دائما ما تقوم التنمية في أي بلد على مجموعة من الاسس والقواعد والمرتكزات التي على ضؤها تنمو وتتطور وتنافس الامم الاخرى وإذا ما اختلت واحدة أو أكثر من هذه الاسس تأثرت التنمية وتراجع النمو الاقتصادي بشكل عام في هذا المقال سوف نركز على اهم ثلاث ركائز تعتمد عليها التنمية وطبعا هناك اسس اخرى الا انها قد تكون أقل اهمية وتأثيرها محدود.
الاسس والمرتكزات التي تقوم عليها التنمية والتطور في أي مجتمع هي أولا : تطوير وتنمية الموارد المالية وضمان بقائها واستمرارها وهذا الجانب لاشك انه مهم لان فيه ضمان لقيام الدولة بتنفيذ برامجها وخططها التنموية والوفاء بالمتطلبات الضرورية مثل توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة ورواتب واجور وكهرباء وماء ، أما الركيزة الثانية :فهي تنمية الموارد البشرية والاهتمام بها وتوفير الظروف المناسبة لتعليمها ومن ثم انخراطها في سوق العمل لتساهم في عجلة التنمية ، والركيزة الثالثة تتعلق بالبيئة واهمية المحافظة عليها وعدم هدر الموارد الطبيعية وضمان بقائها للاجيال الحالية والمستقبلية.
طبعا بالنسبة للسلطنة فإن هذه الركائز تعتبر ضمن اولياتها ففي وثيقة رؤية عمان 2040 وردت هذه الأسس بالتفصيل مع البرامج المساندة لها والتي شارك في وضعها عدد كبير من الخبراء والمختصين كما انها استندت على اراء المجتمع وكما يعلم الجميع بإنه عقدت عدد كبير من الندوات وورش العمل اثناء وبعد اعداد وثيقة الرؤية واصبح الجميع يتحدث عن رؤية 2040.
كان من اوليات السلطنة مع بداية الخطة الخمسية العاشرة هو محاولة تقليل الدين العام وتطبيق برنامج للتوازن المالي خاصة وان الدين وخدمته أصبحت تشكل مشكلة وعبء كبير على موازنة الدولة بل وصل الامر الى مرحلة حرجة لو استمرت ربما كانت الحكومة لا تستطيع حتى الوفاء بإلتزاماتها الاساسية ودفع رواتب الموظفين حيث وصل نسبة الدين العام الى حوالي 60 % من الناتج المحلي وهي نسبة خطيرة جدا.
وقد شهد الاداء المالي للسلطنة نموا جيدا خلال الفترة الاخيرة وحسب البيانات المنشورة فإن الأداء الفعلي للميزانية العامة للدولة لعام 2023م يشير إلى ارتفاع الإيرادات العامة بنسبة 25 بالمائة، لتبلغ نحو 12 مليارًا و542 مليون ريال عُماني مقارنة بتقديرات الميزانية المعتمدة بواقع 10 مليارات و50 مليون ريال عُماني؛ ويُعزى ذلك إلى ارتفاع الإيرادات النفطية وغير النفطية.
وشهد حجم الإنفاق العام الفعلي بنهاية عام 2023م ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 2 بالمائة، مسجلًا نحو 11 مليارًا و606 ملايين ريال عُماني مقارنة بحجم الإنفاق المعتمد البالغ 11 مليارًا و350 مليون ريال عُماني؛ وذلك نتيجةً لزيادة الإنفاق الاجتماعي ودعم تحفيز النشاط الاقتصادي، ليشمل زيادة مصروفات دعم المنتجات النفطية، وزيادة الإنفاق على المشروعات الإنمائية.
واستطاعت وزارة المالية خلال عام 2023م تسديد أكثر من 1.4 مليار ريال عُماني مستحقات مدفوعة للقطاع الخاص المستلمة عبر النظام المالي وقامت الحكومة بإعتماد إيرادات مالية إضافية بلغت 936 مليون ريال عُماني خلال العام الماضي من أجل تعزيز الإنفاق الاجتماعي وتحفيز النمو الاقتصادي وخفض الدين العام وإدارة الالتزامات المالية والتي أسهمت في تحسن المؤشرات المالية والاقتصادية والتصنيف الائتماني والمركز المالي للبلاد ، كما بلغ إجمالي الدين العام حتى نهاية عام 2023م نحو 15.3 مليار ريال عُماني، منخفضًا بنحو 2.3 مليار ريال عُماني مقارنة بعام 2022م، نتيجة لقيام وزارة المالية بإدارة الالتزامات الحكومية وبسداد جزء من القروض.
هذه الاخبار كلها جيدة ومبشرة الا اننا احيانا نسأل انفسنا وكما ذكرنا في البداية ان التنمية المتوزنة تقوم على ثلاث اسس او ركائز فعندما ننظر الى هذا النمو والارتفاع هل هو ناتج عن زيادة في القيمة المضافة او في الانتاجية او في نمو وتطور الصناعات المختلفة ام بسبب الابتكار والبحث العلمي أم بسبب التنويع الاقتصادي الذي ننادي فيه منذ الخطة الخمسية الاولى فإن الاجابة تكون ب -لا -فهذه النتائج تحققت بسبب ارتفاع اسعار النفط اولا ثانيا بسبب الضرائب والتي شكلت النسبة الاعلى من العائدات والتي اغلبها جاءت من جيب المواطن وفي المقابل زاد عدد الباحثين عن العمل لتتجاوز اكثر من 100 الف باحث وزاد عدد المسرحين من القطاع الخاص وارتفعت رسوم عدد من الخدمات كالهرباء والمياه وزاد التضخم بسبب ارتفاع الاسعار لذا ينبغي ان لا نهتم بركيزة واحده على حساب ركائز اخرى فلابد أن التوازن بين جميع ركائز التنمية إذا ما أردنا الإستدامة والنمو والازدهار للاقتصاد الوطني .
سالم بن سيف العبدلي – كاتب ومحلل اقتصادي