ما الفرق بين حركة طالبان الأفغانية وهيئة تحرير الشام السورية، وكلاهما وصل إلى السلطة بالسلاح؟ ليس هناك اختلاف كبير بين الحركتين في قراءتهما الصارمة لأحكام الإسلام، لكن هناك اختلافات كثيرة في الجغرافيا والانتماءات السياسية لكل من أفغانستان وسوريا: على سبيل المثال، ليس لأفغانستان حدود مشتركة مع إسرائيل وهي ليس جزءا من محور المقاومة، وأفغانستان ليست جسراً لعبور الأسلحة من إيران إلى المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة والضفة الغربية. وقاتلت أفغانستان قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لمدة عشرين عامًا وحدها، دون أي مساعدة من أي طرف آخر، حتى هزمت التحالف الأمريكي والحكومة المحلية لأفغانستان بقيادة آخر حاكم مدني، أشرف غني. فيما قدمت العشرات من الجهات الإقليمية والدولية مساعدات مالية وعسكرية لمختلف الجماعات المسلحة في سوريا. ولا توجد قاعدة عسكرية روسية كبيرة هناك، ولا يوجد نفوذ إيراني.
أما سوريا فكانت قلعة الصمود في وجه إسرائيل والهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ قيام الدولة الصهيونية في فلسطين. وكانت عضواً بارزاً في محور المقاومة. وكانت سوريا بمثابة جسر بري لإمدادات الأسلحة القادمة من إيران إلى حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية. وسورية قدمت كل ما في وسعها من حيث توفير الأسلحة والعتاد للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وتقع أكبر قاعدة عسكرية روسية في سوريا. وتتمتع سوريا بعلاقات قوية للغاية مع إيران، وإيران من جانبها قدمت لسوريا مساعدة كبيرة في مواجهة الحركات المسلحة منذ عام 2011، وهو العام الذي بدأت فيه أولى الحملات المسلحة على سوريا. وتعود علاقة إيران مع سوريا إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 إلى عام 1988، عندما كانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب إيران ووقفت ضد النظام العراقي القائم في العراق في ذلك الوقت. قد يكون موقف سوريا المناهض للعراق والمؤيد لإيران بسبب العداء بين حزب البعث السوري والعراقي، حيث كان حزب البعث هو الحاكم في كلا البلدين. دعم سوريا لإيران جاء من منظور «عدو عدوي صديقي».
منذ عام 2021، تحكم حركة طالبان أفغانستان.ولم تعترف بها أمريكا وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والسبب في ذلك هو أن نظام طالبان يرفض إدخال كافة مكونات الشعب الأفغاني في الحكومة وسجله غير مرض في مجال حقوق الإنسان.
وتقول حركة طالبان إن من قاتلوا قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لمدة عشرين عاما هم حركة طالبان، وقد أدى صراعهم إلى سقوط آلاف الضحايا بينهم. ولذلك يجب أن يكونوا وحدهم على رأس السلطة، ولا يمكن أن يشارك فيه من خدم مصالح أمريكا في أفغانستان وحارب حركتها.
ولا أستغرب أن أجد أمريكا والاتحاد الأوروبي يتنافسان على الاعتراف بالحكومة الجديدة في سوريا برئاسة هيئة تحرير الشام، التي تعتبرها أمريكا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا منظمة إرهابية. فقد زار وزير الخارجية التركي دمشق مؤخراً، ومن المتوقع أن يزور وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني دمشق قريباً للقاء قادة النظام الجديد هناك. وتقول أمريكا إنها على اتصال بالنظام الجديد في سوريا، وتتواصل مع منظمة إرهابية، لكنها لا تعترف بحكومة طالبان في أفغانستان. والسبب في كل ذلك يعود إلى جغرافية سوريا وانتمائها السياسي للنظام السياسي السابق المعادي للهيمنة الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستضم هيئة تحرير الشام كافة فئات السوريين الأخرى إلى حكومتها؟ الجواب: لا أعتقد أن ذلك سيحدث، خاصة وأن هيئة تحرير الشام أكثر تطرفاً من حركة طالبان الأفغانية. المهم بالنسبة لأمريكا والغرب هو أن هيئة تحرير الشام حررت سوريا من النظام المعادي لإسرائيل. جميع فئات الشعب تشارك أو لا تشارك. هذا شأنهم الداخلي ولا نتدخل فيه!
وتستضيف تركيا المعارضة السياسية في إسطنبول منذ تأسيسها عام 2011، والتي تتكون من بعض العناصر السياسية السورية السابقة. وكان من المتوقع أن تتولى المعارضة السلطة في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث. ونصب زعيم الجماعة المسلحة التي سيطرت على سوريا أبو محمد الجولاني نفسه المسؤول الأساسي عن السلطة، كما عين أحدهم رئيساً للوزراء وكان مسؤولاً عن محافظة إدلب الواقعة على حدود تركيا وكانت خارج نطاق سيطرة حكم دمشق وتحت سيطرة لنفس المجموعة.أعتقد أنه لن يكون هناك اختلاف في طريقة حكم سوريا وأفغانستان. ستحكم سوريا هيئة تحرير الشام ولن تسمح للسوريين الذين لم يشاركوا في عملية إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد أن يكونوا شركاء في الحكم.
لم تكن هناك مشاكل كثيرة في أفغانستان بعد تولي طالبان السلطة، لكن من المتوقع أن تحدث اضطرابات كثيرة في سوريا إذا لم تشارك جميع مكونات الشعب السوري في الحكم، خاصة إذا فرض الحكام الجدد أجندتهم على الشعب السوري.
وتقاطع أمريكا والاتحاد الأوروبي إلى جانب بريطانيا النظام الحاكم في أفغانستان وتفرض عليه عقوبات اقتصادية، بالإضافة إلى تجميد أمريكا مليارات الدولارات من الاستثمارات الأفغانية. أما بالنسبة لسوريا التي ليس لديها أي استثمارات في الولايات المتحدة، فإن أمريكا مستعدة لتقديم مساعدات مالية سخية للنظام الجديد في سوريا إذا اعترف بوجود إسرائيل، وطرد القاعدة الروسية، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران. وعلى المدى الطويل، قاتل حزب الله في لبنان، ولم تتمكن إسرائيل من القضاء عليه. هذه هي الإنجازات التي يحتاجها بايدن في نهاية ولايته والتي قد تضيء فترة رئاسته الممتدة لأربع سنوات والتي تميزت بالكثير من الصعود والهبوط. وسيقول إنه تمكن من طرد روسيا وإيران وحزب الله من سوريا.