د. كاميليا السادات: جلالة السلطان قائد حكيم ومستنير

الحدث الأحد ١٥/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٠٤ ص
د. كاميليا السادات: جلالة السلطان قائد حكيم ومستنير

القاهرة- خالد البحيري
بنبرة يملؤها العرفان والاعتزاز تحدثت الدكتورة كاميليا السادات عن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه، مؤكدة أنه قائد حكيم، مستنير، يبنى قراراته على علم ودراسة متأنية، وقراءة لمآلات الأمور ونتائجها المستقبلية، ولذلك احتفظ بعلاقاته مع مصر خلال فترة الرئيس الراحل أنور السادات رغم غضب بعض العرب من اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل، وظل إلى جوار مصر يدعمها ويؤازرها، على المستوى الرسمي والشخصي.

زيارة مسقط
وقالت في حوار خاص مع "الشبيبة" بمناسبة أعياد تحرير سيناء: في العام 1986 زرت مسقط، وهناك التقيت بعدد من النساء العمانيات اللاتي أتيحت لهن فرصة الترقي في أرفع المناصب، وكانت سعادتي لا توصف وأنا أرى هذا البلد العربي وهو ينمو ويتقدم بهذه الطريقة المؤسسية الرائعة، كما شدني مدى النظام والدقة الموجودين في مرافق الحياة في مسقط، ونظافة الطرق والطراز المعماري الفريد للمباني.
"ابنة البطل" كما يطلق عليها الكثيرون حكت لنا عن تجربتها في الغربة لمدة امتدت لنحو 24 عاما، وكيف تلقت نبأ استشهاد والدها في حادثة المنصة بعد سفرها بـ51 يوما فقط، وكشفت عن سر سفرها إلى أمريكا تحت اسم مستعار، وغيرها من التفاصيل التي تحتفظ بها الابنة الصغرى للسادات.
البداية كانت من لحظة انفصال والدها عن والدتها وزواجه من جيهان السادات، فقد تواكب ذلك مع مولدها، وعن هذه الفترة تقول: كان تفاهم شديد يجمع والدي بوالدتي لدرجة أنني لم أشعر بالانفصال بينهما إلا عندما انتقلت في سن العاشرة إلى منزل أبي لأعيش مع "طنط جيهان" فقد أصبحنا منذ ذلك التاريخ في حضانة والدي، بعدها بعامين تقريبا قرر والدي زواجي من ابن لواء سابق في الجيش.

انتصار أكتوبر
وعن لحظات انتصار مصر بقيادة والدها في السادس من أكتوبر عام 1973 قالت: على الرغم من كونى ابنة بطل الحرب والسلام إلا أنني لم اشعر بأية تحركات عسكرية، سوى متابعة والدى للأفلام الأمريكية بطريقة ملفته للنظر لمدة 6 أشهر وأفلام الحرب العالمية الثانية، وكان عقله يذهب لما هو أبعد من ذلك وكأنه كان يستوحى من مشاهداته خطة تدمير خط بارليف.
وتابعت: كان السادات يعامل إسرائيل على قدر عقل قادتها الذين كانوا شغوفين بجلب المعلومات عن مصر فأعطى أوامر للمخابرات بتزويد إسرائيل بالمعلومات الخطأ وعمل طلعات جوية وقام بقياس قناة السويس والجسور اللازمة لها وتجهيز المضخات وشراء المخلفات العسكرية من روسيا لإيهام إسرائيل بأننا لا نستطيع الحرب بهذه المعدات.
ومع تنهيدة عميقة أردفت: لقد كان شخص لديه استراتيجية وخطط وهذا ما تعلمته منه حتى أضمن النجاح، ومثلنا مثل الشعب المصري علمنا من الإذاعة خبر النصر وحاولنا الاتصال به لكنه كان دائم الانشغال والتواجد في غرفة العمليات بقصر الطاهرة، ولم يظهر قائد النصر سوى يوم 18 أكتوبر ليقدم الصور الموثقة إلى الملك فيصل وبعدها أطلقت جولد مائير رئيسة وزراء اسرائيل صرختها "أنقذوا إسرائيل" فأرسلت أمريكا الغطاء الجوي الجاهز للحرب مباشرة وأرسل الرئيس السادات خطابا إلى هنري كسنجر رئيس وزراء أمريكا وقتها يُطالب بوقف إطلاق النار، فرد عليه "مبدأ الحرب أن من يطلقها لا يملك أن يوقفها".

