ماذا تعني الوظيفة الثابتة وما هي انعكاساتها النفسية على الفرد ومنظومة الأسرة ومن خلال الإجابة على هذا السؤال بكل موضوعية وشفافية تكمنُ في تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي والمعيشي والذهني سواء على مستوى الفرد أو على مستوى منظومة الأسرة التي هي النواة الحقيقية التي يتشكّل منها المجتمع العماني، ومن هنا تكمنُ أهمية الوظيفة الثابتة كثمرة استقرار وأمان نفسي كحق لكل مواطن عماني يعيش على هذه الأرض المعطاء الطيبة كفلته له القوانين والتشريعات، ولا سيّما رغم أنّ الوطن بتلك الفترة الزمنية الصعبة تعرّض لأعتى عاصفة اقتصادية في نهضته الحديثة الثانية، ولكن ومع خطورة تلك العاصفة الاقتصادية وقسوتها على الاقتصاد العماني، وكافة الملفات الشائكة بتلك الفترة الزمنية، فكانت التوجيهات السامية رغم سوداوية تلك الفترة الزمنية الصعبة للأب الحنون الحكيم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه - من خلال إطلاق مبادرة" ساهم" التي تهدف في مضمونها وإستراتيجياتها وعملياتها إلى تسريع وضع حلول عملية للقضية الباحثين عن عمل، من خلال خفض نسب الباحثين عن عمل وتعزيز فرص التوظيف، وكذلك بالوقت نفسه بهدف تشجيع الباحثين عن عمل في استثمار طاقاتهم المتمثلة في "مهاراتهم، وقدراتهم، وخبراتهم" وتسخيرها للوطن وذلك من خلال توفير فرص عمل مؤقتة في الجهات الحكومية ؛ مما يهدف هذا البرنامج كما أكد عليه معالي وزير العمل في تصريح له "إلى تعزيز مهاراتهم العملية وإضافة كخبرة قيّمة إلى ملفاتهم الشخصية، ممّا يُعزز من فرصهم في سوق العمل ويمنحهم ميزة تنافسية مميزة".
ومن خلال ما سبق نوضّح بشكل مبسط بأن مبادرة "ساهم" في الأصلِ تُساهم في توفير فرص عمل مؤقتة لمدة عامين في الجهات الحكومية للفئات المستهدفة على أن يتم تحديد الأجور الشهرية بناءً على مستوى الشهادات للفئات المستهدفة، كما يشمل البرنامج كما أكد معالي وزير العمل "توفير فرص لاكتساب الخبرات، والمهارات مع تأمين صحي، إلى جانب برنامج تعريفي يهدف لتطوير المهارات الشخصية والمهنية؛ حيث يتم إبرام عقد عمل مؤقت بين الجهة الحكومية والمستفيد لضمان حفظ حقوق الطرفين خلال فترة العمل".
ومن خلال ذلك نستشف من توجيهات القائد رمز الوطن - حفظه الله ورعاه- قيمة السعي الجاد في حلحلة قضية الباحثين رغم مفصليّة تلك المرحلة القاسية ماليًا بين مطرقة معالجة التراكمات السابقة المتمثلة في ثالوث الدين العام والمشهد الاجتماعي المتأزم، والقوة الشرائية الضعيفة وغيرها من التحديات، وسندان السعي في أيجاد بيئة اقتصاد متنوعة للمعالجة والتقدم نحو المستقبل، مما كان الكل في عمان يُدرك حينها حجم معاناة الإرهاصات المالية الخانقة بتلك الفترة ورغم ذلك كانت التوجيهات السامية للأب الحنون الحكيم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- كأولية وطنية في تخفيض معدلات نسب الباحثين عن العمل، وبالتالي تقليل أعدادهم حتى لا تكون هناك أعداد تراكمية بصورة لا يمكن بعد ذلك معالجتها، علاوةُ على ذلك مثل هذه المبادرات الوطنية تنصّب بتوظيف أبناء الوطن في القطاعين الحكومي والخاص وهذا في حد ذاته يُحسب لوزارة العمل في تبني أفكار خارج الصندوق في ظل أزمة اقتصادية خانقة، كمؤشر قوي جدًا يجعلنا وبقوة نناشد لهؤلاء الشباب المنتمين لمبادرة ساهم وغيرها من المبادرات في تثبيتهم بدرجات مالية ثابتة في ظل تنفّس الميزانية العامة الصعداء بعد قوة العاصفة ولاسيّما من ناحية منطقية وهم في فوهة العاصفة الاقتصادية الخانقة ونحنُ لم نتركهم ! فإذن السؤال الذي يفرض نفسه كيف نتركهم بدون تثبيت بعد أن هدأت العاصفة؟ ! ولا سيّما هؤلاء الشباب يدّ الزمن تسرق عمرهم مع التقدم في العمر من محطة تلو محطة أخرى، حيث تبدأ السنين بالانسراب من بين أيديهم وهي كنتيجة أنّ السنين التي خلفهم أكثر من السنين التي أمامهم، وبذلك يُشكّل عامل الزمن وجريانه منهم كابوسًا مرعبًا في ظل تصاعد أعداد الباحثين عن عمل في مختلف التخصصات لكونهم لا يريدوا أن يدفعوا الثمن مرتين وهذا من المبررات المنطقية في جوف مطلب التثبيت ؛ حيثُ إنهم عندما حصلوا على الوظيفة ولو بعقد، لم يحصلوا عليها من فراغ وإنما من منافسة وفق الشروط المتاحة في وسائل الإعلام، وكذلك من أهم العوامل التي تدعم مطلب تثبيت موظفو مبادرة ساهم حيثُ أنها ليست مبادرة "تدريب" وهذا ما أكد عليه معالي وزير العمل في مؤتمر صحفي بعد عام ونصف من إطلاقها وإنما هي مبادرة توظيف والعقود التي تم التوقيع عليها عقود عمل مؤقتة محددة المدة بسنتين وليست عقود تدريب، وكما كذلك يدعم مبرر مطلب التثبيت عملية اختيار الموظفين جاءت بنفس مراحل اختيار الموظفين بالدرجات المالية من خلال إعلان الشواغر بملحق الوظائف ثم فرز المقبولين ( بالأقدمية ، والعمر )،ثم اجتياز الاختبار ( الأعلى درجة ثم الأعلى سنًا)، ثم فحوصات طبية، وبعدها الموافقة الأمنية، وإجتياز المقابلات الشخصية وبعدها مباشرة عمل، وكذلك ما يدعم مطلب التثبيت أن هناك الكثير من الملتحقين في المبادرة هم فئات من المسرحين من العمل، ومن موظفو من القطاع الخاص برواتب مجزية كانوا ولكن رغبةً للاستقرار والاستدامة وخوفًا من شبح التسريح غامروا في ذلك، وكذلك ما يدعم مبرر التثبيت بعضهم توفقوا في هذا العقد بعد أن كانوا باحثين عن عمل وشارفت أعمارهم على ٣٥ سنة وأكثر هم معيلون لأسر، ومما في ذلك مبررات مطلب التثبيت والتي جميعها تتوافق مع لغة المنطق والواقع تقودنا ذلك كي يتولّد منها سؤال على شكل هاجس مؤلم لماذا خط عودة لموظفو ساهم في مربع المعاناة الأول كم كانوا ؟ في ظلِ التوجيهات السامية في حلحلة قضية الباحثين عن عمل، ورؤية عمان 2040م، والمجتمع، ومجالس الدولة والإعلام والمفكرين والأدباء والحديث في المجالس وبيانات أعضاء مجلس الشورى كلّها تنصب في نهر التقليل من أعداد الباحثين عن عمل، ومن ذلك يكمنُ مطلب شعبي كبير في تثبيتهم حتى لا تتصاعد الأرقام في الوقت الذي فيه الجميع وقد بحت أصواتهم وهم يؤكدوا منذ فترة طويلة بتقليص أعداد الباحثين عن عمل كقضية مفترق طرق، وعليهِ بلغة المنطق والواقع والمخرجات التعليمية عدم تثبيتهم يعني زيادة أعداد الباحثين عن عمل بصورة كارثية وهذا لا يتناسب مع التطلعات والرؤى المستقبلية للوطن، وتوجيهات جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في أن تكون قضية الباحثين عن عمل من الأولويات الوطنية الكبرى داخل الوطن، لكون عدم التثبيت ونحنُ نستبعد ذلك حيثُ ذلك لا يتناسب وفق الأهداف في ظلِ هؤلاء من أبناء الوطن، وبالتالي مراعاة ظروفهم واحتياجاتهم ومتطلباتهم وديونهم وأحلامهم مسؤولية وطنية كبرى على الجهات المعنية.