البيروقراطية ..الروتين ..الجباية والفساد ، الشبح الذي يهدد الاستثمار ويُعمّق جراح الاقتصادات الناشئة التي تعول عليه الدول لتنمية القطاع الخاص والاقتصاد بشكل عام، ومع ذلك لم تحرص بعض الدول على نجاح المستثمرين المحليين ،وترسيخ الثقة لديهم ،وتوفير حمايتهم من الضغوط التي تعكر مناخ الأعمال وتعوق تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يركز قبل اتخاذ القرار الاستثماري على مراقبة مدى نجاح واستقرار الاستمارات المحلية ، ومدى ما تحصل عليه من ضمانات تكفل للمستثمر الحصول على أكبر عائد استثماري ممكن ،ووجود آليات لتحويل الأرباح والعائدات السنوية للشركات والمؤسسات الأجنبية، وسبل فض المنازعات والتخارج، وما تحصل عليه من إعفاءات جمركية وضريبية ، و تحصين ضد المعوقات البيروقراطية و من فرض رسوم وجبايات للأموال تخلق البيئة الطاردة والمُنفرة ،والتي نراها في عدم استقرار قوانين الاستثمار، حيث يتفنن البعض في فرض الرسوم والضرائب تحت مسميات استثمارية تستخدم في مجالات بعيدة عن الاستثمار وهي في الواقع تسيئ للمستثمرين وللبيئة الاستثمارية ، لأنها وإن كانت مقننة تشريعيا وتضيف دخلا للدولة فقد صنعت من الفئات المهمشة مستثمرين في السجلات والمستندات- شكلا لا موضوعا - بعد أن يتحول بعض المستثمرين غير الجادين إلى متسولين أو باحثين عن عمل، أو لصوص ومهربين ومروجي مخدرات أو في أعمال مخلة للآداب ، ما قد تؤثر على الأمن المجتمعي ، وانتشار الفوضى والخلل الذي تفرضه على سوق العمل،
وتحدث الطامة الكبرى إذا انصب الاهتمام على التغني بالشعارات الجوفاء الخالية من المضمون من استخدام البطاقة الذهبية للمستثمرين إلى استثمر بسهولة أو استخدام المنافذ الواحدة والشباك الواحد والتي تتداول في المؤتمرات واللقاءات والندوات المحلية و الخارج ، فتصبح هذه الشعارات من أُولى معوقات الاستثمار،
ونجد الطامة الأسوأ إذا تقاعست أو غابت أو غُيبت أو تخلت أو قصرت أو أغفلت أو تغافلت أو جهلت أو تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة - التي يفتقد معظمها للكوادر الاقتصادية المتخصصة - عن أداء دورها الرقابي في كشف الفساد والمفسدين والتصدي لهم ،أو في التوعية والتثقيف والتحليل والتفسير للظواهر الاقتصادية والأوعية الادخارية والاستثمارية ، وبورصة الأوراق المالية وأسواق المال ، وإلقاء الضوء على الخطط والمشروعات الإنتاجية التي توفر فرص العمل الجديدة الأنسب والأصلح للمجتمع وللمستثمرين ، بالإضافة إلى قيامها بشرح وتفسير التشريعات والقوانين السائدة وأثرها على مستقبل الاستثمار، وكذلك إذا لم تتصدى وسائل الإعلام للمشاكل والمعوقات التي تفرضها العقلية الروتينية السائدة أو القيادات المسيطرة على المشهد الاقتصادي والاستثماري بحكم المنصب أو الوظيفة - وبما تُمثل من فساد في الإدارة - حيث يمنع الروتين والإجراءات البيروقراطية العقيمة المشاركة مع القطاع الخاص ،باعتباره شريكا أساسيا وجوهريا في المنظومة الاقتصادية ، وفي صياغة القرارات والتشريعات الاقتصادية المؤثرة في المناخ العام للاستثمار، وفي مواجهة تسلط الحكومات التي تُنصب من نفسها وصيا على المستثمرين ، وتغييرها المُستمر لضوابط وتشريعات الاستثمار، التي يفاجأ بها المستثمر ، أو من خلال فرض نوعيات من الأيد العاملة قد لا تتوافق مع متطلبات العمل واحتياجات المستثمر من حيث الأجور والتأهيل والثقافة والمهارة والخبرة، لآن قوانين الاستثمار يجب أن تكون أكثر استقرارا واستمرارا لإيجاد البيئة الاستثمارية الجاذبة ؛لأن المستثمر يخطط لمشروعه حسب دراسات جدوى محددة تضمن المكاسب وزياد رأس المال ، لكن القرارات المفاجئة تربك هذا المسار، ومن ثم تصبح السوق طاردة للاستثمار المحلي قبل الأجنبي ، لأنها لا تعطي للمستثمر حرية إدارة مشاريعه وأعماله وحرية التوظيف وفقا لآليات السوق بدون تحفظات، ومن غير أي تدخلات أو قيود ، لأن العقلية الروتينية تتحكم أيضا في منح التراخيص أو الموافقات الاستثمارية المحلية والأجنبية ، وتضع المتاريس في وجه المستثمر الجاد الذي يفضل الهروب من الوهلة الأولى إلى وجهات استثمارية أكثر استقرارا ونضجا في النظم والإجراءات ،أو أن ينخرط في طريق الرشاوي والفساد لتخليص الأعمال والموافقات الاستثمارية حتى يبدأ نشاطه الاستثماري،
وهذه ممارسات وسلوكيات سلبية لم يفطن لها الكثير أو تجهلها معظم الدول الناشئة رغم أهميتها في الدعاية و الترويج والتسويق لجذب المشروعات التنموية والاقتصادية ، لأنها مؤشر الثقة الذي يقيس عليه المستثمر اهدافه، قبل أن يبحث عن دراسات الجدوى الاقتصادية للنماذج المحددة للاستثمار الأجنبي المباشر الذي تسعى إليه استراتيجية الدولة لجذب الاستثمارات .