«أمور شخصية» فيلم فلسطيني ساخر

مزاج الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٢٤ ص
«أمور شخصية» فيلم فلسطيني ساخر

كان –
الذين يعرفون السينما الفلسطينية يعرفون أيضا التيارات والاتجاهات التي ذهبت إليها. وإن ظلت حالة من السخرية تمثل حضورا لافتا في النسبة الأكبر من نتاجات السينما الفلسطينية بالذات تلك التي من صناعها من داخل الأرض العربية المحتلة ونشير هنا إلى عدد من الأسماء ومنهم هاني أبو اسعد وايليا سليمان والأخوان طرزان وعرب أبوناصر وتلك الأسماء تأتي نتاجاتها ذات البعد الاجتماعي السياسي بشحنة عامرة بالسخرية الشديدة الحساسية والذكاء.

وضمن جديد السينما الفلسطينية يأتي فيلم «أمور شخصية» للمخرجة مها حاج أبو عسل والذي عرض في تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي وتزامن عرضه في اليوم الأول لهذه التظاهرة بل بعد فيلم الافتتاح الذي كان للفيلم المصري «اشتباك». وأحداث الفيلم تتحرك على مجموعة محاور أولها مدينة «الناصرة» حيث الزوجين الكبيرين في السن والتي تحولت أيامهما إلى حالة من التكرار، رجل يشرب القهوة ويقضي وقته أمام جهاز الكمبيوتر وزوجته مشغولة بالطبخ والتنظيف والحياكة ومشاهدة المسلسلات التركية.

والخط الثاني يتمثل بحكاية الابن الكاتب المسرحي الذي يرتبط بعلاقة صداقة مع فتاة شابة وفي المحور ذاته شقيقته الحامل مع زوجها العامل في إحدى «الكراجات» والذي تقيم معه جدته التي تعاني من الزهايمر. فيما الخط الثالث يتمثل بالابن الأكبر الذي يعيش في السويد. العلاقة تبدو تسير في خط مسدود بين الزوج وزوجته ولكنها تتحمل. ويحاول الأب أن يصعد الشكوى على تصرفات زوجته التي لم تعد تبالي به. ويحاول تشكيل جبهة ضغط على زوجته من قِبل ابنته وأبنائه من أجل إقناعها بالسفر إلى السويد لقضاء أسبوع في أحد الشاليهات على البحيرة والالتقاء بصديقة ابنه. الأحدث تبدو تقليدية يومية معاشة، تعكس الحالة الاجتماعية والممارسات اليومية للأسرة الفلسطينية في الضفة الغربية. الزوج يحاول لحلحة الأمور مع زوجته والصديقة وتحاول التقرب من الابن الكاتب المسرحي والابنة تحاول أن تدعم زوجها عامل الكراج الذي تلقى عرضا بالعمل في السينما وهو المهووس بالبحر ويتمنى اللحظة التي يصل بها إلى البحر. بالإضافة إلى حكايات جدته التي تريد أن تحكي الحكايات. وحينما يذهب عامل الكراج إلى إجراء الاختبار في حيفا يصر على التوقف أمام البحر ومداعبة مياهه وهو حلم الكثير من أهل المناطق الفلسطينية الداخلية مثل رام الله ونابلس والجليل والخليل والناصرة وغيرها، بل انه يكتفي بتحقيق ذلك الحلم بالوصول إلى البحر بعد أن حصل على الإذن. بينما تذهب الصبية «ميسا» برافقة صديقها الكاتب المسرحي إلى القدس وفي الطريق وأمام احد الحواجز يثور غضبها لأنه اكتفى بأن قال بانها «صديقة» بينما كانت تتمنى ما هو أبعد من ذلك. وفي موجة غضبها العارم يتم القبض عليهما من قِبل جنود الاحتلال للتحقيق معهما ونشاهد واحدا من اجمل المشاهد في الفيلم حيث مشهد رقصة التانجو في غرفة التحقيقات.

كل شيء يبقى مفتوحا على كافة الاحتمالات في هذا الفيلم، عدا علاقة الأب مع زوجته. فبعد عدم حضور صديقة الابن إلى دعوة الغداء على البحيرة، حيث تكتب نهاية العلاقة بين الابن وصديقته، يطلب الابن وخلال الرحلة داخل البحيرة الانفصال فور عودتهم إلى فلسطين.

جملة الأحداث والحوارات تأتي بصياغة الجملة والمفردة الفلسطينية الساخرة، على كل شيء، العلاقة مع الجارة والعلاقة من الأكل والشرب والتلفزيون وكافة التفاصيل الحياتية وكأن تلك الصيغة الساخرة هي السخرية على الواقع المعاش بكل ظروفه وضغوطه. في الفيلم فريق رفيع المستوى من الممثلين ونخص امير حليحل بدور «جورج» ودريد لادو «طارق» وميساء عبدالهادي «ميسا» والثنائي محمد شواهدة وسناء شواهدة بدوري صلاح ونبيلة. المخرجة مها حاج تمتلك أدواتها على صعيد الكتابة وأيضا الإخراج ومقدرتها على إدارة فريق من الفنانين والفنيين وعلى رأسهم مدير التصوير اليد ديبي الذي أضاف الكثير من الحلول في المشهدية البصرية.