علي المطاعني يكتب: بعد 60 عامًا يكون التقاعد المبكّر اختياريًّا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٩/فبراير/٢٠٢٥ ١١:٤٥ ص
علي المطاعني يكتب: بعد 60 عامًا يكون التقاعد المبكّر اختياريًّا
علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي تعمل فيه شعوب العالم في وظائفهم إلى سنوات متأخرة من أعمارهم وإلى بين 80 و 90 عامًا، كما هو مشاهد في اليابان والكثير من الدول الأوروبية يُحال كثير من مواطنينا إلى التقاعد المبكر، ففي الولايات المتّحدة الأمريكية مثلا نجد الرئيس دونالد ترمب الذي أثار الجدل والصخب والخلافات مع جيرانه وبقية دول العالم ولد في 3 فبراير 1946 أي إنه يبلغ الآن 79 عامًا من عمره اللاسعيد، في حين أن الرئيس السابق جو بايدن ولد في 20 نوفمبر 1942 أي أن عمره الآن 83 عامًا، أما الملكة أليزابيث ملكة بريطانيا التي ولدت في 21 أبريل 1926 فتوفّيت في 8 سبتمبر 2022 عن عمر يناهز الـ 96 عامًا، كما أن وارن بافيت أحد أغنى رجال العالم، لا يزال يدير أعماله بنفسه وهو في التسعين من عمره، كما أن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الراحل عاد للحكم مجدّدا في سن الـ 92، وفي دول مثل أستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، فإن قوانين العمل هناك تمنع إنهاء خدمة الموظف بسبب عمره وتعتبر ذلك تمييزًا يعاقب عليه القانون.

أما ما يحدث لدينا فهو نقيض ذلك تمامًا، فالمواطن يحال للتقاعد في سن الخمسين من عمره، وشهدنا في السنوات الماضية ما يشبه التخبّط في إدارة أنظمة صناديق التقاعد أدّى إلى إحالة الكثير من الكفاءات إلى التقاعد المبكر وهم في أوج نشاطهم الوظيفي والصحي والذهني، وعلى إثر ذلك فقدت أجهزة الدولة كفاءات وخبرات عالية المستوى يصعب أو لِنَقُل يستحيل تعويضها مع الإقرار بحاجتنا إليها، سيما في قطاعات الطبّ، والهندسة، والتعليم، فحدث نقص في هذه المجالات.

 وبالسماح لكبار السن بالاستمرار في العمل، تُسدّ الفجوة ويتوقف هدر الكفاءات والخبرات، الأمر الذي يتطلب أن يكون التقاعد في سن 60 عامًا اختياريًّا وليس إلزاميًّا مثلما هو عليه الآن لأن هناك كفاءات قادرة على العمل، وخبرات لا يجب التفريط بها في القطاعين الحكومي والخاص.

فبلا شك إن إعادة النظر في سن التقاعد بعد الستين عامًا ليكون اختياريًّا له من المكاسب ما يتّسع له المجال، فالشباب الجدد الذين يلتحقون بالوظائف يحتاجون لأخذ الخبرة من أصحابها، وإذا كان أصحابها يُحالون للتقاعد، فلن يكون الجدد فاعلين أبدا في وظائفهم وهو ما ينعكس سلبًا على منظومة الأداء الوظيفي بالبلاد، وهنا تحدث المفارقة المتعارضة مع خطط وبرامج التعمين لأنه ستتم الاستعانة بالخبرات الأجنبية لسدّ النقص في الكفاءات.

ومن زاوية أخرى نجد أن الجهات المسؤولة عن صناديق التقاعد غير قادرة على الإيفاء بالاستحقاقات التقاعدية المتزايدة سنويًّا، وتعاني من عجوزات اكتوارية إلى غير ذلك من المطبات الهوائية، ورغم أن السن التقاعدية مستقرة عند 60 عامًا، إلا أن هذه النقطة المشتعلة تحتاج لمزيد من المراجعة والتطوير بما يسهم في الاستفادة المثلى من الكفاءات الوطنية سواء في سن التقاعد أو بعده، وفي الكثير من جوانب العمل في أجهزة الدولة مثل غيرهم من الوافدين الذين يستمرون في العمل في الشركات إلى ما بعد الـ 75 عامًا دون حدٍّ معيّن للتقاعد أي إلى الموت أو العجز الصحي الكامل.

وعلى ذلك لا بدّ من إضافة فقرة لهذه النقطة بأن يكون التقاعد في سن الـ 60 اختياريًّا، فمن أراد من تلقاء نفسه أن يتقاعد فأهلًا وسهلًا، ومن أراد أن يستمر فمرحبًا به باعتباره خبرة وطنية يعزّ فراقها، شريطة أن يجتاز الاختبار الطبيّ الذي يثبت حضوره الذّهني والبدني.

إن سلطنة عُمان، دولةٌ مستقبلة للعمالة الوافدة التي يزيد عددها على المليونين، لا يتعين عليها أن تضع حدودًا عمرية لعمل مواطنيها، فهذا التوجه يجد امتعاضًا تلقائيًّا من المواطنين.

إن النظرية السطحية القائمة على إحالة الخبرات الوطنية للتقاعد المبكر من شأنه أن يفتح آفاقًا أوسع للخرّيجين لارتياد سوق العمل غير صحيحة أو غير دقيقة، ذلك أن النقص في الخبرات سوف يتم تعويضه بالعمالة الوافدة ولها أعباء ثقيلة على صناديق التقاعد التي ما انفكت تئن.

 وإذا عدنا لقانون العمل العُماني، لا نجد سنًّا محدّدة لتقاعد العامل الوافد وبالتالي يستمر في العمل بعد الستين إذا رغب في ذلك، وعند نهاية خدمته يستحق مكافأة نهاية الخدمة، فهذا التمييز يعكس اختلافات في سياسات التوظيف والتقاعد بين المواطنين والوافدين.

وفي العديد من دول العالم، يتم تشجيع كبار السن على العمل بعد سن التقاعد، سواء بدوام جزئي أو في وظائف استشارية، لما لذلك من فوائد اقتصادية، واجتماعية، وصحية، كما أن تحديد سنّ للتّقاعد يعزّز حيويّة الاقتصاد الوطني من خلال إبداعات أصحاب الخبرات من المسنين الشباب.

كما نجد الكثير من الدول مثل ألمانيا واليابان وكندا والسويد قد رفعت سقف سنّ التقاعد تدريجيًّا إلى 65 و70 عامًا لتعزيز اقتصاداتها وتقليل العبء على صناديق التقاعد، وأن الدراسات العلمية أثبتت أن العمل بعد سن الـ 60 عامًا يُطيل العمر ويُحسّن الصحة ويعيش هؤلاء حياة أطول ويتمتّعون بصحة أفضل ويكونون بمنأى من أمراض القلب والزهايمر والاكتئاب المقترن بالتقاعد المبكر.

نأمل أن تتم مراجعة أنظمة التقاعد برمّتها، وإجراء التعديلات اللازمة عليها بناء على المعطيات الاقتصادية والتنموية والعلمية والقانونية والصحية والبدنية والنفسية التي أشرنا إليها، وحتى ننزع مخاطر الأمراض التي تنتظر المحالين للتقاعد المبكر من أصحاب الخبرات مثل وحش كاسر لالتهامهم كما ينبغي، وتلك هي قمّة الحسرة وأصل الندم.