دبي- ش
بعد أن وصلت الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في شهر مارس من هذا العام، انخفضت الأسهم بشكل عام في شهر أبريل مسجلًا أول تراجع شهري بعد سلسلة من الارتفاعات الشهرية التي استمرت خمس أشهر متتالية.
على ما يبدو أن تحركات السوق الأخيرة تركزت على توقيت وعدد التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث ساهمت البيانات الاقتصادية الأقوى من المتوقع إلى جانب التضخم المستمر، في تأخير خفض سعر الفائدة الفيدرالي.
سوق الأسهم يسجل تراجع شهري
شهدت سوق تداول الأسهم الأمريكية تقلبًا في شهر أبريل 2024، فبعد أن وصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في أواخر مارس تراجع المؤشر في أبريل، حيث خسر أكثر من 5% من قيمته خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر ثم استعاد بعضاً من تلك الخسارة لينهي شهر أبريل بخسائر تقدر بنحو 3%.
يقول "روب هاوورث" كبير مديري استراتيجية الاستثمار في إدارة الثروات في بنك الولايات المتحدة: أن التراجع الأخير في السوق جاء في ظل محاولة المستثمرون تحديد ما إذا كان السوق قد وضع في الاعتبار تراجع التوقعات بشكل كامل لخفض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، فمنذ نهاية عام 2023 والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 كانت الأسواق تتوقع أن تخفيضات أسعار الفائدة كانت وشيكة، مع مراعاة توقعات ما يصل إلى ستة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024.
وقد فتح البنك الاحتياطي الفيدرالي الباب أمام تخفيضات أسعار الفائدة ابتداء من أواخر العام الماضي، ولكن البيانات الاقتصادية الأحدث بما في ذلك معدل التضخم المرتفع بشكل عنيد، خففت من تلك التوقعات، ويبدو أن هذا أدى إلى تراجع السوق في شهر أبريل، على الرغم من أن مدى أو مدة التراجع الحالي غير واضحة.
يقول هاوورث: من الجدير بالملاحظة أن هذا هو أول توقف حقيقي في ارتفاع السوق الصاعد الحالي منذ أكتوبر 2023، لهذا يبدو أن المستثمرين يعيدون ضبط مراكزهم، في عامي 2022 و2023 رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية أحد عشر مرة لتصل إلى نطاق يتراوح بين 5.25% إلى 5.50% وكان آخر تغيير في أسعار الفائدة في يوليو 2023، ومنذ ذلك الحين، أبقى البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة وتوقع ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024.
ويضيف هاوورث: أن الأسواق تتفاعل مع مؤشرات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة بأن تخفيضات أسعار الفائدة ليست في الأفق القريب، وقال أنه من الممكن الآن ألا يحدث أكثر من تخفيض واحد أو اثنين في أسعار الفائدة هذا العام، اعتمادًا على اتجاه البيانات الاقتصادية القادمة.
وبينما نجح البنك الاحتياطي الفيدرالي في جهوده لإبطاء وتيرة نمو التضخم، فقد واجه صعوبة في خفض التضخم إلى النطاق المستهدف عند 2%، فالتضخم لا يزال مرتفعًا (استقر مؤشر أسعار المستهلكين عند 3.5% خلال الـ 12 شهرًا المنتهية في مارس)، وذلك يدعم وجهة نظر البنك الاحتياطي الفيدرالي الحالية بأنه من السابق لأوانه خفض أسعار الفائدة.
أداء متميز في الربع الأول من العام
ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة مذهلة بلغت 10.6% في الربع الأول، إضافة إلى مكاسب بلغت 11.7% في الربع الرابع من العام الماضي، أدى الارتفاع الأخير في الأسهم إلى وصول مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى عدة مستويات قياسية جديدة خلال الربع الأول، لقد مر أكثر من عقد من الزمن منذ أن سجل مؤشر S&P 500 آخر مكاسب متتالية تزيد عن 10%، لقد حدث هذا سبع مرات منذ عام 1950 ولم تؤدي أي من الأحداث السابقة إلى أي ضعف كبير في الأسهم.
استمرت المشاركة في سوق الأسهم في التوسع إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا المهيمنة التي قادت بداية الارتفاع، وارتفع مؤشر ناسداك المركب الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا بنسبة 9.3% في هذا الربع، متخلفًا قليلاً عن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 وكانت القطاعات الرائدة في الربع الأول هي الطاقة والصناعة والمالية، ومع ذلك، استمر الارتفاع مدفوعًا بالشركات الكبرى حيث تفوق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على المؤشرات الأخرى.
