تعد مشكلة الباحثين عن عمل بالوقت الراهن في ظل زيادة نسبة أعداد السكان، والتطور التقني، وارتفاع أعداد مخرجات التعليم بأعداد عالية تفوق حجم احتياجات سوق العمل، من المشكلات الأكثر تعقيدًا في غالبية دول العالم والتي مازالت تُعاني من هذه المشكلة المتشعّبة بفعل عوامل بشرية أو تقنية أو ادارية.
وقد تختلف عوامل وتبعات هذه المشكلة من بلد لأخر وفق عدد سكانه وطبيعة سماته، وحجم سوق العمل فيه، وحجم أعداد مخرجات التعليم فيه سنويًا، وهذا يقودنا لنتيجة مشتركة تكمنُ في مدى صعوبة هذه القضية في معطياتها وعملياتها واستراتيجياتها وأدواتها على كل حكومة، ومن هنا من طبيعي جدًا أن تكون هناك معاناة في حلحلة هذه القضية المعقّدة بحكم عوامل مختلفة في هذا الوطن العظيم بظلِ زيادة مخرجات التعليم بصورة كبيرة ويقابلهُ بمعطيات واقعية قطاع حكومي أقل ما يقال عنه قطاع متوسط الحجم بمنافذ محدودة مقياسًا بمخرجات التعليم سنويًا، وكذلك بالوقت نفسه التقاعد الجديد بألياته الحالية قد تُشكّل عبأ أضافي من خلال محدودية خروج موظفين من القطاع الحكومي، لكون التقاعد الجديد يُشجّع على بقاء الموظف الحكومي فترة طويلة من الزمن، وكذلك القطاع الخاص قطاع طفيلي يعتمد في مشاريعه على الحكومة حيثُ ليس بذلك القطاع المنتج بصورة حقيقية يمكن الاعتماد عليه والمتشعّب في توطين الصناعة في مختلف محافظات السلطنة حتى يستوعب سنويًا أعداد كبيرة من مخرجات التعليم، وبالوقت نفسه هناك تحدي أخر في ظلِ حجم المتغيرات المتسارعة في هذا العالم من خلال ضبابية علاقة التعليم بالتوظيف في كيفية ربط متطلبات المرحلة الراهنة لسوق العمل التي تحتاج الكثير من السمات الغير متوفّرة في المناهج الحالية، وكذلك تحدي مدى جودة مخرجات التعليم وما يتطلبهُ سوق العمل من مهارات، ولذلك جل تلك التحديات والإرهاصات تحتاج مزيد من التكاتف وفتح قنوات حوار بين رجالات التعليم وسوق العمل والمؤسسات الحكومية والتأهيل والتدريب والعمل على وضع استراتيجية واضحة المعالم في النهوض بمخرجات التعليم من خلال العمل على تطوير المناهج وأدوات القياس والتقويم وغيرها فيما يخص التعليم، وكذلك هناك تحدي لا يقل أهمية من خلال وضع خطط عملية في كيفية تنظيم سوق العمل والحد من سيطرة الوافدين في مختلف القطاعات بما يتناسب مع حجم المتغيرات العالمية، وكذلك تحدي توطين الصناعة كصناعات تحويلية في مختلف محافظات السلطنة، وعليهِ من خضم مخاض هذه التحديات تحتاج الحكومة المزيد من الوقت الكافي في علاج بنيّة الاقتصاد عبر بوابة تنظيم سوق العمل وتوطين الصناعة وإصلاح التعليم وبالوقت نفسه مخرجات التعليم في تدفق مستمر كسيلِ زاحف لا يمكن السيطرة عليه، ولذلك المتنفس الحقيقي للحكومة حاليًا هو الإحلال ولا سيّما بلغة الأرقام حيث بلغ عدد الوافدين الذين يعملون في مختلف القطاعات في سلطنة عمان في نهاية العام الماضي 1.4 مليون عامل و42.4 ألف منهم بالقطاع الحكومي و 1.4 مليون بالقطاع الخاص و334 ألف في القطاع العائلي. كذلك في بالوقت نفسه على ضوء تلك الأرقام دعونا نرصد قطاعات التشييد والصناعات التحويلية حيث بلغت لغة الأرقام وفق احصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في قطاع التشييد 483 ألف فرصة عمل يشغلها وافدون و181 ألف فرصة عمل في قطاع الصناعات التحويلية ونقيس على ذلك مع بقية الوظائف في قطاعات النفط والغاز وبالتالي على الحكومة أن تضخ أموال كبيرة أثناء التوجه لعملية الإحلال لكون هؤلاء الوافدين محدودي الرواتب وهذا لا يتناسب مع المستويات المعيشية في السلطنة وبالتالي عليها تعويض الفارق المالي بحيث لا يقل المجموع عن 600 ريال أقل تقدير تكون موزعة بين الشركة الي يعمل فيها هذا المواطن على أن تدفع الحكومة الفارق المادي وكذلك بإمكان الاستفادة من التجربة الامريكية من خلال تشجيع ريادة الاعمال عبر تقديم العديد من الحوافز للشركات الناشئة من خلال التمويل ودعم الابتكار، وكذلك بين فترة وأخرى فتح مجال للتقاعد بتقديم مميزات تشجع الموظفين للخروج للتقاعد.
وفي الختام لا بدّ من بحث عن حلول فعّالة في قضية الباحثين عن عمل لكون مخرجات التعليم في خط تصاعدي مخيف مع تراكمية المخرجات السابقة قد تُشكّل تحدي كبير قادم السنوات، ولذلك تبني مسارات مختلفة في حلحلة القضية حتى لا يكون هناك تبعات في التأثير عن وضع حلول جذريّة من خلال أن الباحث عن عمل مثل الطير الذي لا يوجد لديه أجنحة وبذلك يكون قد سلبنا عنه السماء بوضعهِ فترة طويلة بدون عمل