هل نقول وداعا عام 2023 بكل سلبياته وتأثيراته السلبية التي كبلت الاقتصاديات بالديون حتى الدول الكبرى ، التي تعاني من التباطؤ في المدى القصير ،والتدهور الحاد في النشاط الاقتصادي؟.. وهل نقول وداعا للضمير العالمي الذى مات في عام 2023 بدون عزاء، مع الصمت الرهيب وازدواجية التعامل والكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية والخسائر الاقتصادية والمادية والبشرية التي اصابتها ؟.
أم أن هناك العديد من السيناريوهات المخضبة بالمخاطر الشديدة المتركزة في منطقة الشرق الوسط مع تصاعد الصراعات وتزايد التوترات، واستمرار تراجع أسعار النفط، والفشل في تحسين الظروف المعيشية، الأمر الذي قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة وإثارة الاضطرابات الاجتماعية بين دول المنطقة؟.
وبعد أن فشلت الكثير من المشروعات الاستثمارية وأغلقت المصانع أو تعثرت و التي صاحبها تسريح الآلاف من العمال بدون مصدر للدخل يكفيهم وأسرهم حاجاتهم الضرورية .
بعد أن أثرت الحرب في غزة على العالم بأسره في الفترة الأخيرة، ومن قبلها السودان وأوكرانيا تأثيرا واضحا ،في ارتفاع معدلات التضخم عالميا والارتفاع في أسعار الطاقة و السلع والخدمات بعد تأثر سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار التأمين البحري بعد تهديد الملاحة في مضيق هرمز و في البحر الأحمر وزيارة تكاليف الشحن التي تنعكس على مجمل الأسعار وتكاليف التشغيل.
وهذه الصراعات ليست الوحيدة التي اشتعلت هذا العام ،حيث تشير بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن هناك 183 صراعاً مسلحاً إقليمياً في العالم عام 2023، وهو الرقم الأعلى منذ 30 عاما ، بعد أن اعتبر بعض الحُكام بأن الحرب أداة سياسية قوية لتحقيق أهدافهم حتى غير المشروعة في السياسة والاقتصاد، أو للاحتفاظ بمناصبهم بدون مراعاة للجوانب القانونية والإنسانية والأخلاقية ، وبدوافع معقدة ومتداخلة لتحقيق أهداف القوى العظمى التي تسعى للسيطرة والهيمنة على مقدرات واقتصاديات الشعوب الفقيرة .
وحتى ولو أدى الأمر إلى الإبادة الكاملة للبشر كما يحدث في غزة التي تعرضت للإبادة الجماعية والتدمير الكامل لبنيتها الأساسية وكل مرافق الحياة التي تحتاج إلى المليارات لإعادة الإعمار حيث تقدر الخسائر الاقتصادية الأولية المباشرة للإعمار في غزة بسبب الحرب 11 مليار دولار ، بخلاف 12 ملياراً خسائر غير مباشرة لتظل فلسطين حتى الآن - الدولة الوحيدة المحتلة في العالم - من الأماكن الأكثر عنفاً ضد البشر ودمارا وتدميرا اقتصاديا مُمنهجا ، والتي لم يشهد العالم ويلاتها منذ الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن عام 2023 قد شهد عددا من الصراعات الإقليمية و المواجهات بين دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي تفاقمت لديهم مشاكل الديون فأمريكا أكبر اقتصاد في العالم- بمفردها- عليها ديون تفوق 33 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى انهيار بنوك أميركية كبرى، بسبب خلل هيكلها التمويلي الذي بُني على أسعار فائدة منخفضة ، وانعكاس ذلك مباشرة على البنوك المتعاملة معها في كل دول العالم
وبعد أن ارتفعت في عام 2023 أسعار الفائدة، في السوق الأميركية، وأثر ذلك سلبيا وبشكل كبير على أسواق المال العالمية ، ورفع من تكلفة التمويل في العديد من الدول النامية والصاعدة ، حتى أصبحت الديون تشل اقتصاديات البلدان الفقيرة ، مع تعرضها بدرجة كبيرة لمخاطر العجز عن سداد الدين.
وخاصة أن المكون الاقتصادي العربي هشا في كثير من الدول، التي تعانى من أزمات اقتصادية واجتماعية خلال عام 2023، بسبب النزاعات المسلحة، وسوف تمتد أو ترحل تلقائيا إلى عام 2024، مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال والعراق.
وإن كانت حدة المشكلة تختلف من بلد إلى آخر، إلا أتها تمثل مخاطر متجددة على الاقتصاد العربي وهو يودع عام 2023 ومستقبلا العام الجديد بهذا الزخم من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الذي ينعكس على دخل المواطنين ومستوى معشبتهم الذي يتأثر من السيء إلى الأسوأ ويفقدهم مقومات الحياة الاقتصادية الكريمة .