أخنطوت.. عادةٌ موسمية لرعاة الماشية بمحافظة ظفار.. تعرف عليها

سياحة و سفر الأحد ٢٢/سبتمبر/٢٠٢٤ ١٩:٥٤ م
أخنطوت.. عادةٌ موسمية لرعاة الماشية بمحافظة ظفار.. تعرف عليها

سدح - العُمانية

يتحرى سكان أرياف محافظة ظفار موسم الربيع "الصرب" الذي يشهد توفر الأعشاب والنباتات لسوق مواشيهم إلى مراعي السهول والجبال الخصبة بعد موسم الخريف الماطر.


ومع انقشاع ضباب الخريف تكشف سلاسل جبال وسهول محافظة ظفار عن وجه آخر من الجمال تكتسي معه معظم المناطق باللون الأخضر ليترقب الرعاة ومربو الماشية من سكان جبال المحافظة بدء الأنشطة الرعوية والزراعية التي ترافقها أجواء من الفنون والعادات المتوارثة.

ومن هذه العادات عادة "أخنطوت" لرعاة الماشية الذين يقطنون خارج نطاق المناطق المتأثرة بأمطار الخريف، إذ يقومون بنقل مواشيهم إلى أماكن نمو العشب في القطن والسهل "الجربيب".

ويتوافد مربو الماشية والرعاة بقطعان الإبل والأغنام إلى تلك المناطق عادة مع بداية شهر أغسطس، حيث يسوقون قطعانهم من أماكن قلة هطول المطر الواقعة في مناطق ظل المطر كسفح جبل سمحان " صلوت "، ومناطق النجد إلى منطقة الريف وخاصة الأطراف التي لا تتأثر بالأمطار الموسمية بشكل كبير لترعى فترة من الزمن قبل الانتقال الثاني الذي يسمى " الخطلة " عند رعاة الإبل و" أزهورت" عند رعاة الأغنام، وعادة ما يكون هذا الانتقال في أواخر شهر سبتمبر أو بداية أكتوبر مع انقشاع الضباب وتصلب التربة بعد ما كانت مشبعة بماء الأمطار واكتمال نمو الأعشاب والنباتات والأشجار التي تتغذى عليها الماشية .

وكان الرعاة قديمًا يسوقون ماشيتهم مشيًا على الأقدام مع أسرهم قاطعين عشرات الكيلومترات هربًا من حرارة الشمس وجدب المراعي حتى يصلوا إلى تخوم تأثير موسم الخريف ليحطوا الرحال مستخدمين الأماكن المنبسطة مبارك للإبل، والكهوف الطبيعية حظائر للأغنام، ولتبدأ عملية الرعي حول مائدة الخريف كل حسب الاتجاه الذي يليه، ثم يبدأ الانتقال التدريجي نحو مناطق العمق الخصيب.

وأثناء الإقامة الأولى في هذه المناطق يجتمع الأهالي في الليالي المقمرة في أماكن محددة تتوسط محل سكناهم للسمر والترويح عن النفس بعد عناء التنقل مرددين الأشعار ومؤدين صنوفًا من الفنون وبعض الألعاب التقليدية.

ويصف محمد بن أحمد المشيخي أحد رعاة الماشية، عملية الانتقال للرعي في مناطق الريف في عصرنا الحاضر بالسهلة نسبيًا؛ بسبب توفر وسائل النقل الحديثة، إذ أصبح رعاة الأغنام ينقلون ماشيتهم بواسطة شاحنات النقل خلال بضع ساعات، إلا أن رعاة الإبل مازالوا ينقلون إبلهم مشيًا على الأقدام لصعوبة عملية نقلها وتكلفتها المادية.

فيما يروي سعيد بن محمد زعبنوت من سكان منطقة حدبين تفاصيل انتقال الماشية قديمًا قائلاً: كان الرعاة القادمون من الشرق "صلوت" يستخدمون عدة ممرات ومنافذ عبر سلسلة جبل سمحان أهمها ممر "خارش أفيذوق" للإبل والأغنام وممر "شيرار وعنصود وأغبير" للأغنام فقط، وجميعها ممرات صعبة، بينما رعاة الإبل يسلكون طريق يسمى " أورم إنشيت" ويبدأ من أقصى الشرق "حدبين" باتجاه الغرب إلى منطقة " شعبون" ثم تتعدد المنافذ من هناك إلى الريف.

" أخنطوت " تبقى بمفرداتها المميزة شاهدةً على عراقة التقاليد الأصيلة وعمق الارتباط بين الإنسان وبيئته في أرياف ظفار والتنوع الغني للموروث في سلطنة عُمان، فعملية الانتقال بالمواشي بين ربوع الجبال والسهول التي تستغرق أيامًا وربما أسابيع تخضع لشروط احترام قوانين الرعي المتعارف عليها والحفاظ على البيئة وسط أجواءٍ من التعاون والتكاتف بين الرعاة ومربي الماشية، بالإضافة إلى ما تشهده هذه العادة الموسمية من إحياء للموروث الفني والثقافي في مساءات "أخنطوت" المحملة بقيم تناقلتها الأجيال عبر حقب تاريخية موغلة في القدم.