سبر أغوار الصين

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٤/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٣٩ م
سبر أغوار الصين

علي المطاعني

تكتسب العلاقات الاقتصادية العمانية الصينية أهمية كبيرة ‏في المرحلة القادمة، بما يسهم في الاستفادة من عمق العلاقات التاريخية بين البلدين و الشعبين الصديقين في تفعيل التعاون التجاري المشترك ، و زيادة الاستثمارات الصينية في السلطنة ، و الاستفادة من المناخ الاستثماري، الذي تتيحه البلاد للمستثمرين و فتح آفاق لتعزيزه خاصة في المناطق الاقتصادية الحرة كالدقم و صحار و صلالة، و الانفتاح التجاري على الصين من خلال فتح سبل الاستيراد مباشر من بكين التي تعد من أكبر الأسواق في العالم ، واستثمار رغبتها في فتح أسواق جديدة تسهم في زيادة تدفق الصادرات الصينية.
لهذا تكتسب زيارة الوفد الإقتصادي العماني الى الصين أهمية خاصة ،تلك الزيارة التي أعدت لها ونظمتها بجهد مشكور غرفة تجارة و صناعة عمان في الفترة من السادس عشر إلى التاسع عشر من مايو ، وذلك من أجل تعزيز التبادلات التجاري و فتح آفاق واسعة أمام رجال الأعمال العمانين لجذب المزيد من الاستثمارات الصينية و اقامة شراكات واسعة مع رجال الأعمال الصينيين ، بما يسهم في المزيد من تطوير العلاقات التجارية بين الجانبين ،و فتح مجالات تعاون أكبر مما هي عليه في المرحلة القادمة، و بناء جسور للعمل المشترك ، وما يعنيه ذلك من بناء أرضية صلبة من العلاقات السياسية بين مسقط و بكين ، الأمر الذي يوفر المزيد من النجاحات لفتح آفاق أوسع من التعاون المشترك بين البلدين و يهيىء لمرحلة جديدة من الاستثمار بين الجانبي في المرحلة القادمة التي تتطلب المزيد من الانفتاح على العالم و مد جسور التعاون مع دول العالم لمزيد من الشراكات الاقتصادية.
فبلاشك أن الجهود التي تبذلها غرفة تجارة و صناعة عمان في تسيير الوفود الاقتصادية لدول العالم تكتسب أهمية كبيرة ،وتكمل تلك الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الشأن ، من أجل إتاحة المجال للقطاع الخاص العماني كي يشارك حكومة بلاده في جذب الاستثمارات و اقامة شراكات تجارية متعددة في دول العالم، وفتح آفاق واسعة أمام رجالات القطاع الخاص في البلاد لسبر أغوار العمل الاقتصادي من خلال الاطلاع على تجارب العالم و الاستفادة منها ،من أجل التمكن من ممارسة العمل الاقتصادي و نقل الخبرات و التجارب التي تتيح المزيد من التطور للأعمال التجارية على اختلافها، ولهذا فإن الزيارة التي تنظمها الغرفة إلى الصين تضم كبار رجالات القطاع الخاص في البلاد، ، نخبة من أصحاب المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ، وهو ماسيؤدي إلى توفير جملة فوائد لرجال الأعمال العمانين على اختلاف شرائحهم و مستوياتهم ، أهمها الاطلاع على التطور الاقتصادي الذي تشهده الصين و كيفية الاستفادة منه في المرحلة القادمة،وما يمكن أن توفره هذه الزيارات من فرص كبيرة في بناء شراكات بين الجانبين، و زيادة التدفقات التجارية بين السلطنة و الصين.
