مقاربات لغوية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/مايو/٢٠١٦ ٠١:١٣ ص
مقاربات لغوية

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

تمنيت أن أجد مرجعا يتناول مقاربات اللغة التي نزل بها القرآن الكريم مع لغات يتحدث بها مئات الملايين من البشر، وبها تأثيرات لا تخفى على أهل الاختصاص، حيث تشارك المفردات في اللفظ والمعنى.. أو أحدهما، مع توضيح الوجوه الصرفية الدالة على تلك المقاربة إذ إن بعض الكلمات تأتي بتغييرات صرفية قليلة تغيّر ترتيب الحروف، أو تضيف إليها حرفا، كما لاحظت في اللغة السواحيلية، وهي أحدث اطلاعاتي على ألسنة كهذه.

المراجع قد تكون موجودة، ربما لم أهتد إليها بعد، وأرجع ذلك إلى تقصير النفس في البحث والاستقصاء، لكن في اللغة التي ذكرتها، وهي كما يقولون ليست لغة في الأصل، كونها جاءت نتيجة تلاقي تأثيرات المستعمرين والتجار الذين عبروا المكان قرنا إثر قرن، فتركوا مفرداتهم على ألسنة الناس، وهم يشبهون لغتهم في الأصل، تأسيسا وتأثرا.

لا يوجد لغة لم تتأثر بأخرى، فاللغات، وبرؤية شخصية قد تكون قاصرة، تشرب من منابع بعضها البعض، وتتطور مع جريان الزمن والبشر عليها، فالألسنة قابلة للانفتاح على العناصر اللغوية بما يمكنها من إعادة تشكيله أحيانا وفق التذوق النفسي للمجموعات البشرية، وأعني بالتذوق النفسي قابلية النفس للمفردات التي تأخذها، وتعيد صياغتها بحسب أسلوب النطق في اللغات قاطبة.

بعيدا عن التنظير في اللغات، والدخول في متاهة ليست هينة المسالك، شعرت خلال وجودي في بلدين بحضور اللغة العربية رغم عدم القبول بالحضور العربي فيهما كثيرا، إيران وزنجبار، وبين البلدين تباين حضاري عميق، بامتداد المسافات الفاصلة، جغرافيا وتاريخيا، لكن يكفي أن النظر إلى الحروف العربية في الكتابة الفارسية يمنحها عمقا نفسيا أخاذا يتجلى أحيانا في روعة الكتابة، مع الإشارة إلى أن بين الخطوط العربية المعروفة الخط الفارسي، وهو على درجة عالية من الجمال لما يمتاز به من رشاقة ومنحنيات حرفية تتسم بالحرفيّة الإبداعية كما أن الأمر لوحة فنية مدهشة.
في شوارع طهران أكاد ألتقط المعنى من بعض الكلمات دون معرفة باللغة، وهي مكتوبة على لافتات الشوارع، أقرأها بسلاسة لا تصل إلى إدراك الدلالة، أما اللغة السواحيلية فإن رنّتها الموسيقية تقارب الدلالة في كثير من الأحيان، لكنها تكتب باللغة الانجليزية، وهناك التركية أيضا في تأثرها الكبير باللسان العربي.
في زيارتي الأخيرة لزنجبار وجدت الأخ ناصر الرواحي يخلص لمشروعه في تعليم اللغة لأهل تلك الجزر، بخاصة الجزيرة الخضراء (بيمبا)، وكانت فكرة ذكية منه حينما وضع المفردات المشتركة في كتاب عنوانه يقارب بين تلك اللغة ولغة القرآن الكريم، ولم يسمّها العربية، تلافيا لحساسية قومية أو تاريخية، إذ ربطها بالمقدّس من التنزيل، وفاجأ السكان هناك، الأصليين أو من أصول عمانية، أن كثيرا مما يتحدثون به ضمن لغتهم (المحلية) قادم من منابع القرآن الكريم، ولا حاجة للقول إنه أنزل بلسان عربي مبين، وبعد أن كان الكتاب يدرّس كأوراق متناثرة تناسخت من بعضها البعض سيصدر في كتاب له أهميته بما يتضمنه من طريقة سهلة لاكتشاف تقارب هائل بين العربية، بتأثيرات أصحابها وهم يستقرون مئات السنين في الشرق الأفريقي، ولغة تكتسب موطنا لها، رغم أن البعض يقول إنها ليست بلغة ذات أصول.