حاوره : حمود العبري
علم الفلك علم ضارب في أعماق التاريخ منذ نشوء الحضارات البشرية في مختلف أقطار الأرض بين حضارات بلاد الرافدين والفراعنة واليونان والرومان والحضارة الإسلامية وغيرها.
وقد اهتمت تلك الحضارات بهذا العلم اهتماماً لا محدود، والمتتبع لتاريخ تلك الحضارات يلاحظ أن استخدام هذا العلم ينعكس تماماً على الطبيعة الجغرافية التي قامت فيها تلك الحضارات، حيث استخدمت الشمس والقمر في الطقوس الدينية في بعض الحضارات وهناك من استخدمها كدليل في السفر والترحال والبعض الآخر في معرفة أوقات المناسبات الدينية وغيرها من الاستخدامات، والإنسان العُماني ليس ببعيد عن ذلك الفضاء الفسيح الرحب حيث تغنى الشعراء بالنجوم واهتدى أسود ماجد بالنجوم في عباب البحار والمحيطات لتصل الإمبراطورية العُمانية إلى الصين وبلاد السند وغيرها من البلدان وعرف العُمانيون بعض النجوم التي تؤذن ببداية فصل جديد من الزراعة لينهل من خيرات هذا البلد الذي حباه الله بنعم كثيرة.
فما هو السر الذي يحمله هذا العلم حتى يحظى باهتمام كل الحضارات القديمة؟ ولماذا يتم الاهتمام بهذا العلم في الوقت الحالي وتصرف له مبالغ طائلة بالدول الغربية من أجل تطويره؟ وكيف استفاد العُماني من هذا العلم؟ وما هو دور الجمعية الفلكية العُمانية في تطوير علم الفلك؟
ولنبحر أكثر في هذه المواضيع نجري الحوار التالي مع رئيس الجمعية الفلكية العُمانية د. صالح بن سعيد الشيذاني.
حدثنا عن أهمية علم الفلك وكيف استفادت الحضارات القديمة والعُمانيون من هذا العلم؟
يعتبر علم الفلك من أقدم العلوم الإنسانية التي عرفها الإنسان منذ القدم، نتيجة التقارب بينه وبين الطبيعة والاعتماد على علم الفلك يعد نموذجا لصلة الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها والقبة السماوية تمثل مسرحا مفتوحا للتأمل والتفكر في إبداع الخالق، فهذا المسرح شد انتباه الإنسان منذ القدم مما جعله يتفكر في النجوم والأجرام السماوية، فبعض الحضارات القديمة شبهت بروج تلك الأجرام السماوية ببعض المخلوقات والبعض الآخر أخذها من الجانب الأدبي كالشعراء وهناك من ألّف أساطير تعكس بيئة الإنسان ومحيطه واعتقاداته، أما بالنسبة للعمانيين فقد اطلقوا على الأجرام السماوية مسميات مختلفة وبعضها مشتركة مع الدول الإقليمية وهناك مسميات خاصة مثل السوابع والنعش والميازين ولقمان والناقة غيرها، وقد استعار العماني صورا تشبيهية فلكية في الشعر والأدب وأيضا استدل بالنجوم في السفر في البحر والبر، كما استخدم نجم القطب (الجاه) وعددا من الأجرام السماوية في تحديد الاتجاهات وأيضا في معرفة أحوال الطقس حيث إذا لوحظ أن تلألؤ النجوم متزايد فهو يشر إلى وجود حالة جوية غير مستقرة بطبقات الجو العليا مما ينذر بقرب هبوب عاصفة أو اقتراب منخفض أو إعصار مما يحتم سرعة الرجوع للشاطئ.
بالإضافة إلى استخدام طلوع أو غروب عدد من النجوم لتأريخ مواسم الزراعية من غرس وحصاد لمختلف النباتات في مختلف ولايات السلطنة.
وكآلية لتقسيم حصص الأفلاج تستخدم الساعة الشمسية (تدعى محليا باللمد أو الخشبة أو الحضار أو المحاضرة) بالنهار ويستدل ليلا بمواقع النجوم الظاهرية لمعرفة الوقت وتوزيع الحصص.
