مسقط – لورا نصره
إن إنجاز بحجم دار الأوبرا السلطانية مسقط لا يمكن أن يمر مرور الكرام في التاريخ العماني الحديث، حيث إن إشادة مثل هذه المنارات الثقافية الرائدة لابد وأن يسجله التاريخ كمنعطف نوعي في مسيرة الأمة العمانية، يبدو أن هذا ما حاول معالي محمد بن الزبير قوله في كتابه الجديد.. «دار الأوبرا السلطانية مسقط» الذي دشن أمس الأول برعاية وزيرة التعليم العالي ورئيسة مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط معالي د.راوية بنت سعود البوسعيدية في بهو الاستقبال الرئيسي بمبنى الدار بحضور عدد من المسؤولين بالدولة.
ويلخص العنوان المباشر للكتاب (دار الأوبرا السلطانية مسقط) الدور الذي يقوم به في مسيرة إنشاء هذه الأيقونة الثقافية والحضارية الكبرى في العهد الزاهر للسلطنة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي يتزامن مع الذكرى الخامسة والأربعين للنهضة العمانية المباركة والعيد الوطني المجيد للسلطنة.
معالي د.البوسعيدية أكدت على أن أهمية الكتاب تكمن في دوره التوثيقي للمراحل التي مرت بها الدار خلال الخمسة عشر عاماً الفائتة منذ ولادة الفكرة في العام 2000 وصولاً إلى يومنا هذا، حيث يوثق الكتاب الفكرة والتصميم ومراحل الإنشاء والديكورات الداخلية والخارجية والتقنيات المستخدمة التي تعد الأحدث في العالم، وصولاً إلى العروض العالمية التي استضافتها الدار خلال السنوات القليلة الفائتة، كما أكدت د.راوية على أن الكتاب سيكون أحد وسائل الترويج للدار وللسلطنة بشكل عام من خلال تقديمه للوفود التي تزور السلطنة.
ويعرض الكتاب في صفحاته الـ 320 التصوير الفني والتعبير البصري العميق لمعالي محمد بن الزبير بالشكل الذي ينصف فيه واحدة من أحدث وأجمل دور الأوبرا في العالم، وقد استغرق إعداد هذا الكتاب حسب المؤلف ما يزيد على العامين ونصف من البحث والتوثيق بالتعاون مع عدد من الموسيقيين الأوبراليين وخبراء الهندسة المعمارية والتصميم من جامعة السلطان قابوس ودار الأوبرا السلطانية مسقط، كما صمم بالتعاون مع إحدى أشهر شركات التصميم الألمانية الرائدة، وطبع في مدينة فيرونا الإيطالية بنسختين كبيرة وصغيرة. يبدأ الكتاب بكلمة جلالة السلطان التي يتحدث فيها عن دور الدار كجسر للتواصل الثقافي والفني والحضاري بين عُمان والعالم، ومن ثم ينتقل إلى افتتاحية موجزة تحكي قصة عمان في التاريخ، يعقبها وصف لمسقط العامرة المدينة التي تحتضن بشغف أول دار للأوبرا في السلطنة، ومن ثم يأخذ الكتاب القارئ مباشرة إلى أروقة الدار ليصف مساء الثاني عشر من شهر أكتوبر من عام 2011م عندما تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- برعاية افتتاح الدار وبداية عصر جديد للحياة الثقافية والفنية في عهده الميمون.
بعد ذلك يعود الكتاب بالقارئ ليتتبع رحلة تشييد هذه المنارة الثقافية والفنية منذ أن كانت فكرة في مطلع الألفية الثالثة في عام 2000م وصولا إلى يومنا هذا الذي تقف فيه الدار شامخة تشع بأنوارها في القلب تماما من مسقط. وتتكشف لقارئ الكتاب حكاية سيرويها العمانيون لأبنائهم في المستقبل بكل فخر مع ملامح لآلية الدمج الحاصل بين العمارة العمانية والتقليدية والحداثة المعاصرة لمبنى دار الأوبرا السلطانية مسقط والمبادئ الصارمة التي تكمن وراء الجمال المهيب والأناقة اللافتة لهذا المبنى الفريد.
ومن خلال عرض الكتاب لمجموعة من المقالات القصيرة التصويرية لعدد من العروض التي استضافتها دار الأوبرا السلطانية مسقط على مدى السنوات الأربع الفائتة سيكون بإمكان القارئ اكتشاف ما يمكن أن ينتظره وراء هذه الجدران الهائلة من عروض أوبراليه ورقص الباليه والحفلات الموسيقية الراقية التي قدمت إلى مسقط من كافة أنحاء المعمورة. ويتطرق الكتاب كذلك إلى التطور التكنولوجي للدار عبر الوصف المترافق مع الصور التي تشرح كيف يمكن بضغطة زر واحدة أن تتحول المنصة الرئيسية للعرض إلى مسرح هائل إضافة إلى أقوال خاصة لأولئك الذين قاموا بتصميم وتركيب هذه الأسطورة التقنية.
وجاءت خاتمة الكتاب عبارة عن وعد من الدار لزوارها القادمين من خارج السلطنة وللأجيال الجديدة من العمانيين بأنهم سيكونون على موعد مع تجربة ترفيهية وثقافية وتعليمية عالمية المستوى إلى جانب كونها بوابة لفرص جديدة للعمل في حقل الفنون المسرحية والمهن المرتبطة بها. تجدر الإشارة إلى أن دار الأوبرا السلطانية مسقط هي مؤشر واضح لعمان الغد إلى جانب كونها البوابة العريضة التي تفتحها السلطنة للعالم حاملة رسالة السلام والسياسة الهادئة بلغة الموسيقى والفنون لتصل إلى البشرية جمعاء.