تحل اليوم الذكرى الرابعة والخمسون ليوم النهضة الخالدة، حيث تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في البلاد خلفًا لوالده. وبهذه المناسبة السعيدة يسعدني أن أقدم للقراء المقال التالي:
من الصعب علي وعلى كل من شهد هذا اليوم أن ينسى ويتجاهل ٢٣ يوليو ١٩٧٠م وقبل ذلك أمضيت نحو ثلاثين عامًا من حياتي في الظلام وحرم العمانيون من الكهرباء ومياه الشرب النظيفة والخدمات الصحية والتعليمية وسائر ضروريات الحياة. والسبب في هذا الوضع هو عدم وجود قاعدة مصدر دخل للبلاد، وعندما تم العثور على النفط وبدأ تصدير أول شحنة منه في يونيو ١٩٦٧، بدأت حركة إعادة إعمار البلاد ولو ببطء. تم تنفيذ مشروع توزيع مياه الشرب عبر الأنابيب في مسقط ومطرح، والبدء في إنشاء كورنيش مطرح. وتم إنشاء مدارس للجنسين في مسقط ومطرح. وللعلم فإن السلطان سعيد بن تيمور كان ضد فكرة الاقتراض من الخارج، وفي رأيي أنه كان على حق لأنه كيف يمكن أن يسدد القرض والسلطنة ليس لها دخل؟ وربما كان هذا أيضًا سببًا لسياسات أسلافه، حيث ظلت البلاد في حالة ركود حتى تم تأمين مصدر دخل الأصول الأجنبية، وهو النفط الخام. وفي تلك الحقبة كانت سلطنة مسقط وعمان الدولة الوحيدة في العالم التي لم يكن عليها أي ديون خارجية.
كنت في لندن في 23 يوليو 1970 مع سبعة آخرين من موظفي شركة تنمية نفط عمان لحضور دورة تعليمية مدتها 40 أسبوعًا. زارنا في الكلية ممثل شركة شل للبترول التي كانت مسؤولة عن إقامتنا في لندن ليطمئننا على أنه لا داعي للقلق بشأن ما حدث في مسقط وأن كل الأمور مستقرة هناك وتحت السيطرة الكاملة من الحكومة. يبدو أن شل قد قارنت التغيير في الحكم من الأب إلى الأبن، مع التغيير في البلدان الأخرى حيث تحدث عادة بعض الأحداث غير المرغوب فيها مثل الاضطرابات والقتل وغيرها من الأزمات. أو ربما تلقت طلبًا من الشركة في مسقط بأن يقوم أحد الأشخاص من شركة شيل بزيارتنا بغرض طمأنتنا على التغيير في الحكومة في مسقط. ولم يرد أحد منا أن يشير إليه أننا كنا ننتظر هذا اليوم منذ زمن طويل وبشوق شديد، وقد أتى اليوم والحمد الله. أنا متأكد من أنه فوجئ بأن أحداً منا لم يكن منزعجا مما حدث في مسقط ولكن بدلاً من ذلك لاحظ الابتسامات على وجوهنا.
أتمنى أن يكتب كل فرد من أبناء جيلي، حيث لا يزال هناك كثيرون على قيد الحياة، عن مكان وجودهم ورد فعلهم عندما سمعوا الأخبار. وفي تلك الفترة كان الكثير من العمانيين يعملون في دول الخليج، وبالنسبة لمن هم داخل البلاد، كيف وصلت إليهم أخبار التغيير؟ ولم تكن هناك وسائل إعلام مثل الإذاعة أو الصحف في البلاد. عرف يوم ٢٣ يوليو فيما بعد باسم «يوم النهضة»، وكان هذا اليوم بكل المقاييس، يوما مباركا انتقلت البلاد من عصر الظلام إلى عصر النور. ويذكر اسلوب الحياة الذي عاشه أهل مسقط وعمان، فتصبح هذه المعلومات تاريخاً لأجيال لم تشهد تلك الفترة المظلمة، وإذا كان هناك من كتب عن تلك الحقبة فلا ضرر في الكتابة، كما يختلف اسلوب الكتابة من شخص إلى آخر، وقد تذكر بعض الأمور التي لم يذكرها الآخرون، وقد لا تتمكن ذريتك من رؤية ما كتبه الآخرون عن الحياة التي عاشها أهل مسقط وعمان، لتبقى هذه المعلومات تاريخاً لأجيال لم تشهد تلك الفترة وما واجهه أجدادهم من مشقة ومضايقات. وعندما أزور المقبرة أرى قبوراً قديمة ربما دفن أصحابها قبل ١٥٠ أو ٢٠٠ عام، وأغلبها عبارة عن أكوام من التراب دون أسماء سكانها. وأتساءل من هم هؤلاء الموتى، لماذا لم يكتبوا شيئاً عن الفترة التي عاشوا فيها ومزاياها وعيوبها؟ لا تكن مثلهم، اكتب قليلاً عن البيئة التي عشت فيها. إننا لم نخلق لنعيش سنوات قليلة ثم نموت، وبعد فترة نصبح كأننا لم نحيا قط. هل هذه هي الحكمة من وجودنا؟ أنا لا أعتقد ذلك.
