لندن - أ ف ب
فـــي الوقت الذي تتحضر فيه الأندية الكبرى في إنجلترا إلى تعزيز ميزانياتها الضخمة بفضل التوزيع الجديد لعائدات النقل التلفزيوني، غيّر ليستر سيتي المعادلة التقليدية وأكد أن الأموال لا تصنع الأبطال.
توج ليستر بطلا للدوري الممتاز للمرة الأولى في تاريخه رغم أن فريقه لم يكلفه أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني، في حين أن مانشستر يونايتد سيغيب عن دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل وجاره اللدود مانشستر سيتي سيضطر لخوض الملحق من أجل الوصول إلى دور المجموعات مع أن تكلفة فريقيهما وصلت معا إلى حوالي 800 مليون جنيه إسترليني.
“لقد ترعرعت وأنا مقتنع بأن الأندية الكبرى، التي تملك أكبر ميزانية، هي التي تفوز دائما”، هذا ما قاله لاعب وسط ليفربول السابق جايمي ريدناب الذي يعمل الآن محللا كرويا، مضيفا: “حتى بلاكبيرن، عندما فاز باللقب (العام 1995)، أنفق الكثير من الأموال وكان يملك أفضل اللاعبين. ما حصل (فوز ليستر) مختلف عما اختبرناه في السابق”.
والواقع أن لاعبين مثل جايمي فاردي (مليون جنيه) والجزائري رياض محرز (400 ألف جنيه) والفرنسي نجولو كانتي (6. 5 مليون جنيه) لم يكلفوا ما تنفقه الأندية الكبرى على لاعبي الفرق الرديفة، يؤكد أن ما حققه ليستر ليس بالشيء البسيط على الإطلاق، بل إنه إنجاز كبير أظهر فيه فريق المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري أن هناك سبيلا آخر للفوز ولا يتمحور حول الأموال.
وفي عصر تبحث فيه الفرق عن أسلوب يقربها من برشلونة الإسباني وطريقة الـ”تي كي تاكا” التي تعتمد على الاستحواذ والتمرير، غرّد فريق رانييري خارج السرب واعتمد الواقعية كمبدأ والحماس كسلاح من أجل التفوق على الآخرين دون أية مبالاة بالإحصائيات والأرقام التي يمكن أن تصلح لفريق ينافس على الأرجح لتجنب الهبوط إلى الدرجة الثانية وليس لفريق يتربع على الصدارة.
ليستر توج بطلا رغم أنه كان ثالث أسوأ فريق في الدوري من حيث نسبة الاستحواذ على الكرة (8. 44 بالمئة)، وثاني أسوأ فريق من حيث نسبة التمريرات الناجحة (5. 70 بالمئة)، لكن التاريخ لن يذكر هذه الأرقام بل سيسطر بالخط العريض أن فريق رانييري توج بطلا على حساب عمالقة بميزانيات هائلة مثل قطبي مانشستر وأقطاب لندن الثلاثة أرسنال وتوتنهام وتشيلسي بطل الموسم الفائت الذي خاض موسما للنسيان بعد أن اكتفى بالمركز العاشر رغم الأموال الطائلة التي أنفقها مالكه الروسي رومان ابراموفيتش.
وليستر ليس الفريق الوحيد الذي أثبت هذا الموسم أن المال والإنفاق غير الموجه لا يصنعان الأبطال، إذ إن توتنهام، الفريق الذي كان الأقرب لحرمانه من اللقب التاريخي، ليس بالفريق الغني الذي يهدر الأموال صعودا ونزولا ورغم ذلك كان منافسا شرسا قبل أن يسقط في المطبات خلال الأمتار الأخيرة ما تسبب بتنازله عن الوصافة لمصلحة جاره أرسنال في المرحلة الختامية.
وفريق العام الذي اختارته رابطة اللاعبين المحترفين يحكي القصة بأكملها إذ يضم أربعة لاعبين من ليستر وأربعة من توتنهام.
وباستثناء هاري كين، هداف الدوري الذي شق طريقه من الفرق العمرية لتوتنهام، فإن اللاعبين الثلاثة الآخرين في تشكيلة العام لم يكلفوا جميعهم فريق المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو ما دفعه مانشستر سيتي الصيف الفائت للتعاقد مع رحيم ستيرلينج من ليفربول (49 مليون جنيه).
