أزمة الدواء في مصر تحتاج علاج بعد أن تفاقمت مؤخرا بين النقص الشديد في الأدوية بكل أنواعها وبين الارتفاع الجنوني للأسعار التي تتضاعف يوميا وبين معاناة المرضي وأسرهم بل وبين معاناة الأطباء أيضا في البحث عن البدائل أو استخدام الاسم العلمي للأدوية ، وبين عجز وزارة الصحة والسكان ونقابتي الأطباء والصيادلة عن نشر ثقافة الاستخدام العلمي للأدوية بدلاً من الاسم التجاري، للتصدي لأزمة نقص الأدوية التي تتصاعد ، وبين إصرار شركات الأدوية على وقف الإنتاج أو الإحجام عن تصنيع عدد من الأدوية الاستراتيجية في السوق، وفرض الأمر الواقع ، تجنبًا للخسائر المالية، بسبب بُطء آلية زيادة أسعار الأدوية التي أقرتها الحكومة ،حيث يخضع تسعير الدواء لقاعدة "المرجعية الخارجية" أي الاسترشاد بسعر الدواء في مجموعة من البلدان الأخرى وهو الأمر الذي يحتاج إلى وصفات طبية وإدارية لعلاج الأزمة أو على الأقل الحد من آثارها ،في ظل تقلبات سعر الصرف واضطراب سلاسل الإمداد،واقترحت الحكومة وصف العلاج بالاسم العلمي بدلا من الاسم التجاري للأدوية ، ومن هنا ظهرت مشكلة أزمة نواقص الأدوية طبقا لتبريرات الحكومة ،و طبقا لتصريحات الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، بنقابة الصيادلة الذي يقول إنّ كتابة الاسم العلمي للدواء وليس التجاري سيعمل على حل أزمة نقص الأدوية بنسبة تصل إلى 70%، لأنّ أزمة الأدوية في مصر ليست جميعها بسبب نقص الأدوية، لكن البعض منها كان أزمة ثقافة، ولكن بعض الأصناف ناقصة في الأسواق ، مع زيادة حجم الأدوية المنتهية الصلاحية، الأمر الذي يفاقم من الأزمة ، لذلك يتم التنسيق مع نقابة الأطباء، لاستخدام الاسم العلمي للأدوية أملا في التغلب على الأزمة و لتسهيل المهمة على المواطنين في العثور على الأدوية الناقصة ،وتحسبا من استغلال بعض منعدمي الضمير للأزمة بإعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية وإعادة بيعها للمرضي ما يزيدهم مرضا ، فقد اُتخذت بعض إجراءات لسحبها من الصيدليات ولكنها تتطلب وضع آليات أكثر دقة وصرامة وانضباطا ضد الشركات المصنعة التي تماطل أو تتهرب من سحب الأدوية المنتهية الصلاحية للتخلص منها حماية لصحة المجتمع، وعلى خط متواز هناك ضرورة لتكثيف الرقابة على إنتاج الأدوية المغشوشة التي تنتشر وتروج في مثل هذه الأزمات استغلالا لحاجة المرضي الشديدة للأدوية في ظل النقص الحاد لأنواع مثل أدوية السكر والضغط والقلب، و بعض المضادات الحيوية وأدوية الغدة، والأمراض النفسية والعصبية، والأمراض المناعية، والهرمونات، وبعض أنواع الأنسولين، وبعض أدوية الأورام، التي يصاحبها زياد الطوابير في وسط القاهرة أمام صيدلية الإسعاف الشهيرة، التي يأتي لها المرضى من مختلف المحافظات البعيدة مثل مطروح و أسوان والإسكندرية، ويتكدسون منذ وقت الفجر أمام الصيدلية للحصول على الدواء الناقص،
لذلك فإن الأدوية بدلا من أن تعالج المرضى فإنها أصبحت هي المرض الذي بحاجة إلى العلاج الحقيقي ، خاصة أن احتياجات مصر من الدواء والمستلزمات الطبية بالعملة الصعبة تبلغ 250 مليون دولار شهريًا، وقد تزيد ، خاصة ،بعد أن ارتفعت تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة التي تمثل 90% من مكونات الأدوية المصنعة محليا،بسبب أسعار الشحن بعد أن تحولت التجارة الدولية من البحر الأحمر وقناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح بسبب هجمات الحوثيين على السفن التي تعبر باب المندب ، لذلك فإن أسعار الخامات الأولية زادت في الفترة الأخيرة بنسبة تقارب 55%، وأن هذه الزيادة لا تحقق أرباحا لشركات الأدوية، لأنها تريد تعويض فرق الخسائر ،خاصة أن المواد الخام تستورد بالدولار وليس بالجنيه المصري الذي يعاني من أزمة كبيرة أمام الدولار الذي فاقم كل الأسعار في مصر في السنوات الأخيرة، ومن هنا فإنه من غير المتوقع الانفراج القريب لخفض أسعار الأدوية ،بما يتناسب مع دخل المواطنين ولا سيما أصحاب المعاشات المتدنية وهم غالبية ،ولأن الأدوية مُسعرة جبريا من قبل الحكومة فإنها لا يمكن أن ترفض طلب شركات الأدوية برفع الأسعار لمواجهة خسائرها ، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تُترك الأدوية لقوى العرض والطلب باعتبارها سلعة استراتيجية ، ما يزيد من أزمة الدواء في مصر ويُعقد سُبل علاجها ، إذا لم تُفكر الحكومة في البحث عن مواد خام محلية لدعم صناعة الدواء، ومن الضروري أيضا أن تحافظ الشركات وهيئة للدواء المصرية على ثبات أسعار الأدوية المنتجة محليا، خاصة الشركات المحتكرة أو التابعة للحكومة التي عليها الإسراع في توطين صناعة الدواء
وخاصة أدوية الأمراض المزمنة ، وتعويضها في أسعار أدوية التجميل والمكملات الغذائية ، لأن رفع الأسعار لن يحل مشكلة نقص الدواء بل يزيدها تعقيدا، ولاسيما مع عجز نظام التأمين الصحي الشامل عن تغطية فقراء المرضى.