احتفلت السلطنة بعيدها الوطني في ٢٣ يوليو عامي ١٩٧١ و١٩٧٢ منذ أن تولي السلطان قابوس الحكم، طيب الله ثراه، خلفا لوالده. وفي السنة الأولى أقيم العرض العسكري صباحا في الوادي الكبير بروي حيث كانت المنطقة شبه صحراء، وفي العام الثاني على أرض المطار (القديم اليوم) بمنطقة بيت الفلج، ووفقت حضور كلتا المناسبتين. في وقت لاحق تم تحويل العيد الوطني إلى ١٨ نوفمبر بسبب الظروف الجوية الحارة في يوليو.
الشيء بشيء يذكر. لقد بعثت برقية تهنئة إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس من لندن، وقد استجاب لي بالشكر على تهنئتي لمقامه. ونشرت برقيته في كتابي (عمان ما قبل ١٩٧٠) الذي صدر عام ٢٠١٩. وعلق أحد القراء على الكتاب بما يلي، وكلامه مسجل في نهاية الكتاب: «الكتاب ممتع جدًا، استمتعت بقراءته كثيرًا. لقد تفاجأت كثيرًا عندما رأيت نسخًا من المستندات القديمة، كيف تمكنت من الاحتفاظ بها طوال هذه السنوات بكل تفاصيلها الدقيقة؟ عندما قرأت رد فعلك على برقية جلالة السلطان، أسعدني تعبيرك واحترامك له. وهذه البرقية هي كنز يجب الاحتفاظ به لأطفالك لأنني لا أعتقد أن الكثير من الناس كانوا محظوظين بما يكفي ليتم تكريمهم بها».
أنا متأكد من أنه لن ينسى أي عماني ولد قبل عام ١٩٧٠م هذا اليوم. سأستمر في الاحتفال به بشكل خاص طيلة حياتي. كيف لا أتذكر هذا اليوم عندما تحول الظلام الذي كنا نعيش فيه إلى نور للوطن والعمانيين.
ولا يقتصر الكتاب المذكور على أحداث ما قبل عام ١٩٧٠، كما قد يظن القارئ. بل هو مقسم إلى قسمين. يتحدث القسم الأول عن الإنجازات الحالية، أي الوضع الحالي بعد ٢٣ يوليو ١٩٧٠ في بضع صفحات، ويتحدث القسم الثاني عن ماضي عمان التاريخي في عدد متزايد من الصفحات. الكتاب باللغة الإنجليزية وقد كتبته خصيصاً لموظفي شركة تنمية نقط عمان والتي تقاعدت منها منذ ١٩٨٨. وفي رسالتي لمدير العام الشركة قلت: ولا شك أن الموظفين الجدد سيكونون سعداء للتعرف على نمط الحياة الذي عاشه العمانيون قبل عام ١٩٧٠م. ورد مدير عام الشركة على رسالتي بالقول: «إن اللمحة التاريخية التي أدرجتها عن الحياة في مسقط وعمان هي بالفعل مثيرة للاهتمام وبعيدة كل البعد عن واقع اليوم وعن التطور الاجتماعي والبنية الأساسية. ليس لدي أدنى شك في أن العديد من القراء والموظفين الجدد والعاملين الحاليين على حد سواء، سيجدونها مثيرة للاهتمام وتعليمية للغاية. وسوف أتواصل قريبًا مع مدير الشؤون الخارجية لدينا للحصول على توجيهاته لتقاسم الكتاب على نطاق أوسع. مرة أخرى، شكرا لك على كتابك». وتم تسليم نسخة من الكتاب إلى سفارات المملكة المتحدة والهند وإيران التي كانت لها قنصليات في مسقط قبل فترة 1970م ولم يرد علي سوى ممثل المملكة المتحدة سعادة السفير هامبشاير كويل عبر البريد الإلكتروني قائلاٍ: «شكرًا جزيلاً لك على الهدية اللطيفة المتمثلة في نسخة من كتابك (عمان ما قبل عام ١٩٧٠). إنني أتطلع بشدة إلى قراءته، فقد وصل في الوقت المناسب وإضافة مرحبا به في مكتبة السفارة بمناسبة احتفال سلطنة عمان بيومها الوطني الخمسين». وشكرت سعادة السفير على رده. وما يؤسفني بشدة هو عدم الاستجابة من أي مسؤول في العديد من الوزارات الذي أهديتهم نسخة من الكتاب باسم الوزير. أنا معتاد على هذا السلوك. أقوم بتسليم نسخ من كتبي إلى مكاتب بعض الوزراء العمانيين والوكلاء المتقاعدين والدكاترة والأطباء والمهندسين وغيرهم، ولا أتلقى حتى الشكر منهم. حاول أحدهم أن يشكرني على نسخة الكتاب التي أرسلتها الى مكتبه، لكنه ارسل رسالة عبر الواتساب إلى حفيدي، واسمه الأول هو نفس اسمي.
طيب الله ثرى السلطان قابوس بن سعيد.