«اشتباك» يؤسس لمرحلة جديدة من السينما المصرية

مزاج الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٢٢ ص
«اشتباك» يؤسس لمرحلة جديدة من السينما المصرية

كان – عبدالستار ناجي

حينما قدّم المخرج المصري محمد ذياب فيلمه الأول «678» أثار الكثير من الجدل، ليس على صعيد القضية المطروحة أو مجموعة النجوم التي أدارها باقتدار رفيع بل لأسلوبه ولغته السينمائية، التي تحلّق في فضاء خارج الصيغ التقليدية والمستعادة والمكررة.

وهو في فيلمه الجديد «اشتباك» يذهب إلى مرحلة جديدة. ستوجد على مدى الأيام المقبلة الكثير من الحوار، حيث الانطلاق إلى آفاق مرحلة جديدة من تاريخ السينما المصرية.
وهكذا أمر يتطلب كثيرا من الوعي بالاحترافية السينمائية العالية المستوى التي اشتغل بها وعليها المخرج محمد ذياب ليحقق هذا العمل السينمائي. الذي اختير للعرض في افتتاح تظاهرة «نظرة ما» وهو إنجاز تاريخي للسينما المصرية والعربية على حد سواء.
والآن دعونا نذهب إلى فيلم «اشتباك» الذي تجري أحداثه في صيف العام 2013 بعد عامين من الثورة المصرية، حيث راحت تتفجر المواجهات بالذات في الأسبوع الذي عزل به الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي.
في تلك الفترة راحت مصر تخرج بكافة أطيافها في مظاهرات تحولت إلى مواجهات، سواء بين الاخوان المسلمين والشرطة أو بقية التيارات السياسية وأيضا الشرطة.
أمام زحمة المظاهرات والمواجهات يضطر رجال الشرطة إلى شحن إحدى السيارات المصفحة بعدد من المتظاهرين من كافة أطياف وشرائح المجتمع المصري، فهذه «نجوى» نيللي كريم التي خرجت مع زوجها وابنها للمشاركة في المظاهرات والدعوة إلى سقوط النظام وأيضا «ادم» هاني عادل و«حسام» طارق عبدالعزيز و«فارس» احمد داش وكم آخر من الشخصيات التي تم احتجازها في إحدى الشاحنات الخاصة بالشرطة وسط أجواء من التوتر والمواجهات التي يتم خلالها كافة أنواع الأسلحة من أجل اجماد التظاهرات.
وحينما تتكدس الأجساد والوجوه تبدأ المواجهة داخل تلك السيارة. حيث تكون نقطة الانطلاق من خلال القبض أولا على صحفي «مصري – أمريكي» ومصور مصري يعملان في وكالة «الايسوشيتد بريس» وسرعان ما تزدحم الشاحنة بالوجوه. فهذه نجوى الممرضة وهذا رجل الدين وابنه المراهقة وكم آخر من الوجوه والملامح، الجميع يريد أن يخرج من تلك الشاحنة، ولكنها سرعان ما تزدحم من جديد بعدد من كوادر الاخوان المسلمين الذين تم القبض عليهم في إحدى المظاهرات الخاصة بالاخوان. عندها تموج تلك الشاحنة بين سكان تلك الشاحنة الكل يريد أن يواجه الكل والكل يريد أن يضرب الكل والكل يتهم الآخر وهكذا.
وكأنه لا يكفي ما يجري خارج الشاحنة وفي أنحاء مصر لتكتمل الأمور في المواجهات داخل الشاحنة وسط الحرارة الشديدة والاتهامات والعنف.
رجال الشرطة لا يعرفون من يواجهون وكيف لهم مواجهة الأحداث المتصاعدة، وسط إيقاع متصاعد للحداث وكتابة ذكية تعمل على تحليل جميع الشخصيات من الممرضة إلى مجوعة كوادر الاخوان وصولاً إلى شابين شاركا في إحدى التظاهرات أحدهما يعمل «دي جي» بالإضافة طبعا إلى الصحفي والمصور.
وكلما انتقلت الشاحنة من مكان إلى آخر راحت تزدحم بكم آخر من الوجوه ولكل منهم حكايته التي تشكل مسارا إضافيا في مسيرة أحداث العمل الذي يظل متوازنا ذكيا في مسك العصا من المنتصف وهو يتصدى لمعالجة وتحليل إحداثيات تلك المرحلة من تاريخ مصر.
الأحداث تتحرك في مجموعة من المحاور المتوازية تارة والمتداخلة تارة أخرى، فمن الأحداث الخاصة بالشاحنة وركابها إلى خط الأحداث التي خارج الشاحنة والتي تضم رجال الشرطة والمظاهرات والمتظاهرين، حيث يسقط العديد من رجال وقيادات الشرطة بالإضافة إلى تعاطف عدد من رجال الشرطة مع ركاب الشاحنة بالذات النساء والأطفال وكلما اقترب موعد الإفراج عنهم تفجر قضية سواء خارج الشاحنة أو داخلها عبر مشهديات سينمائية نفذت باحترافية عالية ومقدرة على إدارة السيناريو على صعيد الكتابة والتحليل للشخصيات وهوياتها وقضاياها وظروفها، بالإضافة للاحترافية في إدارة الممثلين وهو ليس بالأمر الجديد على المخرج محمد ذياب الذي يجعل الممثل يعيش الشخصية بأبعادها وإشكالياتها.
مظاهرة تقود إلى مواجهة عنيفة أخرى، هي اللحظة التي يتمكن بها شقيق أحد المقبوض عليهم من الاخوان، الفرار بالشاحنة من أجل إنقاذ رفاقه ومن في الشاحنة، ولكنه لا يمتلك المفتاح وتمضي الرحلة إلى متاهات صعبة وقاسية.