العدالة والتجارة الحرة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/مايو/٢٠١٦ ٠١:١٥ ص
العدالة والتجارة الحرة

داني رودريك

يواجه نظام التجارة العالمي نقطة تحول مهمة في نهاية هذا العام، وهو التحول الذي تأجل عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية قبل نحو خمسة عشر عاما. ويتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يقررا الآن ما إذا كان عليهما أن يشرعا في التعامل مع الصين في سياساتهما التجارية باعتبارها "اقتصاد سوق". ولكن للأسف، مع تصاعد المعركة على مدار هذا العام، باتت شروط الاختيار الآن تضمن عدم حدوث أي شيء لمعالجة العيوب الأشد عمقا التي يعاني منها نظام التجارة العالمي.
سمحت اتفاقية انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، والتي وُقِّعَت في ديسمبر من عام 2001، لشركاء الصين التجاريين بالتعامل معها باعتبارها "اقتصاد غير سوقي" لفترة تمتد إلى خمسة عشر عاما. والواقع أن وضع الاقتصاد غير السوقي يَسَّر كثيرا للدول المستوردة فرض تعريفات خاصة على الصادرات الصينية، في هيئة رسوم مكافحة الإغراق. وبشكل خاص، كان بوسع هذه الدول أن تستخدم تكاليف الإنتاج في البلدان الأكثر تكلفة كوكيل للتكاليف الصينية الحقيقية، وبالتالي زيادة احتمال اكتشاف الإغراق وفرض الهامش التقديري للإغراق.
اليوم، وبرغم أن العديد من البلدان، مثل الأرجنتين والبرازيل وشيلي وكوريا الجنوبية، كافأت الصين بالفعل بوضع اقتصاد السوق، فإن أكبر كيانين اقتصاديين في العالم، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يفعلا ذلك. ولكن بصرف النظر عما إذا كانا يعتزمان هذا، فإن تدابير مكافحة الإغراق لا تتناسب مع مهمة معالجة المخاوف بشأن التجارة غير العادلة ــ ليس لأن مثل هذه المخاوف لا أساس لها، بل لأنها تذهب إلى ما هو أبعد من الإغراق. فتدابير مكافحة الإغراق تجعل من السهل تبني تدابير الحماية من أسوأ الأنواع، في حين لا تعود بأي فائدة على البلدان التي تحتاج إلى حيز سياسي شرعي.
الواقع أن خبراء الاقتصاد غير مغرمين على الإطلاق بقواعد مكافحة الإغراق التي تفرضها منظمة التجارة العالمية. فمن منظور اقتصادي بحت، لا يمثل التسعير بأقل من التكلفة مشكلة للاقتصاد المستورِد ما دامت الشركات المشارِكة في هذه الاستراتيجية لا تتوقع احتكار السوق إلا قليلا. ولهذا السبب تتطلب سياسات المنافسة المحلية عادة تقديم الدليل على الممارسات المنافية للمنافسة أو احتمال نجاح عملية الإغراق. ولكن في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية، يكفي التسعير بأقل من التكلفة من جانب المصدرين لفرض رسوم الاستيراد، حتى عندما تكون ممارسة تنافسية معتادة ــ كما يحدث خلال فترات الركود الاقتصادي.
كما تساهم اعتبارات إجرائية أخرى في جعل مكافحة الإغراق المسلك المفضل لدى الشركات للحصول على الحماية من الشركات الأجنبية المنافسة في الأوقات العصيبة. وتوظف منظمة التجارة العالمية آلية "وقائية" محددة تعمل على تمكين الدول من زيادة الرسوم الجمركية بشكل مؤقت عندما تتسبب الواردات في إلحاق "أضرار خطيرة" بالشركات المحلية. ولكن العقبات الإجرائية أعلى من التدابير الوقائية، ويتعين على الدول التي تستخدمها أن تعوض المصدرين المتضررين.
وتتحدث الأرقام عن نفسها. فمند إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، تم تفعيل أكثر من 3000 رسم لمكافحة الإغراق (وكانت الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأكثر استخداما لهذا الرسم). ولا يتجاوز الرقم المقابل للتدابير الوقائية 155 (وكانت البلدان النامية الأكثر استخداما لها). ومن الواضح أن مكافحة الإغراق تشكل العلاج التجاري المختار.
ولكن يتعين على نظام التجارة العالمية أن يعالج القضايا المتصلة بالعدالة، فضلا عن الكفاءة الاقتصادية. فعندما يكون لزاما على الشركات المحلية أن تتنافس، ولنقل مع الشركات الصينية المدعومة ماليا من قِبَل حكومة غنية بالموارد، تصبح أرضية الملعب مائلة على نحو يرى أغلب الناس أنه غير مقبول. وهناك أنماط معينة من الميزات التنافسية تعمل على تقويض شرعية التجارة الدولية، حتى عندما تعني ضمنا (كما هي الحال مع مثالنا هذا) فوائد تعود على الاقتصاد الكلي للدولة المستوردة. وعلى هذا فإن نظام مكافحة الإغراق يستند إلى منطق سياسي.
استاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية جون ف. كينيدي لعلوم الإدارة الحكومية