وتضم تشكيلة العام لاعبا آخر لم يكلف فريقه سوى 7. 10 مليون جنيه بشخص الفرنسي ديميتري باييه الذي ألهم فريقه وست هام وساهم في قيادته إلى المركز السابع.
وفي المقابل، لم تكن الأموال الطائلة التي أنفقها مانشستر يونايتد على اللاعبين الجدد منذ قدوم المدرب الهولندي لويس فان جال (250 مليون جنيه) في صيف 2014، كافية لكي ينافس “الشياطين الحمر” على اللقب بل إنهم لم يتمكنوا حتى من حجز بطاقتهم إلى الدور الفاصل من دوري أبطال أوروبا، وهم موجودون حاليا في المركز السادس خلف ساوثامبتون مع مباراة في جعبتهم يخوضونها اليوم ضد بورنموث بعدما تأجلت بسبب وجود عبوة وهمية في مدرجات أولدترافورد.
وفي ظل هذا التقهقر وخيبة الغياب عن دوري الأبطال للمرة الثانية في المواسم الثلاثة الأخيرة، سيكون من الصعب على فان جال الاحتفاظ بمنصبه حتى لو تمكن من قيادة الفريق إلى الفوز في عطلة نهاية الأسبوع الجاري بلقب مسابقة الكأس المحلية على حساب كريستال بالاس.
ويبدو المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو الأوفر حظا لخلافة فان جال والانتقال إلى العدو اللدود لفريقه السابق تشيلسي الذي ودّع مدربه المؤقت الهولندي جوس هيدينك على أمل بدء حقبة جديدة بقيادة مدرب يوفنتوس السابق والمنتخب الإيطالي حاليا أنطونيو كونتي الذي سيستلم منصبه بعد نهائيات كأس أوروبا 2016.
ومن المرجح أن يشهد موسم 2016-2017 سباقا حاميا في سوق الانتقالات من أجل محاولة تعويض خيبة هذا الموسم، وهذا الأمر قد يتسبب في تجاوز ما حصل في موسم 2015-2016 الذي دوّن في السجلات بالنسبة للدوري الإنجليزي الممتاز لأن حجم الإنفاق في فترتي الانتقالات الصيفية والشتوية تجاوز حدود البليون يورو للمرة الأولى على الإطلاق وذلك بسبب طمع الأندية بالأموال التي ستدرها عليها عائدات النقل التلفزيوني في الموسم المقبل.
وكشفت شركة “ديلويت” للخدمات والاستشارات المالية أن الأندية الإنجليزية العشرين المشاركة في الدوري الممتاز تجاوزت مجتمعة حاجز البليون يورو خلال فترتي الانتقالات.
وقال دان جونز من مجموعة الأعمال الرياضية في “ديلويت”: لقد رأينا أن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز تستغل مجددا سوق انتقالات شهر يناير من أجل الاستثمار الكبير في المواهب، مشيرا عشية إقفال باب الانتقالات الشتوية في يناير الفائت إلى أن إجمالي الإنفاق لهذا الموسم تجاوز بليون جنيه إسترليني للمرة الأولى.
وحققت الأندية الإنجليزية رقما قياسيا خلال الصيف الفائت بعدما أنفقت 870 مليون جنيه إسترليني في سوق الانتقالات، أي بزيادة قدرها 4 بالمئة عن الرقم القياسي السابق الذي سجل في صيف 2014.
وبحصول شبكتي “سكاي” و”بي تي سبورت” على حق النقل المحلي لمباريات الدوري الممتاز مقابل مبلغ خيالي بلغ 15. 5 بليون جنيه إسترليني ومع توقيع عقد حق بث المباريات خارج بريطانيا، من المتوقع أن نشهد موسما قياسيا آخر من حيث الإنفاق سينضم إليه بيرنلي وميدلزبره والفائز من الدور الفاصل في دوري الدرجة الأولى وذلك على حساب أندية نيوكاسل يونايتد وأستون فيلا ونوريتش سيتي التي هبطت في نهاية الموسم.