نشرت الوسائل الإعلامية خبراً مفاده أن يحيى السنوار قائد حركة حماس قال في رسائله إلى الوسطاء وأعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج: "إنه مستعد للموت في القتال، حيث شبّه في رسالة حديثة الحرب قائلاً: علينا أن نمضي قدُماً على المسار نفسه الذي بدأناه أو فلتكن كربلاء جديدة".
المرء مخبؤ تحت لسانه فكلام المرء أشبة بالمرآة التي تعكس بعض سمات شخصيته وقد قال القدماء «تكلم حتى أراك لأنهم عرفوا أن كلام المرء في هيئته ونبرات صوته وحركات جسده وما يقوله من كلمات وتعبيرات وأراء تمكننا معرفة البيئة التي خرج منها ومستوى ثقافته والأفكار التي يعتنقها بواسطة الذخيرة الخطابية التي يتضمنها كلامه.
وقد بات واضحاً من الخطاب الاستراتيجي الذي ألقاه القائد يحيى السنوارأن هناك مفاجآت بحاجة إلى فهمها بعيداً عن التنظير التقليدي حيث إن وظيفة هذا الخطاب هو كسر إرادة الخصم باستخدام أدوات القوة من أجل تحقيق أهداف عسكرية والوصول إلى نصر حاسم.
ونحن نعرف أن هناك دوماً حركة ذهنية خفيّة بمبادئ وأولويات واضحة أو معتمة ، مضمرة أو معلنة تكون بمثابة الإطار المرجعي أو النموذج الموجه للقرارات الذي لا نستطيع النظر إلى الواقع بدونه ، بل حتى مسألة الإشكالات وطرق حلّها مرهونة بهذا الإطار المرجعي، مثلاً عندما نرى البعض يقول: إن سماع صرخات أطفال غزة والآلام التي يعانون منها هو دليل على انهزام أهل غزة، هذا التنظير جاء من حالة اليأس التي يعيشها البعض، فلم يكن أمامهم سوى تهميش الاستحقاقات المرجعية ، هنا ثمة سؤال يُطرح: ولكن لماذا يتم تهميش الاستحقاقات المرجعية ؟ كم هو مؤلم أن نبحث عن حلول لقضايا العصر بحيث أصبحنا لا نفكّر بذهنية الانتصار التي تحفّز مسارات الأفراد والجماعات على مستويي الهوية والجهاد التعبوي لتتجلى في نهاية المطاف مكانتها وقدرتها على الانطلاق نحو أهدافها، ولو تمعنا في نهضة الحسين بن علي سنجد أنها كانت سبباً في إيقاظ ضمائر الشعوب نحو مقاومة الظلم.
وهذه المقاومة تعزّز القدرة على جمع عناصر الهوية حتى لو كانت متنافرة وغير منسجمة قبل أن تعيد إنتاج تاريخ جديد للجماعات، وهذا الإنتاج وجدناه في خطاب يحيى السنوار عندما قارن مقاومة حماس ضدّ الاحتلال الصهيوني بمعركة كربلاء ، هذا الخطاب للقائد يحيى السنوار أعاد إلى أذهان الشعوب الانتصار الذي حققته النهضة الحسينية وميلاد أمة منسجمة قادرة على التمدّد في الزمان والمكان، وبشكل موازٍ تشكلت ذاكرتها المشتركة كربلاء وغزة .
وفي المقابل عندما نجد نقيض تلك الهزيمة التي تقطع سردية استحقاق الهوية للفرد لإحلال النزعة التسلطية والتي وحدها تملك الحضور ضمن مقومات بناء هوية الفرد، فإن الهزيمة قادرة على قطع الحضور التاريخي وإجهاض كافة التمثلات والتشكيلات الذهنية حول قيم البطولة، الأمر الذي يعرّض حياة الفرد والأمة لخطر الزوال، والدليل لو لم يكن طوفان الأقصى لوضع ملف القضية الفلسطينية على الرفّ وأسدل الستار عنها وإلى الأبد، من هنا نفهم أن التطورات التي حدثت في العالم بعد النهضة الحسينية كانت بمثابة إعادة ترتيب جيوسياسي والذي ما زال قائماً، وهذا ما وجدناه في الوقفات التضامنية لنصرة القضية الفلسطينية عامة وفي عقر دار من يساند هذا الكيان المؤقت بشكل خاص.