معاليه قائلا: إن سياسة سلطنة عمان تقوم على البحث عن نقاط الالتقاء، وتعزيز الحوار، واحترام التعددية، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، داعيا الجميع إلى تبني نهج قائم على الثقة، والقيادة بالمثال، والاستماع والانخراط البناء، والاحترام المتبادل ومن خلال هذه المبادئ، يمكننا تحقيق فهم أعمق لوجهات النظر المختلفة، وتعظيم الاستفادة من تجارب شركائنا، وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
جسر لربط الاقتصادبات الكبرى
من جانبه قال وزير خارجية سنغافورة فيفيان كرشنان: إن المحيط الهندي جسر للتعاون بين البلدان، وهو يربط الاقتصاديات الكبرى ما بين آسيا والعالم ، كما أن المحيط الهندي يشكل حوالي 80% من التجارة العالمية التي تمر عبره ، وكذلك شحنات النفط الكبيرة.
وأشار وزير الخارجية السنغافوري في كلمته عبر الفيديو كرنفرس أن قناة السويس يمر عبرها حوالي 18 ألف شحنة وهي بمثابة قطار، و إذا ما حددنا مساحة القطار فإنه يمتد لمسافة 100 ألف كيلو متر وهي مساحة طوبلة جدا، ولذا فالمحيط الهندي هو الشريان الأساسي لطريق التجارة العالمي. كما أشار معاليه إلى أن هناك تحديات منها التقدم المتسارع في التكنولوجيا والأنظمة السيرانية ومن ثم الأمن السيبراني والقرصنة وغيرها، ولذا فعلينا أن تعزز الحوار لمواجهة هذه التحديات.
وقال معالي وزير الخارجية الهندي جايشانكار في كلمته: رغم أن المحيط الهندي شريان حياة وأساس للترابط بين العالم، إلا أنه يواجه الكثير من التغييرات والتحديات ، فهناك بعض النزاعات في بعض المناطق ، و يتوقع أن تتعقد الأمور في بعض آخر ، ونحن ندرك أن لمشاكل متعددة آثارها ومنها تعطيل الشحن البحري ولذا فعلينا اليوم أن نسال أنفسنا ماذا يمكن أن نقدم من أجل تفادي ذلك، كما أن هذا يدعونا إلى ضرورة التفكير في القوانيين البحرية وتعزيز تعاوننا لتعزيز الاستقرار والاستدامة . وأشار معاليه إلى أن بعض بلدان المحيط الهندي تواجه مشاكل اقتصادية ولا تستطيع أن تحافظ على الاستدامة ولذا فعلى الدول الكبيرة منها مساعدتها والوقوف بجانبها وقال علينا أن ان نعيد تشكيل الترابط في هذه المنطقة بدلا من التركيز على التبادلات الثنائية فقط، كما ينبغي أن ندرك أن الترابط على الذي سيمكننا من القضاء على القرصنة وحتى الارهاب.
وقال معالي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ان المؤتمر يتخذ أهمية خاصة وكبيرة لانعقاده في سلطنة عمان، كما أنه يتخذ أهميته من المنطقة التي يغطيها، ونحن نؤمن بأن التعاون والتعاون فقط هو الحل لكثير من المشكلات، وأن التعاون في تلك المنطقة أو حتى مع المناطق الأخرى يحل الكثير من المشكلات التي يتعرض لها العالم، كما نرى أن الهدف الأساسي لهذا المؤتمر هو نشر التعاون ما بين بلدان تلك المنطقة وهي الدول المطلة على المحيط الهندي وهذ مهم جدا ليس لجعل تلك المنطقة قوية فقط وانما لمساعدة الأماكن الأخرى في العالم لأنه يمثل شرياتا حيويا للعالم ولخدمة التجارة العالمية . وأكد عراقجي على أن بلاده تربطها علاقات قوية بالدول المطلة على هذا المحيط وخاصة علاقتها بسلطنة عمان ونحن دائما لدينا علاقات قوية ومتميزة ومثالية وننسق في الكثير من المواقف. وقال تأتي مشاركتنا في هذا المؤتمر لنؤكد على علاقاتنا الطيبة والتعاون مع تلك الدول ودول المنطقة. وأشار إلى أن إيران لها دور كبير و شريك مع الكثير من دول العالم في مواجهة بعض المشكلات التي يواجهها الأمن البحري العالمي ومنها مواجهة القرصته وإيرانتلعب دور كبير في ذلك خاصة و أن إيران لديها سواحل تمتد لحولي 4800 كيلو متر ونحن هنا لأجل التعاون مع الجميع.