كيف استفاد علم الفلك من تطور العلوم الأخرى والتكنولوجيا الحديثة؟
استفاد علم الفلك من تطور العلوم المختلفة والتقنية الجديدة استفادة لا محدودة، وأول تلك التقنيات هي تقنية استخدام المنظار حيث استخدمه لأول مرة جاليليو قبل 400 سنة فرأى عن كثب سطح القمر واكتشف فوهات الارتطام به وأيضا استخدم في دراسة الشمس واكتشف دورانها حول نفسها عكس ما كان يعتقد، وتغيرت النظرة إلى الكواكب مثل الزهرة والمشتري والمريخ وزحل بشكل جذري من تلك اللحظة نتيجة استخدام هذه التقنية الحيوية.
وتم إطلاق عدد من المناظير إلى الفضاء وهي ذات تقنية متطورة جدا، وهناك تقنية المطياف وآلات التصوير الحساسة التي ساهمت في التقاط صور ذات جودة عالية جدا، وهناك العديد من التقنيات التي استفاد منها هذا العلم حيث ساهمت بشكل كبير في فهم علم الفلك بشكل أدق، فهناك مراصد متخصصة راديوية وأخرى ترصد بالأشعة تحت الحمراء وأخرى بالموجات فوق البنفسجية وأخرى بالأشعة السينية وأخرى ترصد وتتبع مختلف الظواهر الفلكية بدقة وهناك تقنيات حوسبة متقدمة تحاكي مراحل نشأة الكون وتطوره مع الوقت.
وبالتالي تنوعت التقنيات المستخدمة في هذا العلم مثل مراد موجات الثقالة ومراصد الجسيمات الدقيقة جدا مثل النيوترينو والجسيمات ذات الطاقة العالية جدا. وبالمثل فقد أفاد علم الفلك بشكل تكاملي بجوانب كثيرة مثل رصد طقس الفضاء وتحقيق دقة عالية جدا بالمهمات الفضائية وتطوير تقنيات جديدة لتصل إلى الأسواق الاعتيادية بعد حين من الزمن.
كيف جاءت فكرة إنشاء
الجمعية الفلكية العُمانية؟
جاءت الفكرة لإنشاء هذه الجمعية نتيجة عدة أسباب ومن أهمها عدم وجود مظلة تجمع الباحثين والمهتمين بعلم الفلك في السلطنة وكانت هناك حاجة ملحة لوجود بيئة حاضنة لهم لتبادل الخبرات والمهارات بين جميع المهتمين وبشكل منظم وأيضا كانت هناك مشاريع بحثية تتطلب وجود عدد كبير جدا من الباحثين الفلكيين حتى يتم إنجازها، بالإضافة إلى وجود عدد من هواة علم الفلك يعملون بشكل فردي في السابق، أما الآن فالجمعية تسعى بشكل متواصل على جمع شمل الباحثين والمختصين والمهتمين تحت سقف واحد مما أدى لزيادة عدد الأعضاء وساهم ذلك في إتاحة الفرصة للجمعية للمشاركة في الفعاليات الداخلية والخارجية.
ما هي الأهداف التي تسعى الجمعية إلى تحقيقها؟
هناك ستة أهداف تسعى الجمعية إلى تحقيقها منذ إشهارها العام 2008. أول هدف هو جمع الباحثين والمختصين والمهتمين بعلم الفلك تحت منظومة واحدة، وثانيا إيجاد بيئة حاضنة لهم وتعمل على تقديم برامج تأهيلية وتدريبية إسهاما في تنمية قدراتهم وتوسعة معارفهم بهذا العلم، وتشمل الأهداف توثيق الموروث الفلكي العماني لتستفيد منه الأجيال المقبلة، وكذلك تشمل إنشاء مراصد فلكية في السلطنة ولله الحمد تم تحقيق أغلب هذه الأهداف، والآن الجمعية في صدد إعداد خطة استراتيجية للجمعية حتى العام 2040 تضم أهدافا قصير المدى وطويلة المدى.
ما شروط العضوية للانضمام
إلى الجمعية؟
شروط العضوية لا تختلف عن الشروط التي وضعتها وزارة التنمية الاجتماعية، ولكن هناك تسهيلات عدة نقدمها لكل من يود الانضمام إلى الجمعية منها عدم اشتراط مستوى علمي عال أو الحصول على شهادات عليا، فمن يجد لديه الاهتمام بعلم الفلك أو الفضاء ولديه الرغبة بالانضمام إلى الجمعية فمرحبا به.