تتابع الأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر على مُجمل الاقتصادات وخاصة النامية ، وينشغل الجميع بالأمل في تزايد الاستثمارات الأجنبية ، كما هو الحال في كل أزمة مالية تمر بها الدول، وذلك لسرعة التعافي الاقتصادي باعتبار أن الاستثمارات هي المشكلة والحل ، وهي طوق النجاة للاقتصادات الضعيفة ،وأن أكبر أو جوهر معوقات الاستثمار هي مخاوف المستثمرين من تعقيد الإجراءات والسلبيات الناجمة عنها ، في مقدمتها ضعف الاستثمارات المحلية او هروبها واستسلامها أمام آليات الفساد التي تستشري مع استفحال البيروقراطية التي تديرها عقول وأفكار روتينية عقيمة ، تصرفاتها تضر أكثر مما تفيد.
والأسوأ من ذلك أن تعاني بعض الدول من الفقر في العقول الإدارية الاقتصادية المتمرسة والناضجة والقادرة على استشراف المستقبل بواقعية ، والتعاطي معه بآليات العصر الاقتصادية المتطورة، التي تصنع بيئة الصناعات الحديثة والتي هي عصب الاقتصادات المتقدمة والتي يهملها الجميع .
لأن تردي حجم الاستثمارات وهشاشة الاستثمارات المحلية وعدم نجاح المستثمر المحلي يعد أسوأ دعاية تُوصد الأبواب والمنافذ أمام تدفق الاستثمار الخارجي ، لأن حجم الاستثمارات المحلية وتوطينها ونموها وتنوعها واستمراريتها والحوافز التي تقدم لها ،هو أفضل تسويق وأقوى دعاية لجذب الاستثمارات الأجنبية ، وإعطاء شهادة الثقة في الاقتصاد وفي القائمين عليه .
وإشكاليات الاستثمار كثيرة ومتعددة وتزداد تعقيدا مع الازمات السياسية و الاقتصادية المتجددة ،التي قد نعجز عن مواجهتها:-
أولا: عندما لا تتوافر التسهيلات و التيسيرات التي نتحدث عنها كثيرا عن سهولة الاستثمار بدون أن تجد طريقها للتطبيق الصحيح أو أنها تطبق بالخطأ لتتحول إلى مجرد شعارات خالية من المعنى والمضمون، أو أنها لا تزال في إطار التأطير و التنظير، باعتبار أن الاستثمار المحلى هو أولا وأخيرا حجر الزاوية ،وله اليد العليا في مختلف القطاعات التي تبنى عليها كل الاستثمارات الجديدة ، ومساهمة القطاع الخاص ي تقديم البدائل لمواجهة المتغيرات الدولية
ثانيا :عندما لا تستقر التشريعات والقوانين لأن التغيرات المفاجئة التي تطرا على قوانين الاقتصاد وخاصة الاستثمار من العوامل القوية التي تفقد الثقة في هذه التعاملات المتقلبة أو غير المتوقعة ، بل وتنفر المستثمرين من التعامل مع هذه المنظومة التي تعرقل انسياب العمل وتعوق تدفق الاستثمار، وتضع الاقتصاد في تصنيفات التنافسية العالمية في مرتبة متأخرة .
الأمر الذي يفاقم من معاناة المستثمرين في بدء مشروعاتهم أو يعوق الاستمرار فيها والتي ينتج عنها هروب الاستثمارات وخروجها من السوق.
ثالثا :زيادة تعثر الشركات أو إغلاقها بعد أن تعجز عن الوفاء بالتزاماتها الإنتاجية والتصديرية والتزاماتها تجاه العاملين وتسريح العمال، والوفاء بمستحقات البنوك وسداد القروض ، والحاجة إلى إعادة جدولة الديون والقروض حيث يتعرض الكثير من المستثمرين للإفلاس أو للسجن.
مع خسائر بعض البورصات وعجزها عن توفير تمويل الاستثمارات وتوفير السيولة وحشد المدخرات الوطنية في ظل الأزمات الاقتصادية وإنشاء الشركات الجديدة
رابعا : المخاوف الأكبر هي التي تنتج من تراكم الانطباعات السلبية والعكسية عن المناخ والبيئة الاستثمارية المواتية ، لأنها تمثل رسائل طرد سلبية لكل من رجال الأعمال والمستثمرين في دول العالم , التي تنتقل بسرعة لأسواق المال من خلال المؤسسات المالية والمصرفية ووكالات التصنيف الدولية ،
خامسا : صعوب تغيير أو النسيان بسهولة أو على المدى القريب من المخاوف أو الانطباعات السلبية التي ترسخت في فكر وعقل المستثمرين ، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية ، والحرب على غزة ومخاوف الملاحة البحرية في البحر الأحمر وتوقف سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع معدلات التضخم غير المسبوقة وزيادة تكاليف الشحن والتأمين ، وهو ما يصعُب معه دخول استثمارات او مستثمرين جُدد
سادسا : عدم وجود عائد مجز للاستثمارات وعدم التقييم أو التقويم ، أو التصحيح لصفات ومسميات المستثمر وقدراته المادية والملاءة المالية له، و التقنيات الفنية والتكنولوجية التي يضيفها للاقتصاد ،ويعد هذا البند من أقوى عوامل الطرد وأسباب الهروب إلى الأسواق الأكثر انجذابا وتنظيما
سابعا: القصور الشديد في الخدمات والطرق والمواصلات والاتصالات والمطارات والموانئ البحرية والمنافذ البرية ،وفي قدرة الحكومات على سرعة التأهب وإجراء الإصلاحات الضرورية التي تتمكن خلالها من تخفيف آثار الركود الذي ضرب الاقتصاديات منذ فترة وباء كورونا
ثامنا: عدم وجود دوائر قضائية عمالية وتجارية متخصصة كافية إلى جانب مراكز التحكيم التجاري ، للفصل السريع في المنازعات العمالية والتجارية والاقتصادية في مجال الاستثمارات والأعمال التجارية والاقتصادية والتي قد تمتد إلى سنوات
تاسعا: ضعف إمكانيات شركات التأمين وإعادة التأمين ، لضمان تأمين الحماية ضد المخاطر التي تعطي الثقة في منظومة الاستثمار
وعاشرا: عدم مراجعة القيود على آليات التوظيف في المشاريع الاستثمارية وفقا لطبيعة كل مشروع ومتطلباته من الكفاءات من الأيد العاملة المحلية أو الأجنبية
إحدى عشر: ضعف القطاع الخاص وتراجع دوره ، ونقص المعلومات والبيانات المتاحة أمام المستثمرين والاستفادة منها في تدفق رؤوس الأموال الخارجية
الثاني عشر : إشكاليات المناطق والمدن الصناعية التي لم تصل إلى تحقيق أهدافها ميدانيا ، بما يدعم الاستثمارات والصناعات وجذب المزيد من رؤوس الأموال ، وعدم توافر التقييم أو المتابعة المستمرة للأنشطة وتعديل مساراتها ووضعها على المسار الصحيح بعد معالجة أخطاء التنفيذ
الثالث عشر : منافسة المشروعات الحكومية للقطاع الخاص واحتكار بعض الأنشطة والتخصصات وتأثير ذلك على زيادة مخاوف شركات واستثمارات القطاع الخاص
الرابع عشر: نقص الكوادر الإعلامية الاقتصادية المتخصصة القادرة على التحليل و الشرح والتبسيط للمفاهيم الاقتصادية ، والتصدي للفساد والبيروقراطية ،بما يجعل من الإعلام النافذة التي يطل منها المستثمرون أو رجال الأعمال على خريطة الاستثمارات للتعرف على الفرص الحقيقية المتاحة والمشرعات ذات الأولوية الوطنية التي ترفد الاقتصاد باحتياجاته الآنية والمستقبلية والمشاركة فيها بثقة واطمئنان .