عمان دولة ذات تأثير فريد ومهم في الشرق الأوسط
وقال سعادة تشاي جون، المبعوث الخاص للحكومة الصينية لشؤون الشرق الأوسط في مؤتمر المحيط الهندي الثامن: إنه لمن دواعي سروري حضور مؤتمر المحيط الهندي الثامن. وبالنيابة عن الجانب الصيني، أود أن أتقدم بالشكر الخالص للحكومة العمانية، وخاصة لوزير الخارجية بدر البوسعيدي، على الاستقبال الحار والترتيب المدروس.
وأضاف قائلا: عمان دولة ذات تأثير فريد ومهم في الشرق الأوسط. على مدى 47 عاما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسلطنة عمان، حققت العلاقات الثنائية تطورا كبيرا. وفي ظل الظروف الجديدة، فإن الصين مستعدة للسعي إلى تحقيق تكامل أكبر بين استراتيجياتنا التنموية، وتوطيد الثقة السياسية المتبادلة، وتقوية التعاون العملي، وتعزيز التبادلات الشعبية، من أجل مواصلة دفع الشراكة الاستراتيجية بين الصين وعمان وتحقيق المزيد من الفوائد لشعبينا.
وأوضح قائلا: عمان لاعب مهم في منطقة المحيط الهندي. إنها دولة مبنية على تقاليدها البحرية وقدمت مساهمات كبيرة في تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الدول الآسيوية. قبل أكثر من 1200 عام، أبحر أبو عبيد، الملاح العماني، من صحار، مبحرًا على طول ساحل المحيط الهندي، ووصل في النهاية إلى مدينة قوانغتشو الصينية، مسجلاً فصلاً رائعًا في التاريخ. إن مؤتمر المحيط الهندي الثامن المنعقد في عمان له أهمية كبيرة، وأعتقد أنه بجهود عمان ودعم الدول المشاركة سيشهد بالتأكيد نجاحا كبيرا.
وقال: الصين دولة مجاورة للمحيط الهندي. وتتمتع بعلاقات وثيقة مع المنطقة من حيث التبادلات الشعبية والتجارة والثقافة. ويتمتع الجانبان بصداقة تقليدية منذ العصور القديمة. قامت أساطيل تشنغ خه بسبع رحلات عظيمة، وسافرت إلى جنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية وساحل شرق أفريقيا. وقاموا بزيارة عمان أربع مرات، مما عزز بشكل كبير التبادلات الثقافية بين الصين والدول الأخرى. ولا تزال هذه القصة معروفة حتى يومنا هذا.
وأكد قائلا: المحيط الهندي هو نقطة التقاء القارات والمحيطات العالمية الرئيسية، ومركز مهم للتبادلات الاقتصادية والتجارة العالمية. وهي المنطقة التي تضم أكبر عدد من البلدان النامية، وإحدى المناطق التي تتمتع بأكبر إمكانات التنمية. وفي العصر الجديد، اقترح الرئيس شي جين بينغ رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وطرح مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمي كما اقترح طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين والمجتمع البحري ذي المستقبل المشترك. ويشكل المحيط الهندي جزءا لا يتجزأ من كل هذه المبادرات. وترغب الصين في تعميق التعاون التنموي مع المنطقة، وبناء مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك بين الصين ودول المحيط الهندي، وتحقيق الجودة العالية والتنمية المستدامة في المنطقة.
وقال: وعلينا أن نبني محيطا هنديا ينعم بالسلام والأمن. وتواجه المنطقة الآن تهديدات أمنية تقليدية وغير تقليدية. وتتصاعد التوترات والتنافسات الجيوسياسية بين الدول الكبرى، وتستمر الاحتكاكات حول الأراضي والموارد بين دول المنطقة، مما يشكل تحديات خطيرة أمام التنمية والحكم في المنطقة. وتلتزم الصين بتعزيز الأمن البحري العالمي والدائم، وضخ الطاقة الإيجابية في المنطقة. وباعتبارها جهة توفر الأمن الإقليمي، ترسل الصين أساطيل مرافقة بحرية للقيام بدوريات في خليج عدن منذ عام 2008، لحماية الممر البحري الآمن والخالي من العوائق. وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الساخنة، تلعب الصين دائما دورا بناءا وتبذل جهودا نشطة لتعزيز محادثات السلام.