الفرح والحزن
وأضافت: وبرغم نشوة النصر في يوم العبور إلا أنني عشت لحظات شديدة القسوة والحزن فقد تلقينا خبر استشهاد عمي عاطف السادات في الطلعة الجوية الأولى.. لم يكن مجرد عم بالنسبة لي فقد كان أخي الأكبر وصديقي، ومما زاد من قتامة المشهد أننا لم ندفنه في مقابر العائلة لأننا لم نتسلم جثمانه إلا بعد 8 أشهر بعد أن تلقى الرئيس السادات خطابا من جولدا مائير، يفيد أن إسرائيل على استعداد لسداد أموال مقابل الحصول على جثث قتلاها لدفنهم، فقام السادات بإرسال جثث الجنود الإسرائيليين قائلاً: "نحن لا نبيع جثث"، وتم الالتزام بالبروتوكول، وإرسال الجثث بصناديق ولكن بدون تقاضى مال من اليهود، وبناء عليه أرسلت إسرائيل ما تبقى من عظام عاطف والسلسلة الخاصة التي تحمل رقمه العسكري وسلاحه.

اسم مستعار
وعن حياتها في الولايات المتحدة وتلقيها خبر استشهاد والدها قالت كاميليا: في 15 أغسطس 1981 توجهت إلى أمريكا لدراسة ماجستير الإعلام في جامعة بوسطن تحت اسم مستعار، فقد أخبرت الجامعة الرئيس السادات بصعوبة التحاقي بها نظرا لوجود عدد كبير من الطلاب العرب يدرسون في هذه الجامعة، وبعضهم معارض لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وإذا علموا بدراستي معهم ربما تعرضت حياتي للخطر، فاقترحت على والدي أن أسافر تحت اسم مستعار وهو كاميليا محمد أنور محمد، بدون ذكر السادات، وبالفعل تم ذلك ولم يكن يعلم بحقيقتي سوى رئيس الجامعة ونائبه وعميد الكلية.
وبعد السفر بـ50 يوما تقريبا فوجئت في السادسة صباحا بمن يدق جرس الباب، وعندما فتحت أخبروني أنهم من المباحث الفيدرالية، وبصحبتهم نائب رئيس الجامعة لشؤون الأمن، دخلوا دون أن يتحدثوا إلى عن سبب الزيارة، وحتى أقطع هذا الصمت الذي خيم على المكان لدقائق قمت بإشعال التليفزيون، فوجدت القنوات الأمريكية تذيع أفلاما وثائقية عن والدي واتفاقية كامب ديفيد، ثم انقطع البث، وجاءت نشرة الأخبار لتؤكد أن الرئيس السادات أصيب وتم نقله إلى مستشفى المعادي العسكري.. ساعتها هرولت إلى هاتف المنزل واتصلت بسفير مصر في واشنطن، وقلت له: "بابا مات".. فنصحني بالتزام الصمت حتى يخرج نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك ونعرف ماذا حدث بالضبط. أما المباحث الفيدرالية وبحسب كلام كاميليا فقد منعتها من السفر لمصر، أو حضور جنازته، ولذلك اكتفت بالمتابعة عبر شاشة التلفزيون.

ابنت السادات: السلام اختارني بعد استشهاد والدي
وعن اعتناقها لأفكار ومبادي السلام قالت: أنا لم أختر طريق السلام بل هو من اختارني، فبمجرد استشهاد والدي وجدت الكثير من الجمعيات الراعية للسلام في أمريكا تطلب انضمامي لها والعمل معها، ثم فكرت أن تكون رسالة الدكتوراة عن السلام، وتوثيق أفكاره ومبادئه، والخيط الرفيع الذي يفصل السلام عن السياسة.
ورغم حبها للسلام إلا انها لا تزال تكره اليهود، خاصة بعد تعرضها لعملية خداع على يد صحفية إسرائيلية، ادعت قبل ثلاث سنوات أنها صحفية أمريكية وتعد حلقة عن اتفاقية السلام وتريد مقابلتها باعتبارها ابنه السادات، ثم اكتشفت لاحقا أن الحلقة تم اذاعتها في التلفزيون الإسرائيلي ضمن فيلم وثائقي باللغة العبرية.
وعن هذا الموقف تقول: تعرضت لعملية خداع كبيرة من قبل الصحفية الإسرائيلية "يعيل لفيا"، التي أقنعتي قبل لقائها بأنها صحفية أمريكية وتريد إجراء حوار معي. "لو كنت أعلم أنها إسرائيلية ما أجريت معها الحوار، عادة اليهود الخداع والكذب".
السادات والثورات
وتفتخر كاميليا بذكاء والدها موضحة أنه صاحب رؤية استراتيجية، وكان يرى بعيون المستقبل ما لم يره الاخرون وتبرهن على ذلك قائلة: إن والدها تنبأ بثورات الربيع العربي قبل حدوثها ب 58 عاماً، فحينما كان سكرتير المؤتمر الإسلامي أرسل خطابين إلى الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي طالبه فيهما بضرورة عمل كتاب أو اثنين لتحذير العرب من مطامع الغرب، وإنتاج أفلام توضح أن العرب تخلص من مطامع الاستعمار العسكري ويتبقى أمامهم مطامع الدخول عن طريق الدين الإسلامي وطوائفه، مثلما يحدث الآن في أغلب الدول العربية من تفرقة عن طريق الدين.