في الربع الأول، ارتفعت أسهم الشركات المتوسطة (وفقًا لقياسات Russell Mid-Cap ETF) بنسبة 8.5%، وارتفعت أسهم الشركات الصغيرة (وفقًا لقياسات Russell 2000 Small-Cap ETF) بنسبة 5.0%، وواصلت السوق الأمريكية تفوقها على المؤشرات العالمية خلال الربع الأول، وارتفعت الأسواق الدولية المتقدمة (وفقًا لقياس صندوق EFA ETF) بنسبة 6.0% خلال الربع، بينما ارتفعت الأسواق الناشئة (وفقًا لقياس صندوق EEM ETF) بنسبة 2.2%.
ولكن تأثرت الأسواق الناشئة سلباً بالأداء الضعيف للأسهم الصينية التي تشكل جزءاً كبيراً من المؤشر، لم تشهد الاقتصادات المتقدمة بشكل عام نموًا اقتصاديًا قويًا ولم تشهد ضغطًا تصاعديًا على تقديرات الناتج المحلي الإجمالي مثل الولايات المتحدة، وعلى الصعيد العالمي، ارتفع مؤشر MSCI العالمي بنسبة 8.2% في الربع الأول.
ما المتوقع للربع القادم؟
سيظل التضخم هو الإجراء الاقتصادي الأكثر أهمية الذي يركز عليه المستثمرون، أظهرت بيانات التضخم الأخيرة أن الاتجاه التنازلي في مقاييس التضخم قد توقف، وعلى الرغم من انخفاض نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية بشكل طفيف، إلا أن المقاييس الأوسع مثل مؤشر أسعار المستهلك لم تظهر أي تحسن حقيقي خلال الأشهر القليلة الماضية، لقد قال البنك الاحتياطي الفيدرالي صراحةً إنه يحتاج إلى رؤية المزيد من التحسن في التضخم من أجل البدء في خفض أسعار الفائدة.
ومن جهة أخري، كان الارتفاع الأخير في أسعار السلع الأساسية تعمل ضد توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي بانخفاض التضخم، حيث وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال ستة أشهر وستؤدي الأسعار الحالية إلى ارتفاع أسعار البنزين هذا الصيف، وسيراقب المستثمرون أيضًا سوق العمل عن كثب، لقد عاد سوق العمل إلى طبيعته إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة ولم يقترب من التشدد الذي كان عليه من قبل، في حين أن نمو الوظائف المبلغ عنها كان قويا إلا أن مراجعات الأرقام المعلنة سابقا كانت مرتفعة بشكل غير طبيعي، كما تباطأ نمو الأجور في الأشهر الأخيرة ودعم انخفاض ضغط التضخم.
في الوقت نفسه، ظلت أرباح الشركات قوية وأظهرت الآن نموًا على أساس سنوي لمدة ثلاثة أرباع متتالية، ونظرًا لأن معظم الشركات تحدد توجيهات الأرباح لعام 2024 إلى حد كبير بحلول نهاية الربع الأول، فإن التوقعات تشير إلى زيادة بنسبة 10.6% في أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا العام وزيادة أخرى برقم مزدوج في عام 2025، وتخضع هذه التقديرات التصاعدية دائمًا للمراجعات، لكن التوقعات الحالية تمثل نظرة إيجابية، بالإضافة إلى ذلك، فإن نمو الأرباح في الولايات المتحدة أقوى من معظم الأسواق الأخرى وكذلك النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وكلاهما يظل داعمًا للتقييمات المرتفعة نسبيًا.
تحول في قيادة السوق
في عام 2023 تجاوزت أسهم خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأسهم التقديرية الاستهلاكية بشكل كبير بقية أسهم مؤشر ستاندرد آند بورز 500، يقول أحد المحللين: أن الذي استمر في دفع الأسواق إلى مستويات قياسية جديدة هي الشركات التي لا تشعر بالحساسية لأسعار الفائدة المرتفعة باستمرار مثل الشركات الكبيرة التي تشمل: Nvidia وMicrosoft وAmazon وGoogle التي تمتلك الكثير من النقد ولديها احتياجات اقتراض منخفضة ولا تتأثر بشكل كبير بالتغيرات في بيئة أسعار الفائدة".
مع توقع السوق نهاية رفع أسعار الفائدة وتزايد توقعات خفض أسعار الفائدة الفيدرالية، ارتفعت سوق الأسهم من نوفمبر 2023 حتى مارس 2024، واستنادًا إلى الأداء السنوي حتى أواخر أبريل ارتفع قطاع الطاقة والقطاعات الأخرى المتخلفة مقارنة بعام 2023.
