بناء الاستقرار من أجل النمو في الهند

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٤/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٣٩ م
بناء الاستقرار من أجل النمو في الهند

راغورام راجان

في جهودها الرامية إلى تحفيز الطلب من خلال انتهاج سياسات نقدية متزايدة العدوانية، كانت الاقتصادات المتقدمة تفرض المخاطر على دول الأسواق الناشئة مثل الهند. والواقع، أننا عانينا ذات يوم من ارتفاع تدفقات رأس المال إلى الداخل بسبب إفراط المستثمرين في خوض المخاطر، ثم ارتفاع تدفقات رأس المال إلى الخارج في وقت لاحق مع عزوفهم عن خوض المخاطر.
وقد استجابت الهند لهذه التقلبات الخارجية بمحاولة خلق منصة محلية من استقرار الاقتصاد الكلي لبناء النمو عليها. وتؤكد أحدث ميزانية مركزية في الهند على الحصافة المالية، فتلتزم بتعهداتها السابقة، وتستهدف تنفيذ الإصلاحات البنيوية، وخاصة في مجال الزراعة. كما ساعدت سياسة تقليص العجز والديون الحكومية في الإبقاء على عجز الحساب الجاري عند مستوى أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلاوة على ذلك، أصبح التضخم ضمن النطاق المستهدف الرسمي. وقد أنشأ البرلمان لجنة السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الهندي، والتي ينبغي لها أن تضمن دمج وجهات نظر متعددة في السياسة وتحسين الاستمرارية.
كما يتعين علينا أن نتعامل مع القروض المتعثرة لدى البنوك حتى نتيح المجال في ميزانياتها العمومية لتقديم قروض جديدة. على النقيض من الدول الأكثر تقدما، لا يوجد لدى الهند نظام إفلاس فعلي (وإن كان مشروع قانون لإنشاء نظام إفلاس حصل للتو على موافقة مجلس النواب في البرلمان). ولكن باستخدام بعض الآليات القائمة على "قرارات صادرة خارج المحاكم" والتي ابتكرها بنك الاحتياطي الهندي، وبدعم من رأس المال من الحكومة، ينبغي لدفاتر الموازنات العمومية لدى البنوك أن تكون جيدة الإعداد بحلول مارس/آذار 2017.
لعل التحدي الأصعب كان إقناع عامة الناس، الذين نفد صبرهم في انتظار النمو السريع، بالحاجة إلى ضمان الاستقرار أولا. يُقال إن النمو أكثر أهمية دوما، بصرف النظر عن المخاطر الاقتصادية التي تلوح في الأفق. ولكن برغم التركيز على الاستقرار، وظروف النمو العالمي غير المواتية، فضلا عن فترتين متعاقبتين من الجفاف (كانت أي فترة منهما كفيلة بإلقاء الاقتصاد إلى دوامة من الفوضى في الماضي)، كان النمو أعلى من 7%.
تتلخص المهمة الآن في البناء على هذه القاعدة. فللمرة الأولى منذ عشرات السنين، كان نمو التجارة العالمية أبطأ من نمو الناتج العالمي. فمع اكتساب الدول المزيد من الثراء، أصبحت الخدمات غير القابلة للتداول تشكل حصة أكبر في الناتج، الأمر الذي يجعل الناتج المحلي الإجمالي ينمو بسرعة أكبر من نمو التجارة، في حين تسببت القدرة الفائضة العالمية في المزيد من تقييد نمو التجارة. ومع اكتساب الاقتصادات المتقدمة المزيد من القدرة التنافسية، وارتقاء الصين لسلسلة القيمة، أصبح قدر أكبر من المدخلات يستمد من مصادر داخلية في كل بلد. ولكل هذه الأسباب، لن تعود قريبا الأيام الخوالي عندما كانت التجارة الهندية في السلع والخدمات تسجل نموا يتجاوز 10%.
لقد تضررت العديد من الأسواق الناشئة بفِعل انخفاض أسعار صادراتها من السلع الأساسية، ولكن أداء صادرات الهند من السلع يبدو في الآونة الأخيرة أسوأ من غيرها من الأسواق الناشئة.
ومن ناحية أخرى، كان أداء صادرات الهند من الخدمات أفضل بعض الشيء، وربما يرجع هذا إلى الطلب من الولايات المتحدة. لا شك أن هذه الاختلافات حدثت على مدى فترات قصيرة للغاية، لذا فقد لا يكون من الحكمة أن نستخلص منها أية استنتاجات ــ باستثناء أن الهند ليست وحدها في المعاناة من انحدار التجارة.
وهذا لا يمنع الهيئات الصناعية من مطالبة السلطات بأن "تفعل شيئا" ــ وخاصة من خلال خفض قيمة الروبيه. ويبدو أن قيمة الروبية انخفضت بنحو 6% في مقابل الدولار منذ بداية عام 2015. وكان من الواجب أن يساعد هذا الانخفاض في زيادة جاذبية صادراتنا من السلع، ولكنه رغم ذلك يتزامن مع ضعف أداء الصادرات نسبيا، لأن عملات أخرى انخفضت في مقابل الدولار أيضا.
ولهذا السبب يركز خبراء الاقتصاد على "سعر الصرف الفعلي الاسمي"، والذي يقارن قيمة الروبية بقيمة عملات أخرى عن طريق وزن حصتها في التجارة. وبهذا المقياس، نستطيع أن نقول إن الروبية ظلت ثابتة نسبيا منذ أوائل 2015.
وبرغم هذا، ارتفع معدل التضخم في الهند إلى مستويات أعلى من أغلب الدول الأخرى. فإذا كانت تكلفة صناعة شيء ما تعادل دولارا قبل عام واحد في الولايات المتحدة، وتكلفة صناعته في الهند 63 روبية، فإن المنتِج الهندي كان ليصبح قادرا على منافسة المنتِج الأميركي لأن الدولار يساوي 63 روبية. ولكن إذا كان معدل التضخم في الهند 5% وفي الولايات المتحدة صِفرا، فسوف تصبح تكلفة صناعة نفس الشيء على الشركة المصنعة الهندية اليوم 66.2 روبية ــ ولكن تظل التكلفة دولارا واحدا على المنافسين الأميركيين.
ومن هنا تنشأ الحاجة إلى إلقاء نظرة على "سعر الصرف الفعلي الحقيقي" أو سعر الصرف الفعلي الاسمي معدلا تبعا للتضخم. وكلما ارتفع المؤشر كلما كان انخفاض سعر الصرف للتعويض عن التضخم أقل ــ وكلما أصبحت الهند أقل قدرة على المنافسة
محافظ بنك الاحتياطي الهندي.