فالقطاع الخاص في كل دولة هو من يستفيد من تطور العلاقات بين الدول وهو المحرك الأساسي للعمل الاستثماري و الاقتصادي في اي دولة، فالدور التي تقوم به الحكومات يتمثل في تهيئة الأسس المتينة لإقامة مثل هذه العلاقات و تسهيل عملية الاستثمار وتقديم المزايا، و القطاع الخاص هو من يستفيد من المناخ الذي يتوفر له، باعتباره المحرك الأساسي للعمل الاقتصادي في اي بلد، و الفاعل الحقيقي في التبادل التجاري، فالحكومة لا تمارس الأنشطة التجارية على اختلافها، ولهذا فإن غرفة تجارة و صناعة عمان مستفيدة من علاقات حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله - مع دول العالم و ضرورة استثمارها بشكل أفضل مما هو عليه، بما يعزز من دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية التي تشهدها السلطنة، و جلب الاستثمارات من خلال المزيد من الشراكات الاقتصادية التي تفضي إلى مشاريع جديدة و تبادلات تجارية مباشرة توفر للأسواق العمانية سلع و بضائع صنية أقل كلفة و أكثر تنوعا تقلل من فرص الاستيراد الغير مباشر مع الأسواق الآخرى وتبعاتها المالية ، بل تعطي جرعة أكبر رجال الأعمال لسبر الأسواق الصينية و ايجاد تبادلات تجارية جديدة ترفد السوق العماني بالمزيد من الخيارات من السلع و البضائع.
من جانب آخر تعد الاستثمارات الصينية التي تبلغ 2 مليار دولار بارتفاع 145 بالمائه بنهاية عام 2015 م، مؤشرا جيداً ودافعاً لكي نسعى من أجل ‏تنمية هذه الاستثمارات في السلطنة و تعزيزها بكل الطرق التي ترفد التنويع الاقتصادي في البلاد و الجهود المبذولة في هذا الإطار في المرحلة القادمة، خاصة و ان هناك أطر و قوانين مرنة و محفزة للاستثمار و تشجيع من حكومة البلدين، فتاريخ العلاقات العمانية الصينية ضارب في القدم كأول دول عربية تفتح آفاق للتعاون مع الصين، بل تعد السلطنة محطة مهمة على طول طريق الحرير البحري الذي يمهد للمزيد من التواصل الحضاري و التجاري بين البلدين، ولعل إبداء الصين استثمار المزيد من الأموال في مشاريع اقتصادية في السلطنة مثل إقامة منطقة اقتصادية في الدقم و حديقة اصطناعية عمانية صنية بوادر طيبة لجذب المزيد من الاستثمارات الصينية في المرحلة القادمة، خاصة على ضوء الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده السلطنة على كل الأسواق في إطار سياساتها تنويع مصادر الدخل و الاستغلال الموقع الجغرافي و الموضع الاقتصادي الذي يميزها عن الكثير من البلدان.
ان التطلعات الاقتصادية لمزيد من التعاون مع الصين العملاق الاقتصادي تبدو حاضرة لدى الجانب العماني من القطاعين العام و الخاص للمزيد من الاعتبارات و الضرورات التي تحتم المزيد من الاستفادة مما يتوفر لهذه العلاقات من تسهيلات و مزايا تعزز تسخيرها بشكل أفضل.
طبعا الجهود المبذولة من بيت التجار في تنظيم زيارات لدول العالم و ما تسخره من تسهيلات لفتح آفاق واسعة يلقي بمسووليات كبيرة على عاتق رجال الأعمال ‏العمانين في تكملة ، فالحكومات والغرف التجارية تهيئ المجال للعمل الاقتصادي و الاستثماري، و توفر مجالات للعمل، و يبقى الجهد الاكبرعلى رجل الأعمال كي يدخل في شراكة مع نظيره الأجنبي و يبني علاقات متينة تسهم في استفادته من هذه الزيارات ، وهي مسؤولية كبيرة نتطلع أن ينهض بها القطاع الخاص في السلطنة .
بالطبع مثل هذه الزيارات لا تأتي نتائجها مباشرة في عقد اتفاقات أو تبادلات تجارية و إنما تؤسس لأعمال في المراحل القادمة، لأن الأعمال التجارية تحتاج إلى وقت وجهد مشترك بين الجانبين، و التوصل إلى اتفاقات لا يأتي على أطباق من ذهب كما يقال، و إنما عن طريق جهد يبذل و عمل مضني لإتمام الصفقات، و لذلك فنحن مطالبون بعدم استعجال النتائج في مثل هذه الأمور.