الأسهم ذات رؤوس الأموال الكبيرة تستمر في الهيمنة
تجاوز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الكبيرة مستوى 5000 نقطة للمرة الأولى في فبراير واستمر في الوصول إلى مستويات قياسية جديدة حتى نهاية مارس، قبل أن يتراجع في أبريل، وكانت تلك البيئة الاستثمارية أقل فائدة للأسهم الصغيرة.
يقول هاوورث: إن سياسة سعر الفائدة المرتفعة التي ينتهجها البنك الاحتياطي الفيدرالي مهمة بشكل كبير للشركات الصغيرة التي من المحتمل أن تضطر إلى اقتراض المزيد لتمويل العمليات ونمو الأعمال، ونتيجة لذلك، تتعرض أسهم الشركات الصغيرة لضغوط أكبر في البيئة الحالية.
ويبدو أن المستثمرين يدركون ذلك بناءً على نتائج سوق الأسهم في عامي 2023 و2024 من خلال مقارنة مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمؤشر Russell MidCap ومؤشر Russell 2000 للأسهم الصغيرة.
المحركات الرئيسية لسوق الأوراق المالية في بقية عام 2024
ما هي مفاتيح السوق الصاعدة المستدامة؟، يقول هاوورث إن هناك ثلاثة اعتبارات أساسية تستحق أكبر قدر من الاهتمام:
1 .اتجاهات التضخم وتحركات سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية:
مع تأرجح التضخم الرئيسي بعناد فوق 3%، يقول "إريك فريدمان" كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات في البنك الأمريكي: يلزمنا المزيد من الوقت لكي نستطيع القول بأن قصة التضخم قد انتهت، إن الأمر لن يختفي بالسرعة التي قد يرغب بها الناس، بالإضافة إلى ذلك، يبلغ المقياس الرئيسي الذي يراقبه البنك الاحتياطي الفيدرالي وهو نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية 2.8% دون تغيير يذكر منذ ديسمبر 2023، ويقول فريدمان: إن المعدل المستهدف الحالي للأموال الفيدرالية الذي يزيد عن 5% ليس مستداما، وأن البنك الاحتياطي الفيدرالي يريد أن يري دليلاً أكثر وضوحًا على تحرك التضخم نحو الانخفاض وهو في موقف صعب، ونتيجة لذلك، يعتقد فريدمان أن أول خفض لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية قد يستمر في التأخير.
2 .الانفاق الاستهلاكي:
يقول هاوورث: إن استعداد المستهلكين للحفاظ على نمو معقول في الإنفاق هو بمثابة العمود الفقري للاقتصاد، ومن المحتمل أن يرجع ذلك جزئيًا إلى قوة مؤشر العمل والنمو الكبير في الأجور، في حين أن القراءة الأولية للنمو الاقتصادي في الربع الأول من عام 2024 جاءت بمعدل سنوي مخيب للآمال بنسبة 1.6%، إلا أن الإنفاق الاستهلاكي لا يزال يمثل المحرك الرئيسي للنمو، يقول فريدمان: لا يزال المستهلكون ذوو الدخل المرتفع لديهم القدرة على الإنفاق، لكن أولئك الذين ينتمون إلى الدخل الأدنى يواجهون تحديات أكبر.
3 .أرباح الشركات:
تقوم الشركات في شهر أبريل بنشر تقارير أرباح الربع الأول، ويقول هاوورث إن الاتجاه العام إيجابي، حيث نشهد أرباحًا وإيرادات أفضل من المتوقع في الربع الأول، ومع ذلك، يقول إن الأسواق تراقب عن كثب ما يحدث في المستقبل.
ماذا يجب على المستثمرين فعله؟
على المدى القريب، يجب على المستثمرين الاستعداد لاستمرار التقلبات الأخيرة في السوق، ويتوقع الخبراء استمرار التقلبات في الأسواق وليس بالضرورة مسارًا صعوديًا مباشرًا للأسهم في الأشهر المقبلة، ومع ذلك، فإن المستثمرين قد يستفيدون بشكل أفضل من خلال وضع محافظهم الاستثمارية على المدى الطويل، يشجع الخبراء المستثمرين الذين ربما اتخذوا نهجا أكثر حذرا قبل التكيف مع محفظتهم الإستراتيجية طويلة المدى، يقول هاوورث بالنسبة لأولئك الذين لا يزال لديهم شعور بالحذر بشأن سوق الأوراق المالية، فكر في وضع جزء من محفظتك للعمل في الأسهم بطريقة منهجية صحيحية.