عندما تنعدم وتتلاشى تدريجيا أو تتزعزع التقة بين شخصين عزيزين فإن علاقتهما تسؤ وتتأزم ويصبح كلاهما لا يطيق الاخر ولا يثق فيه وقد يصل الامر الى التخاصم والقطيعة فما بالك اذا كانت هذه الثقة يشوبها شيء من عدم المصداقية بين المواطن والمؤسسات والوحدات العامة فنعتقد ان الوضع يكون اكثر سؤا بحيث يصبح المواطن لا يثق في القرارات والاجراءت والوعود التي تصدر من الجهات الرسمية ، ولا يثق بتصريحات المسئولين والتي احيانا عبارة عن أحلام وردية قد لا تتحقق أو إنها حبر على ورق.
قرأنا قبل فترة مقالة حول الثقة السياسية للكاتبة وفاء داؤد تتحدث فيها عن تعريفات الثقة مع التركيز على انعدام الثقة السياسية واسبايها وطرق علاجها ، حيث اشارت الى عدة انواع من الثقة كالثقة السيكيولوجية والشخصية والاجتماعية وعلاقتها برأس المال الاجتماعي وهذه الانواع اكثرها شيوعا ومعرفة لدى الناس على اعتبار انها ناتجة عن المماسات اليومية بين الاشخاص ، الا ان الثقة السياسية قد لا تكون متداولة كثيرا في مجتمعاتنا العربية لذا ينيغي ان يفرد لها مساحة واسعة في جامعاتنا ومؤسساتنا التربوية خاصة في كليات السياسة والاقصاد من اجل ان يعي طلبة العلم هذا المصطلح ويعرفوا معناه ومغزاه.
عندما ننظر الى واقعنا المحلي الذي نعيشه حاليا نلاحظ بأن هناك بوادر أزمة ثقة فأصبح العديد من المواطنين لا يثقون بكل ما هو محلي سواء كان شخصا او خدمة او سلعة أو مشروع فهو لا يثق بالوزير ولا بالوكيل بل حتى في المدير في المؤسسة الحكومية ولا يثق في المهندس في ميدان العمل ولا بالطبيب في المشفى ولا بشرطي المرور في الطريق وهنا تكمن الخطورة.
ونجزم بأن جلد الذات الذي نشاهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو نتيجة لانعدام الثقة لذا نلاحظ ونتابع العديد من التعليقات السلبية والغير متفائلة لأي خبر يصدر عن اي جهة رسمية والبعض يحاول تقزيم الانجاز ويعتبره كأنه لاشي بينما يمجد كل ما يشاهده ويصله من خارج الحدود فعلى سبيل المثال قبل فترة قصيرة حضرنا لقاء إعلامي حول منظمومة إجادة بدعوة كريمة من وزارة العمل وتم تقديم شرح عن المنظومة وفوائدها والية العمل بها واثناء اللقاء صرح أحد المسئولين بأنه تم تخصيص 3 مليون ريال عماني مكافئة للمجيدين من موظفي الحكومة خلال العام القادم ، وتم تدوام الخبر مباشرة من قبل احد المنصات الاكترونية تخيولوا معي خلال اقل من نصف ساعة وصل عدد التعليقات على الخبر اكثر من مائة تعليق وجمعيها سلبية.
يصرح احد المسئولين عن خطة مؤسسته وبرامجها خلال خلال فترة معينة أو يعلن عن مشروع تنموي وتجد التعليقات السلبية والغير منطقية أحيانا بل يصل الامر الى الشخصنة ولم يسلم ذلك المسئول من النقد السلبي واصبح العديد من الشباب لايثق في كل شي في جلد واضح للذات الناتج عن عدم الثقة ، يأتي مسئول او رئيس وحدة ويصرح بأن المشروع الفلاني سوف يخلق مائة الف فرصة عمل متى وكيف؟؟؟ وبعد فترة تتبخر تلك الفرص ولم نرى منها الا القليل ويركز الاعلام على مشروع وضع في الخطة ويعلن عنه احد المسئولين بأنه سوف ينفذ خلال فترة محددة ومن ثم يتبخر ذلك المشروع في الهواء والأمثلة كثيرة .
ثقتنا بين بعضنا البعض كذلك اصبحت مهزوزة فقد وصل الحال الى أنه ذا ما اراد احدنا ان يشتكي من نقص خدمة ما او طلب مساعدة فأنه يصرخ ويصيح امام الملاء عبر وسائل الاعلام المسموعة والمرئية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بل اكثر من ذلك فأنت اذا اثنيت على خدمة معينة تقدمها جهة رسمية فقد ينظر اليك على انك تحابي او تجامل وانك من الانبطاحيين والمطبلين وهذه المصطلحات لم نكن نسمعها من قبل.
غياب الثقة وفقدانها بين الحكومة والمواطن اصبحت ظاهرة اجتماعية ينبغي التصدي لها بشتى الطرق والوسائل لكي لا تصل الامور الى المساس بالنسيج الاجتماعي للوطن لا قدر الله ولا الى الخوض في امور طائفية وعقائدية والدخول في نفق مظلم نحن في غنى عنه ولا نتمناه، ازمة الثقة تحتاج الى تشخيص ودراسة وتحليل لمعرفة اسبابها وطرق علاجها من اجل استرجاع تلك الثقة التي كانت سببا رئيسيا في بناء هذا الوطن الغالي وقيام نهضته المباركة التي اصبحت الان حقيقة ونموذجا يحتذى.