"الاستثمارات.. هي المشكلة والحل" مقولة أقف أمامها كثيرا لأنها تمثل واقع وتحديات ومعوقات الاستثمار في الوطن العربي، حيث تظهر أمامها وخلفها الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها اقتصاديات بعض الدول ، التي تبدو في صعوبات وعجوزات متراكمة في الميزانيات ، الأمر الذي يهدد خططها التنموية في رؤيتها المستقبلية وفي تناولها لشعارات التنوع الاقتصادي، والذي جعلها تلهث يمينا، وتهرول يسارا للحصول على الاستثمارات الأجنبية ، ومن ثم توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وإنشاء الشركات الاستثمارية المشتركة
وباعتبار أن الاستثمارات هي الملاذ للخروج من القطاعات الاقتصادية التقليدية المتعثرة والتي تمثل عبئا على الاقتصاد ، لأنها لا تضيف جديدا يمكن البناء عليه للقضاء على معضلات نقص أو انعدام فرص العمل والوظائف الجديدة ، بل تزيد "الطين بلة" لأنها تضيف عبئا آخر على الحكومات لرفدها سوق العمل بالمسرحين والمستغنى عنهم
، ومع التسليم بكل ذلك ، إلا أن الإشكالية الحقيقية تكمن في التنفيذ والصعوبات والإجراءات التطبيقية التي تقيده ،و التي تعبر عن المناخ والبيئة الاستثمارية، القادرة على
مواجهة التحديات ، لأننا نشهد الكثير من الشركات الاستثمارية الأجنبية التي تعلن عن تكبدها خسائر جسيمة لأسباب متعددة أهمها عدم قدرتها على تنفيذ المشروعات التي حصلت على تراخيص لها من السلطات المختصة وتعطلت لعدة سنوات على الرغم من تحملها التكاليف التشغيلية والإيجارات والمرتبات بالإضافة إلى عبء الديون والاقتراض، وتحول بعضهم من مستثمرين إلى متهمين لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الإنتاجية والتصديرية أو سداد أقساط القروض للبنوك التي تطاردهم قضائيا
ولا شك أن ذلك يشكل أزمة حقيقية تؤدي إلى هروب المستثمرين والاستثمارات الجادة والجديدة، التي يجب أن نحرص على جذبا ، حتى تسهم في إيجاد قيمة مضافة لمختلف القطاعات ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تسيل جذب رؤوس الأموال، والخبرات وتوطين التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، واعتبار ذلك خيارا حتميا بل ضرورة استراتيجية لا يمكن أن نحيد عنها،
مع إيجاد منظومة من التشريعات والبنية الأساسية التي تلبي تطلعات المستثمرين وتحمي أنشطتهم وتساعدهم على سرعة تنفيذ مشروعاتهم أو عدم توقفها ، بسبب سيطرة الروتين والعقليات الإدارية التقليدية في الدولة العميقة ، التي لم تستطع استيعاب سرعة التحولات التنظيمية والتشريعية التي تضمن للمستثمر سلامة وانضباط التنفيذ، وتفادي تضارب المصالح أو القرارات مع السلطات المحلية ، التي قد تكون من أكبر المعوقات أمام الاستثمارات والتي تتسبب في خسائرها أو هروبها، لأن المستثمر ورؤوس الأموال تبحث عن الأرباح في أي مكان يسمح لها بذلك ، لأنه لا يوجد مستثمر سيعمل في مشروعات أو استثمارات خاسرة
وهذا يدعونا إلى ضرورة وجود نظام للمتابعة لمشاكل المستثمرين ميدانيا في مواقع العمل والإنتاج وعدم الانتظار حتى يصرخوا بالشكوى بعد الخسائر والتعثر الذي يلاحقهم أو يهدد مشروعاتهم الاستثمارية، ويعطي رسائل سلبية للمستثمرين في الخارج ، بما يدعم قناعات هروب الاستثمارات والمستثمرين، وهو واقع لا يمكن تجاهله أو أن ندفن رؤوسنا في الرمال، متجاهلين ذلك ،خاصة إذا ظلت وزارات التجارة والصناعة والاقتصاد واللجان المتخصصة في غرف التجارة والصناعة وأجهزة الاستثمار والترويج غائبة أو تغرد خارج السرب أو تعمل بدون تنسيق مشترك لموجهة هذه التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي على أرض الواقع، وهى تحت يدها ملفات الاستثمار، ولها الحق في متابعتها وتقييمها من منطلق الحرص على القضاء تارب القرارات وعلى الفساد الإداري إذا وجد ، لأنه من أكثر العوامل التي تعوق تقدم وازدهار الاستثمارات
خاصة أن مواجهة إشكاليات معوقات المستثمر الأجنبي ،من أُولى أولويات الحكومة المركزية والسلطات المحلية ، ولنتذكر دائما مقولة أن "الاستثمارات.. هي المشكلة والحل" لدعم الاقتصادات الحديثة.