مسقط - الشبيبة
ألقت الأزمات الاقتصادية المتتالية بظلالها القاتمة على أسواق العمل ، وغرست فيه إشكاليات متعددة، فشلت معظم الدول خاصة العربية في مواجهتها ، بعد موجات تسريح العمال الجماعية و المتوالية والتخفيضات في الأجور بنسب متفاوتة ، ونتج عن ذلك مشكلات تتفاقم يوما بعد الآخر ،بعد عجز معظمهم عن الوفاء بالتزاماتهم وتعرضهم للسن والتوقيف والمساءلة القضائية ، مع وجود طوابير الباحثين عن عمل التي تتزايد كثافتها عاما بعد آخر، مضافا إليها جحافل الخريجين من مراحل التعليم بمختلف مستوياتها، وتزايد الجرائم والإقبال على المواد والمؤثرات العقلية والمخدرات بكل أنواعها هروبا من الواقع المعاش وتأثر المجتمعات والأسر والأفراد من ذلك، الأمر الذي انعكس بالسلب عل أنشطة و شركات القطاع الخاص ،التي قد يصاحبها المحاولات الحكومية البطيئة والضحلة لحل مشاكل الباحثين عن عمل، في ظل المتغيرات والأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية، وما أفرزته من تحديات على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث تشير أحدث تقارير منظمة العمل الدولية إلى فجوة الوظائف وأن نسبة الباحثين عن العمل والعاطلين في البلدان مرتفعة الدخل تبلغ 8.2 % ، فيما تصل إلى أكثر من 21 % في البلدان منخفضة الدخل الأمر الذ ي يتطلب وقفة من قبل المنظمات الدولية والنقابات العمالية لحماية حقوق العمال وحقوق الشركات لدفع القدرة على التوظيف في القطاع الخاص ، من خلال بدائل تواكب المستجدات والمتغيرات الدولية التي تفرضها الأزمات الاقتصادية ، بعد الغياب أو التغيب شبه التام للدور الحكومي في التوظيف ، وحدوث الفجوات الكبيرة في سياسة الحماية الاجتماعية لدى البلدان النامية
وتمادي القطاع الخاص- بدون ضوابط - في التخلص من الأيد العاملة المحلية والوافدة بطرق تعسفية بالتسريح والفصل أو تقليص الرواتب بنسب متفاوتة، وما نتج عنه من زيادة المنازعات العمالية، وتأخر الفصل في القضايا ، وتعرض الكثير من العمال لأمرض الاكتئاب والانطواء بعد تعثرهم ماديا وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية و احتياجهم للتعليم والعلاج والخدمات ، ولكن استطاعت بعض الإدارات الذكية في الشركات الأوروبية – حتى في ظل أزمة كورنا أن تحتفظ بالعمالة التي لديها ، وقد أعلن مدير شركة سيمنس الألمانية أن الشركة لن تستغنى عن عمالها الماهرة لتوفير النفقات باعتبار أن ذلك أقل في التكاليف لو بحثت عن عمال جدد ليس لديهم خبرات المسرحين ، لأنهم يحتاجون إلى وقت وجهد حتى يكتسبوا الخبرات التي تؤهلهم للعمل المنتج ، وهم بذلك أكثر تكلفة ، وقد استفادت الشركة كثيرا من هذا القرار لأن صادراتها تضاعفت بعد زيادة إنتاجها عندما احتفظت بالعاملين لديها وانطلقت بهم في كل خطوط الإنتاج ،في ظل تعثر الآخرين الذين تخلصوا من العمال بغرض تفيض التكاليف ، كما أنها خففت بذلك من مشاكل المسرحين والمفصولين ، بعد تعاملها بذكاء مع المستجدات والمتغيرات الدولية ،
خاصة في ظل الافتقار إلى وجود صناديق استثمارية لصالح العمال، تضمن لهم المستوى اللائق من الحياة لهم ولأسرهم عند طردهم من العمل، خاصة مع عجز الحكومات أمام ضائقة الديون التي كبلت معظم الدول وحجمت دورها عن وضع حزم التحفيز الشاملة التي تُمكن من عودة الانتعاش الاقتصادي وتحريك الأسواق، لأن زيادة الاستثمار ستحقق فوائد اقتصادية واجتماعية وتوظيفية كبيرة وتُضيق فجوة التوظيف العالمية، وهذا يتطلب تطوير تشريعات العمل لتحسين العلاقة بين أطراف الإنتاج ، وضمان توازن المنافع المتبادلة ، في ظل ما فرضته التكنولوجيا الحديثة من أنماط جديدة في الأعمال، أدت إلى إيجاد علاقات عمل غير تقليدية بآليات جديدة، تقل فيها بشكل كبير الحماية القانونية للعاملين، وتزايد اضطراب العلاقة بين الأطراف ،التي تواجه العديد من التحديات المعقدة، التي تعاني منها أسواق العمل في معظم الدول ومنها العربية،. التي تفتقد إلى الآليات المُشتركة لتوفير البيانات والمعلومات والدراسات المتعلقة بأسواق العمل واحتياجاتها ، التي تساعد على ربط وتكامل الأسواق ، ومساعدة المسؤولين على وضع خريطة طريق، لاستيعاب فائض الأيدي العاملة من الجنسيات العربية ، في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،التي تُوجب اعتبار موضوع التدريب وبرامج التأهيل المهني أحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة على المدى البعيد ، التي يمكن أن تكسر الفجوة بين مخرجاتِ التعليم ومتطلبات أسواق العمل، و تعزز من القدرة التنافسية للعامل العربي، والتي تجعل من أفراد الأسرة جميعا طاقة إنتاجية فاعلة من خلال المهن والأعمال التي تضيف سلعا ومنتجات جديدة يحتاجها السوق ، ويستغني بها عن الاستيراد الخارجي، خاصة مع توافر وسائل وأساليب التدريب الإلكترونية المتطورة ، التي تساعد في تنمية المهارات والقدرات والابتكارات، وتخلق مناخاً ملائماً لجذب ونجاح الاستثمارات ،و تحسن في الوقت ذاته من أداء الموظفين، لتجنب الفصل التعسفي بقدر الإمكان والحفاظ على جودة ومرونة قوة العمل، وكلها من معاول التقدم في الدول الصناعية ، التي تركز على برامج التأهيل والتدريب المهني خدمة لأطراف الإنتاج، من خلال التطوير المستمر لمناهج التعليم والتدريب لتواكب متطلبات السوق وأنماط التشغيل الحديثة، وهذا لا يتأتى إلا من وجود شراكة حقيقية بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات القطاع الخاص، والاهتمام بالمهن المرتبطة بالاقتصاد المعرفي وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إلى جانب تكريس ثقافة العمل الذاتي، لتشجيع جيل الشباب على العمل الحر، والحد من البطالة المتزايدة والمتراكمة التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا على كاهل الحكومات.