وقال الدكتور رام مادهاف رئيس مؤسسة الهند في كلمته: يعد المحيط الهندي ثالث أكبر المحيطات في العالم ويغطي تقريبًا مساحة 74 مليون متر مكعب وتضم الدول المطلة على المحيط الهندي ما يقارب 3 مليارات نسمة وهي تشهد تحولاً وتطورًا كبيرًا في العالم حيث إن 70% من التجارة تمر عبر هذه المنطقة.
وأوضح أن المحيط الهندي هو نقطة الربط بين البلدان المختلفة ولكن هناك الكثير من التحديات مثل القرصنة والإرهاب البحري وتحديات المناخ والاتجار بالبشر والبضاعة والصيد الجائر والتحديات المرتبطة بالشؤون الإنسانية مثل ارتفاع مستويات البحار والجهود المرتبطة بالإنقاذ وكل ذلك يتطلب تعزيز التعاون بين البلدان المعنيّة من أجل مواجهة هذه التحديات الكبرى وإيجاد شراكات وتنمية التعاون بين مختلف الدول والمنظمات المشاركة.
وأكد سعادة المهندس خميس بن محمد الشماخي وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للنقل في تصريح له على أهمية استضافة سلطنة عُمان لأعمال مؤتمر المحيط الهندي الثامن بحكم الموقع الجغرافي المميز لها والعلاقات التي تربطها مع الدول المطلة على المحيط الهندي. وأشار سعادته إلى أن انعقاد المؤتمر يأتي في توقيت مهم خصوصًا أن سلطنة عُمان تسعى حاليًا إلى تعزيز دورها في المنظمات الدولية في الجانب البحري والمنظمات الدولية، وهناك جهود بين عدة جهات من ضمنها وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للتحول إلى التنقل الأخضر والموانئ الخضراء والممرات البحرية.
وفي سياق متصل، قال سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري، رئيس هيئة البيئة في تصريح له إن المؤتمر في غاية الأهمية خاصة أن العالم يتجه إلى بذل جهود كبيرة في التكيّف مع التغيرات المناخية والحد من آثارها وحماية البيئة وضمان استدامتها، وهذا يتوافق مع رئاسة سلطنة عُمان لجمعية الأمم المتحدة للبيئة.
وأضاف سعادته أن المؤتمر يتيح الفرصة لتبادل وجهات النظر حول إمكانية إيجاد السبل المثلى لتحقيق المستهدفات البيئية في المحيط الهندي الذي يعد من أهم وأكبر المحيطات الحيوية في العالم ويحتوي على القشريات والأسماك الصغيرة والحيتان، بالإضافة إلى الكائنات الحية المعمرة والشعاب المرجانية التي تمثل دورًا مهمًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون.. تضمن المؤتمر في يومه الأول أمس خمس جلسات جاءت الأولى بعنوان: رحلة نحو آفاق جديدة للشراكة البحرية، وجاءت الجلسة الثانية بعنوان تعزيز صوت الجنوب العالمي، أما الجلسة الثالثة فجاءت بعنوان تأمين المصالح الاقتصادية البحرية، وجاءت الجلسة الرابعة بعنوان تعزيز سلاسل الإمداد البحرية ، التغلب على الاضطرابات وزيادة المرونة، وجاءت الجلسة الخامسة والأخيرة بعنوان استكشاف آفاق جديدة تطور المشهد البحري في القرن الحادي والعشرين. كما يطرح وزراء خارجية 28 دولة خلال المؤتمر رؤى دولهم حول التحديات الأمنية المشتركة وسبل تعزيز الشراكات البحرية، وذلك من أجل تحقيق الهدف الرئيس من المؤتمر وهو إيجاد شراكات وتنمية التعاون بين مختلف الدول والمنظمات المشاركة.
يعد مؤتمر المحيط الهندي (IOC) منصة ومنتدى دوليًّا بارزًا، انطلقت نسخته الأولى عام 2016، ليصبح ساحة رئيسة لتعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي والقوى العالمية ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، وقد قامت دول مثل سلطنة عُمان والهند وسريلانكا وأستراليا وسنغافورة بأدوار محورية في فعالياته.