النجاحات الأمريكية في الشرق الأوسط تنتج المشكلات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/مايو/٢٠١٦ ٠٥:٤٢ ص
النجاحات الأمريكية  في الشرق الأوسط تنتج المشكلات

فريد زكريا

العراق ينهار كدولة، وتفجيرات الأسبوع الفائت في بغداد، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 90 شخصا، هي مجرد رسائل تذكير أخرى بأن هذا المكان لا يزال غير مستقر وعنيف بشكل عميق. وهناك درس لابد من استخلاصه من هذا الأمر، درس لا يزال كثير من الناس في واشنطن يقاومونه.

في ظل انحدار العراق نحو الأسفل، سارع صناع القرار بتقديم النصح والمشورة. وقد جادل صقور معمرون، مثل السيناتور جون ماكين، بأنه لو قامت فقط إدارة الرئيس أوباما بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة لكانت المنطقة أكثر استقرارا. ويقول آخرون إننا بحاجة إلى المزيد من الدبلوماسيين والمستشارين السياسيين الذين يستطيعون دعم الجهود العسكرية. ولا يزال آخرون يطلبون منا التركيز على الزعماء العراقيين وحثهم على أن يكونوا أكثر شمولا.

ربما يجدر بنا ترك العراق والنظر إلى بلد آخر تتورط فيه الولايات المتحدة. فقد ظلت الولايات المتحدة متداخلة في أفغانستان عسكريا وسياسيا واقتصاديا على مدى خمسة عشر عاما. وكان هناك الكثير من الزيادة في القوات. وقد أنفقت الولايات المتحدة هناك أكثر من تريليون دولار على الحرب، حسب بعض التقديرات، ولا تزال تدفع جزءا كبيرا من ميزانية وزارة الدفاع الأفغانية. وأفغانستان بها حكومة وحدة وطنية منتخبة.
وفي أكتوبر الفائت، خلصت الأمم المتحدة إلى أن التمرد قد انتشر إلى المزيد من الأماكن في البلاد أكثر من أية مرحلة منذ العام 2001. وقد ذكرت دانييلي مويلان في صحيفة «نيويورك تايمز» أن طالبان تسيطر الآن أو تتنافس على جميع ولاية هلمند باستثناء ثلاث مناطق فقط، وقالت إن 36000 من رجال الشرطة – أي ما يقرب من ربع قوة الشرطة – يعتقد أنهم فروا من صفوف الشرطة العام الفائت. وفي الشهر الفائت، اخترقت طالبان العاصمة كابول نفسها، حيث هاجمت مبنى تديره مديرية الأمن الوطني، وهو مسؤول عن معظم الأمن في العاصمة، كما ذكر ديكستر فيلكنرز في مجلة «نيويوركر».
ويجادل البعض بأن خمسة عشر عاما ليست كافية، ويشيرون إلى أن كوريا الجنوبية وألمانيا ويقولون إن الولايات المتحدة يجب أن تظل قوية وصلبة. وأنا لا أعارض وجود الولايات المتحدة على المدى الطويل في أفغانستان، وبخاصة أن أفغانستان قد انتخبت حكومة يبدو أنها تريدها. ولكن التشبيه هنا في غير محله. ففي كل من ألمانيا وكوريا الجنوبية، ظلت القوات الأمريكية هناك لردع تهديد خارجي، ولم تكن مشاركة في معارك لا تنتهي داخل أي من البلدين لمساعدة الحكومة على السيطرة على شعبها. ولكن التشبيه الأنسب هو حالة فيتنام. لقد قيل الكثير في الآونة الأخيرة عن مقابلتين حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة، واحدة مع الرئيس أوباما والثانية مع أحد أقرب مساعديه وهو بن رودس. وقد وُصف كلا الرجلين بالعجرفة وخدمة المصالح الذاتية والازدراء لمؤسسة السياسة الخارجية. بالتأكيد، كما هو شأن معظم الإدارات، سعى أوباما ورودس إلى تقديم أعمالهما في ضوء إيجابي. لذلك فإن أوباما يهنئ نفسه على تراجعه عن حافة التدخل العسكري في سوريا، ولكنه لا يتطرق إلى حقيقة أن خطابه الطائش – عن مصير بشار الأسد والخطوط الحمراء – هو الذي دفع واشنطن إلى تلك الحافة في المقام الأول.
ولكن عن أهم قضية جوهرية، أوباما محق ومنتقدوه مخطئون. إن الدرس الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية من الخمسة عشر عاما الفائتة هو أنه من الأسهل كثيرا هزيمة عدو عسكري في منطقة الشرق الأوسط الكبير من إقامة نظام سياسي في تلك الأرض المضطربة.
وتظل التعويذة السائدة في واشنطن أن أوباما قد «أفرط في تعلم» الدروس من العراق. ولكن الدروس لا تأتي فقط من العراق. ففي العراق وأفغانستان وليبيا، استغرق الأمر بضعة أسابيع للإطاحة بالأنظمة القديمة. وبعد ذلك بسنوات، وعلى الرغم من مناهج التعامل المختلفة، لا جميع تلك الدول في حالة من الفوضى. فهل يمكن لأي أحد أن يزعم جادا أن بضعة قوات أخرى، أو حتى استراتيجية مختلفة قليل، من شأنها أنها كان يمكن أن ترسي الاستقرار والسلام؟
إن سياسة إدارة أوباما تحاول محاربة تنظيم داعش ولكنها لا تزال تبتعد عن أي شيء من شأنه أن يقودها إلى احتلال الأراضي في المنطقة والسيطرة عليها. وما يقلقني أن الولايات المتحدة تنحرف نحو مشاركة أكثر مما ينبغي، وهو ما يترك لواشنطن المسؤولية واللوم، ولكني أفهم التوازن الذي تحاول الإدارة تحقيقه.

كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست».