كان هناك في الأصل ثلاث قلاع صمود على الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، مصر والأردن وسوريا.
شاركت الثلاث في حرب يونيو 1967، بينما لم تشارك الأردن في حرب يونيو 1973.
ونتيجة لحرب 1973 وموقف الولايات المتحدة المؤيد لإسرائيل وإقامة جسر جوي لإمداد إسرائيل بالسلاح، والذي استطاع أن يحول هزيمتها الوشيكة إلى نصر، قاطع العرب صادرات النفط إلى أميركا وبعض الدول الغربية، ونتيجة لذلك ارتفع سعر برميل النفط إلى ما يقرب من مائة دولار، بينما كان يتراوح بين 35 و40 دولاراً للبرميل قبل الحرب.
ونتيجة لحرب 1967 فقدت مصر عائدات قناة السويس التي أغلقت بسبب احتلال إسرائيل للضفة الشرقية المقابلة، كما فقدت عائدات الغاز البحري في منطقة قناة السويس.
وتطوعت بعض الدول العربية الغنية بتعويض مصر عن السيولة المفقودة. وفي عام 1977 أوقف العرب تقديم المساعدات المالية المتفق عليها ولكن سبب إيقاف المساعدات المالية لم يعلن حتى يومنا هذا، وما سمعناه وقتها أن السادات طلب زيادة المساعدات ولكن العرب رفضوا طلبه.
ومع رفض العرب تقديم المزيد من الأموال، قرر السادات الإضرار بالوحدة العربية بالذهاب إلى تل أبيب في زيارة العلنية من أجل استعادة قناة السويس وحقول الغاز ومنطقة طابا وسيناء التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وهنا في عام 1979 سقطت أولى قلاع الصمود.
عقد العرب اجتماعا طارئاً علقوا فيه عضوية مصر في عام 1979 بعد قيامها بالتوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس وتم استبدال الأمين العام للجامعة من مصري إلى تونسي هو "الشاذلي القليبي". إلا إن الدول العربية أعادت العلاقات الدبلوماسية مع مصر في عام 1987 وسمح لمصر بالعودة إلى الجامعة في عام 1989، وأعيد مقر الجامعة إلى القاهرة مرة أخرى.
ولاحقاً وتحديداً في عام 1994 تم عقد معاهدة سلام وقعت بين الأردن وإسرائيل في 26 أكتوبر 1994 عرفت باسم معاهدة وادي عربة. أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر تعترف بإسرائيل، وبذلك سقطت القلعة الثانية.
أما القلعة الثالثة فقد ظلت صامداً في وجه كل محاولات الأميريكية والعربية لإغرائه بقبول وجود إسرائيل والاعتراف بها، ووقفت بكل ثبات ضد إسرائيل وأطماعها في الأراضي العربية. وقدمت كل ما في وسعها تقديمه للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وتحملت كل أنواع المقاطعة الاقتصادية من قبل أميركا والدول الاتحاد الأوروبي. وأخيراً وبسبب موقفها الثابت تحملت طردها من جامعة الدول العربية. ولكن شياطين الغرب والشرق لم يرضوا بموقفها هذا فدبروا لها حرباً عالمية عرفت بالحرب الأهلية. كانت الحرب على موجتين، الأولى بدأت عام 2011 وانتهت 2017، أما الموجة الثانية فكانت قبل نحو اسبوعين بتاريخ 27 نوفمبر وانتهت في 28 ديسمبر 2024.
في عام 2011، قامت عدة دول بجمع الإرهابيين تحت مسميات مختلفة وإرسالهم إلى سوريا عبر تركيا. واستمرت المعارك بين ما يسمى بالمعارضة السورية والحكومة السورية بمساعد روسيا وحزب الله وبدرجة أقل إيران. وتوقفت المعارك تماماً في عام 2017. ولم تتمكن المعارضة السورية من إسقاط القلعة. تمكن الإرهابيون من احتلال محافظة "إدلب" القريبة من الحدود التركية، ومن هنا انطلقت المجموعات الإرهابية مؤخرا، ويقال أن عددهم كان يتراوح بين 40 و50 ألف مقاتل معززين بأسلحة جديدة يستخدمونها للمرة الأولى. وفي أقل من اسبوعين تمكنت المعارضة من دخول العاصمة دمشق في 8 ديسمبر 2024، وبذلك سقطت آخر قلعة عربية.
من الطبيعي جداً أن تسقط القلاع، وقد سقطت المئات منها عبر التاريخ القديم والحديث، فمثلاً احتلت ألمانيا معظم الدول الأوروبية في الحرب العاليمة الثانية واحتلت اليابان العديد من دول جنوب آسيا، لكن القلعتين سقطتا قبل نهاية الحرب، وبسقوطهما انتهت الحرب. لكن السؤال الذي يخطر على بال كل متابع للأحداث في سوريا قد يقول: كيف لم تهزم سوريا في المواجهة الأولى من الحرب التي استمرت نحو ثماني سنوات، ثم هزمت خلال أسبوعين في المواجهة الثانية؟ ربما تكون الإجابة: الخيانة. يبدو صحيحاً أن أميركا تمكنت من شراء ولاء قادة الجيش السوري، تماماً كما فعلت في عام 2003 في الحرب لإسقاط نظام صدام حسين في العراق. والسؤال الثاني الذي قد يطرح هو: ماذا عن الروس، الذين لديهم أكبر قاعدة في سوريا، والذين أحبطوا محاولة إسقاط النظام السوري في المواجهة الأولى من الحرب؟ أميل إلى افتراض وجود اتفاق سري بين روسيا وأميركا، ولا أريد هنا أن أشرح ما قد يحتوي هذا الاتفاق من بنود، وسأترك ذلك للمستقبل الذي قد يكشفه لنا. وتأكيداً على هذا الاتفاق، أود أن أذكر ما قاله دونالد ترامب الرئيس المنتخب أمس، وهذا ما قال: "الرئيس السوري بشار الأسد رحل بعدما فقد دعم حليفته روسيا التي فقدت اهتمامها بسوريا"
سقوط القلاع أمر طبيعي، فإذا سقطت آخر قلاع المقاومة العربية فإن العرب سيبقون وقد تنشأ قلاع جديدة، والقضية الفلسطينية لا يمكن أن تمحى بأي قوة قاهرة في العالم لأنها قضية حق والحق لا يفنى.