روسيا في سوريا، مشاركة فاعلة أم استعراض قوة؟؟

الحدث الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٢٢:١٦ م
روسيا في سوريا، مشاركة فاعلة أم استعراض قوة؟؟

يكاد يكون هذا السؤال هو الأبرز هذه الأيام، يطرحه الكثيرون كلٌّ من موقعه وبحسب معرفته، ومنهم من يسأله بصيغة هل روسيا معنا أو ضدنا؟ ومنهم من يذهب حد الإتهام بوجود شراكة مباشرة بين روسيا وأميركا، وأنّ الحضور الروسي في سوريا لا يعدو كونه مجرد حضور لتقاسم الحصص والأدوار، وغير ذلك من الأقاويل والعناوين التي تستند في معظمها الى المشاعر والأحاسيس والإنفعال وتفتقد الى الرؤيا المتكاملة وربط المسارات التاريخية والسياسية،

ولأنّ التعرض لأي موضوع يحتاج استعراضه لمعطيات دقيقة وليس توظيفًا لأدوار ورغبات، فالكلام عن الدور الروسي في سوريا يجب أن ينطلق من طبيعة المعركة الحاصلة واهداف مطلقيها والى اين وصلت.
بدايةً، لا بدّ من التذكير أنّ روسيا الإتحادية الحالية هي الدولة التي برزت على أنقاض الإتحاد السوفياتي السابق، والذي كان لأميركا والصهيونية دورٌ أساسي وكبير في انهياره، وكما كان الإتحاد السوفياتي هدفًا للأميركيين فمن الطبيعي أن تكون روسيا الصاعدة هدفًا.
وبرأيي أنّ تصدي روسيا للقيام بدور ما في سوريا هو بحد ذاته حضور استباقي يشبه الى حد كبير وجود حزب الله في سوريا، والذي يجب أن نتذكره أيضًا أنّ روسيا هي في موقع الدفاع وليست هي من أطلق الحرب على سوريا، وما تفعله روسيا في سوريا هو الدفاع عن مجالها الحيوي.

وإن كنت من الناقدين لبعض السلوك الروسي حول توقيت تخفيض القوة الجوية، وهو في كل الأحوال تدبير جزئي ولا يرقى الى مستوى الخطأ الإستراتيجي لمجموعة من الإعتبارات نعلم بعضها ونجهل اغلبها، فقد يكون هذا التدبير مرتبطًا بحراك سياسي وهو شبه مؤكد ودهاء يهدف الى استنفاذ الأوراق السياسية، وهو ما سنتبيّنه في قادم الأيام، علمًا بأنّ الكثير من الكلام حول القدرة الجوية الروسية في سوريا بما فيه كلام لمسؤولين اميركيين أنّ ما فعله الروس هو تبديل نوعية الطائرات، حيث خفضوا من بعض انواعها واستقدموا انواعًا اكثر قوة وحداثة كحوامات مي 28 وكاموف 52، بالإضافة الى حوامات ال مي 24 التي استقدمت في بداية الدخول الروسي، وإبقاء عدد القطع البحرية على ما هو عليه اضافة الى بطاريات اس 400 المضادة للطائرات.
في الجانب العسكري أيضًا، سجل الميدان السوري حضورًا لأسلحة روسية نوعية كالدبابات تي 90 ولو بأعداد قليلة ومنظومات الحرب الإلكترونية ومعدات كسح الألغام وكشفها، وبعض المنظومات الصاروخية كالسميرتش بي ام 30 وغيرها من المنظومات.
الجدير ذكره أيضًا أنّ الخبراء الروس استكملوا تدريب آلاف الكوادر السوريين في مختلف صنوف الأسلحة، وقاموا بتحديث حوامات ال مي 24 السورية وطائرات الميغ 29، كما أجروا بعض التعديلات على طرازات اخرى كالسوخوي 24 التي يمتلك منها سلاح الجو السوري حوالي 20 طائرة.
هذا في الجانب العسكري، أما في الجانب السياسي فحتى اللحظة تبدي روسيا الكثير من الإلتزام في الدفاع عن الدولة السورية في كل المحافل الدولية، وهو بحد ذاته أمر لا يقل اهمية عن الجانب العسكري.
واذا ما استعرضنا طبيعة الهجمة التي تتعرض لها روسيا، سواء من بعض الجمهوريات السابقة للإتحاد السوفياتي او من البحر الأسود او من دول اوروبا الشرقية السابقة او من اوكرانيا، مضافًا الى ذلك الضغوط الإقتصادية عبر تخفيض سعر النفط والعقوبات المفروضة على روسيا، فمن الطبيعي في ظل هذه الهجمة ان تعمد القيادة الروسية الى التعاطي مع الأمور بعقل بارد آخذة بعين الإعتبار كل هذه الضغوط.
في سوريا لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ الإنجازات التي تحققت في ارياف اللاذقية وارياف حلب وبعض مناطق الغوطة الشرقية ما كان لها ان تُنجز لولا الدعم الروسي المباشر، وهي إنجازات أثّرت كثيرًا في خرائط السيطرة وأعطت الدولة السورية دفعًا كبيرًا في المحافل الدولية والديبلوماسية، إضافةً الى أنّ نقاط سيطرة الجيش السوري حاليًا هي نقاط ارتكاز هامة تؤهله لخوض المعارك بكل انماطها سواء الدفاعية او الهجومية التي يعود امر تقريرها لظروف الميدان وحاجاته.

في البعد الرئيسي، إنّ مجرد صمود سوريا لخمس سنوات متتالية هو بحد ذاته انتصار كبير خصوصًا اننا نعلم طبيعة الهجمة وقدراتها اللامحدودة، فكيف اذا استعرضنا حجم الإنجازات الكبيرة التي حصلت خلال هذه المواجهة الكبيرة، والتي ستستمر وتتصاعد في ظل مشهد اقليمي ودولي مستشرس ومأزوم سواء في تركيا التي تعيش إرهاصات ازمة نظام بأكمله، وهو موضوع سنخصص له مقالًا خاصًا قريبًا، والسعودية المتورطة في رمال اليمن والعاجزة عن اسقاط سوريا والتي بدورها ستشهد ازمات وليس ازمة في داخلها.
وبالعودة الى الدور الروسي في سوريا الحاضر منذ بداية الحرب وبقوة، والذي لولاه لكنا في مسار آخر ومشهد آخر، علينا أن نتحلى بالصبر والعزم وأن نقدّر المصاعب والضغوطات التي تواجهها روسيا ومنها بسبب موقفها من سوريا ودورها فيها، مع احتفاظنا طبعًا بحق النقد لبعض السلوكيات التي قد تكون بسبب تناقض المصالح الجزئية وهو امر طبيعي بين الحلفاء والأصدقاء.