محمد محمود عثمان يكتب: صندوق النقد.. بين المشكلة والحل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/ديسمبر/٢٠٢٤ ١٩:٠١ م
محمد محمود عثمان يكتب: صندوق النقد.. بين المشكلة والحل
محمد محمود عثمان

تساؤلات كثيرة تطرحها تأثيرات صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح التي يفرضها على الدول النامية التي تعاني من نقص التمويل لمشروعاتها التنموية  وأسباب فشل برامج الصندوق في إنقاذ اقتصادات بعض الدول العربية من الأزمات التي تعاني منها وهو من أكبر مؤسسات التمويل الدولية تأثيرا على الاقتصاديات النامية ، لذلك أصبح مثارا للجدل والنقد بعد أن تسببت أهدافه وتطبيقاته إلى زيادة معاناة الدول التي تلتزم بطلباته وشروطه التعجيزية ، لأن من أهداف الصندوق المعلنة هو مكافحة الفقر ومساعدة الدول في بناء القدرات وتكوين الشركات في القطاعين العام والخاص .

ولكن تثار التساؤلات دائما حول النتائج العكسية بل و الكارثية التي تخلفها سياسات الصندوق في الدول التي اقترضت منه ، بعد أن يترك هذه الدول أكثر فقرا مما كانت عليه، مع ارتفاع الديون، وتعاظم الفوائد، وزيادة حجم البطالة والتضخم،  ويفسر البعض ذلك بأن الصندوق وإن كانت طبيعة عمله اقتصادية إلا أنه في الواقع العملي يُعد أداة لفرض نفوذ وسيطرة الدول الكبرى ، حتى أطلق عليه البعض صندوق النكد الدولي .

حيث أن معظم الدول التي حصلت على قروض من الصندوق كانت القروض البوابة الملكية لانهيار اقتصاديات هذه الدول، والتعثر المالي، بل وزيادة معدلات البطالة في الدول التي نفذت برامجه الإصلاحية ، التي طلب منها البنك تخفيض أو إزالة التعريفة الجمركية على الواردات، وفرض سياسات تقشفية حادة ورفع الدعم عن الطاقة والمحروقات وعن المواد الغذائية الأساسية ، والتي يتحمل عبئها المواطن صاحب الدخل المحدود في نهاية الأمر . 

لذلك كانت القروض هي المشكلة لأنها لم توجه لمعالجة المشاكل الحقيقية التي تواجه الاقتصاد ، وأدى ذلك إلى نقص الموارد و تدمير الصناعات المحلية تحت شعار الإصلاحات الاقتصادية ، التي أدت لإضعاف العملات المحلية أمام العملات الدولية وأهمها الدولار، بعد نقص احتياطات البنوك المركزية من العملات الصعبة ، ومن ثم إغفال عمليات التنمية الاقتصادية الحقيقية، وكلها من المدخلات الرئيسية إلى زيادة الانكماش الاقتصادي. 

لأن الدول التي تقترض تضطر إلى فرض ضرائب جديدة وترفع الأسعار التي تنعكس على مستوى حياة المواطنين وهى المشكلة أو المعضلة التي تعاني منها الدول المقترضة من صندوق النقد وتدفعها إلى إعلان الإفلاس ومن هنا يأتي الحل من مسؤولية الدول بأن لا تستسلم لشروط صندوق النقد وتفكر في بدائل وحلول من خارج الصندوق ، لتحريك الاقتصاد عبر حلول غير تقليدية وتتجه إلى التمويل المحلي من فوائض وأرباح ومدخرات وودائع قطاع البنوك لإطلاق المشاريع والاستثمارات التي تدفع عجلة الاقتصاد لتحقيق النمو المستدام.

وإذا اضطرت إلى قروض البنك فيجب أن تستثمر في  المشروعات والصناعات التصديرية ، والتي تسهم في توفير فرص العمل الحقيقية ، وفي توفير العملات الصعبة، مما يمكنها من تسديد ديون الصندوق بسهولة وبدون تعثر، والأمر يتطلب سياسات نقدية تساعد البنوك وشركات التمويل والتأمين لأداء دورها بتخفيض نسبة الاحتياطي القانوني لزيادة حجم القروض المقدمة للقطاع الخاص الصناعي، والتجاري، والزراعي مع تخفيض تكلفة القروض بكل أنواعها.

 مع التركيز على دعم وتشجيع القطاع الخاص ، لأنه هو عماد الاقتصاد والمحور الأهم للتنمية، والقادر على مواكبة المتغيرات العالمية المتسارعة، والتحديات المستقبلية، التي هي أخف وأفضل كثيرا من الانصياع لسياسات الصندوق التي تترك الدول أكثر فقرا مما كانت عليه، بالإضافة إلى ارتفاع الديون، وتراكم الفوائد وخدمة الدين ، وتفاقم معدلات البطالة والتضخم المستورد في ظل زيادة الواردات .

خاصة أن الدول التي تقترض يتبعها فرض ضرائب جديدة مع ارتفاع عشوائي في الأسعار، للمواد الغذائية ومدخلات الإنتاج وأسعار الخدمات، التي تُلهب بنارها جيوب المواطنين بكل فئاتهم وكذلك المُصنعين بكل مستوياتهم ، و تضخم معدلات التضخم مع انخفاض القوة الشرائية للعملات المحلية ،في الوقت الذي لم تتحرك فيه مستويات الأجور والمرتبات ، للتغلب على الأضرار التي تلحق بالمستهلكين ، وتتسبب في خلل السلام المجتمعي ، التي تصاحبها زيادة الجرائم وعدم استقرار المجتمعات.