نشرت قبل أيام مقالتي في هذا المكان تحت عنوان: "المقاطعة ليست كوب قهوة ولا ساندويتش برجر" وقلت فيها أننا مع المقاطعة قلبا وقالبا وأنها أبسط سلاح نستخدمه لمواجهة الكيان الصهيوني الغاشم ومن شايعه، وأعود اليوم وأؤكد مرة واثنتين وعشرة وألف على المقاطعة وأنني شخصيا ما زلت مقاطع، ولكن أردت أن أشير إلى جانب كنت قد أغفلته في مقالتي السابقة ولفت نظري له بعض القراء ممن اتصلوا بي ومنهم أساتذة جامعيين أو أشخاص عاديين أو حتى بعض من يمسهم هذا الجانب بشكل شخصي، حيث أكدوا لي أن المقاطعة شيء جيد ولكن أشاروا إلى أنها في بعض الأحيان لا تطبق بطريقة صحيحة، أو أن البعض "لا يقاطع صح"، غير أن بعضهم قال بأنني لم أكن منصفا وأهملت جانب أن المقاطعة الخطأ قد تضر البعض في بعض الأحيان، وأن هناك من هم عرضة لخسارة أموال أو أعمالهم أو وظائفهم بسبب المقاطعة غير الصحيحة.
أحد الأشخاص قال لي أنها (أي المقاطعة) قد تصل في بعض الأحيان إلى درجة (أننا نقاطع أنفسنا!) فما كان مني إلا أن سألته كيف نقاطع أنفسنا؟ فقال: " يا أخي أكرر لك نحن جميعا مع مقاطعة المنتجات الصهيونية وكذلك الأمريكية والأوروبية، ولكن التي تدعم الكيان الصهيوني ونحن متأكدون من كونها كذلك أو التي تعلن صراحة أنها تدعم الكيان الصهيوني والتي يكون جزء من أموال هذا الدعم شامل لأموال دعمت من الفرع الإقليمي أو المحلي، لكن إذا كان مواطن يملك فرع لعلامة تجارية في بلادنا، وفرعه لا يدعم هذا الكيان الغاشم ولا يقدم أمولا، بل على العكس تماما هو يقدم دعمه لفلسطين وللقضية الفلسطينية، فكيف يعامل وكأنه الشركة الأم المذنبه؟!
وأردف هذا الشخص قائلا: "إذا كانت شركة عمانية وكيلة لأخرى عالمية أو لديها واحدة من العلامات الدولية الشهيرة - فرانشيز يعني- وهي فقط تحمل هذا، ولكن مصنعها (أي الشركة المحلية) في عمان، وهي تنتج في عمان، وهي ملك لمستثمر عماني، ويعمل بها موظفون عمانيون، وتنتج وتبيع في عمان، فكيف لنا أن نقاطع هذه الشركة؟! ألا ترى أننا هنا نقاطع أنفسنا، خاصة وأن مثل هذا النموذج من الشركات المحلية تعرض لأضرار و جعلتنا نسمع أن بعض العاملين بها عرضة للتسريح، وعلينا أن نتخيل الضرر اللاحق في حالة أنه تم التسريح فعلا، وآثاره على بعض الأسر وكذلك تبعاته من الأضرار اللاحقة اقتصاديا واجتماعيا".
أما أحد الأساتذة الجامعيين فاتصل بي قائلا: أنا قرأت مقالتك، واحترم وجهة نظرك بها ومقدر لها، ولكن لي وجهة نظر أريد أن أعرضها، وهي أننا إذا كنا نقاطع فلماذا نقاطع فقط بعض المطاعم والمقاهي؟ ولماذا لا نأخذ الحزمة كاملة أي نقاطع كل شيء، فلماذا لا تقاطع فيس بوك؟! ولماذا لا تقاطع الانستجرام وواتس آب وتويتر وجوجل؟!، ولماذا لا تقاطع الملابس؟، ولماذا ترتدي قميص بولو أو جاب أو مارك أن سبنسروغيرها، وضرب مثالا آخر قائلا: مررت قبل أيام في أحد المولات التجارية لشراء بعض الحاجات، فشاهدت أن هناك محل ملابس أمريكي لديه تخفيضات ما بين 20 إلى 70%، وشاهدت عدد كبير من الأشخاص (العرب والمسلمين) الذين يشترون منه، وتسائلت في نفسي ألم يقاطع هؤلاء؟ هنا علينا أن نتعامل مع الأمور بصراحة ومنطق واحد وألا نفصّل الأمور على أمزجتنا، وطال النقاش بيننا فتطرق أيضا لنفس مسألة آثار هذه المقاطعة على بعض الشركات المحلية وخسارتها وتضررها، وتضرر بعض العاملين بها وغيرها من المحاور لدرجة أنه اختتم معي قائلا: "أليست حكوماتنا العربية أدرى بالأمور أكثر منا، فلماذا لا تقاطع حكوماتنا مثل هذه الشركات ولماذا لا توقف مثل هذه الاستثمارات ولماذا لا تطرد سفراء الدول التي تدعم الكيان الصهيوني وتسحب سفراءها من دولها، إذا هناك توازن ما لابد أن يتم وهناك أمور لابد أن تراعي، أهمها المصلحة الوطنية، وألا نضر بعضنا إذا لم يكن مخطئا أو مذنبا، خاصة وأنه قد يمتد أثر ذلك على الاستثمار والاقتصاد الوطني، وانتهيت معه إلى أنني سأشير في وقت لاحق إلى هذا الجانب.
ولذا فما أردت أن أؤكد عليه مرة أخرى اليوم هو أن المقاطعة ضرورة ملحة وواجب وطني وديني وأخلاقي، وأنها أبسط الأمور التي يمكن أن نقوم بها نحن الأفراد تجاه قضيتنا الفلسطينية، وهي أبسط سلاح لنا حقا لمواجهة الكيان الصهيوني المعتدي، ولكن يجب علينا أيضا أن ننتبه وأن نقاطع بطريقة صحيحة فلا نأخذ " العاطل بالباطل" وألا نخلط الأمور وأن نحكم عقولنا في كل ما نقوم به في هذا الجانب، فإذا كانت شركة تدعم الكيان الصهيوني وممثلها المحلي يساهم في ذلك ويدعمه فعلينا أن نقاطعها وفورا، لكن إذا كانت كما يقال شركة محلية، وكيلة لعلامة تجارية عالمية، ولكن الشركة المحلية لا تدعم ذلك الكيان الصهيوني ولا تساهم في ذلك، وبالفعل هي لمستثمر محلي ويعمل بها مواطنين مثلا فهنا علينا أن نتريث وأن نحكم العقل والمنطق وأن نراعي مثل هذه الأبعاد والجوانب.