مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي بوتيرة متسارعة، ساهمت التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وشبكات الجيل الخامس في تغيير طريقة عيشنا وتعلمنا وعملنا وتواصلنا مع بعضنا البعض. ومع توجه العالم بشكل متزايد نحو الاستفادة من التقنيات الرقمية، يبدو جلياً أن إمكانية الوصول إلى الإنترنت والمهارات التقنية محوران مهمان قد يربك عدم الاهتمام بهما مسارات التقدم التقني ويتركان شرائح بشرية غير قليلة خلفه. وعلى الرغم من الإنجازات المتسارعة التي تحرزها التكنولوجيا، تشير آخر لإحصائيات أنّ ثلثي سكان العالم فقط يستخدمون الإنترنت بينما لا يزال 2.7 مليار شخص من دون اتصالٍ بالإنترنت. وتؤدي هذه الفجوة الرقمية إلى تفاقم انعدام المساواة بين فئات مجتمعية عديدة، وعرقلة مسار التقدم البشري، وتقويض جهود التنمية المستدامة. ولهذا ينبغي أن يكون ردم تلك الفجوة من خلال الشمول الرقمي أولويةً رئيسية للمجتمع الدولي بما في ذلك دول الشرق الأوسط.
الشمول الرقمي يعني تكافؤ فرص الأفراد والمجتمعات في الحصول على التكنولوجيا، وامتلاك المهارات والقدرات اللازمة للتعامل معها بالكفاءة المطلوبة، وفوق ذلك كله اعتبار حق الوصول للانترنت حقاً أساسياً للجميع، بعيداً عن كونه رفاهية مضافة. وهذا يعني أن تكون التكنولوجيا متاحة للاستخدام عالمياً بغض النظر عن العمر، أو الدخل، أو التعليم، أو الجنس، أو القدرات. ويعدّ الشمول الرقمي أمراً ضرورياً لفتح آفاقٍ جديدة، وتحسين نوعية الحياة، وتمكين الجميع من المشاركة والاستفادة من إمكانات العصر الرقمي.
لا تزال تكاليف الوصول للبيانات والحصول على الأجهزة الرقمية باهظة بالنسبة للعديد من فئات المجتمع ذات الدخل المنخفض الذين بلا شك سيساهم وصولهم للتكنولوجيا بإحداث فرق ملموس، حيث يتيح ذلك لهم الوصول إلى المعلومات الحيوية والتعليم والخدمات الأساسية وفرص تحسين الحياة مثل العمل عن بعد. ويمكن حتى لمستويات الاتصال الأساسية عبر الهاتف المحمول أن تغير حياة الأشخاص من خلال ربطهم بخدمات الرعاية الصحية الحديثة والحلول المالية وغيرها.
ولا تقلّ المهارات الرقمية أهميةً عن الاتصال بالإنترنت لتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات التكنولوجيا. ذلك أن امتلاك مهاراتٌ محددة مثل المعرفة الإعلامية، ومهارات الاتصال، والتفكير النقدي، وإنشاء المحتوى يتيح للأشخاص أن يصبحوا ملمّين ومساهمين رئيسيين في مستقبل العالم الرقمي. كما تساهم البرمجة وتحليل البيانات والمهارات التقنية في تمكين الابتكار وتوفير الوظائف في الاقتصادات القائمة على التكنولوجيا. وحتى المهارات الرقمية الأساسية يمكنها أن تساعد كبار السن وذوي الإعاقة والأفراد في الأماكن النائية على استخدام الأجهزة والخدمات عبر الإنترنت لإنجاز المهام اليومية وتحقيق استقلالية أكبر في حياتهم.
خلال فترة جائحة "كوفيد-19"، كان الاتصال الرقمي بمثابة شريان الحياة لاستمرار الوصول إلى كل شيء - بدءاً من المساعدات الحكومية وحتى التطبيب عن بُعد - عندما تعطلت القدرة على تقديم هذه الخدمات بشكلٍ شخصيّ. ويقول الخبراء إنه حتى في عالم ما بعد الجائحة، تواصل الحكومات لعب دورٍ رئيسي عبر خططها الوطنية لشبكات النطاق الترددي العريض، وبرامج محو الأمية الرقمية، والسياسات العامة التي تحفز شركات التكنولوجيا على سد الفجوات الرقمية. وتهدف الشراكات - مثل الشراكة مع الاتحاد الدولي للاتصالات، ولجنة النطاق العريض المعنية بالتنمية المستدامة التابعة لليونيسكو - إلى تعزيز الشمول الرقمي.
ويتطلب بلوغ الإمكانات الكاملة للتقنيات الرقمية التركيز المكثف على تحقيق الشمول الرقمي والمساواة. ويتعين على قطاعات الأعمال والحكومات والمجتمعات المدنية أن تعمل يداً بيد على جبهات متعددة أهمها تعزيز البنية التحتية، الأمر الحيوي لتوفير الاتصال الشامل بأسعارٍ معقولة، وكذلك تبني السياسات اللازمة لتسهيل الوصول إلى الأجهزة. ويجب أيضاً أن تتماشى المناهج والبرامج التدريبية مع احتياجات الاقتصاد الرقمي، وأن تركز آليات تنمية القوى العاملة على إعادة تأهيل أولئك الذين جعلتهم الأتمتة من دون عمل، كما ينبغي الاستفادة من التقنيات المساعدة لزيادة إمكانية الوصول.
وهناك بالفعل أمثلة ساطعة على مساهمة الشمول الرقمي في إثراء الإمكانات البشرية أذكر منها تجربة بنغلاديش في مجال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول من بي كاش (bKash) التي ساهمت بسرعة التعافي من الأعاصير والفيضانات عبر إتاحة التوزيع السريع للمساعدات. بالإضافة لخدمات مالية قدمت للملايين في المناطق الريفية التي كانت مستبعدة سابقاً. كما أن برامج تدريب الفتيات والنساء والفئات المهمشة الأخرى على المهارات الرقمية فتح أمامهن الأبواب للوصول إلى فرص التعليم والعمل. وساعدت تطبيقات القراءة ضعاف البصر في الوصول إلى المحتوى عبر الإنترنت.
وتضطلع شركات التكنولوجيا العالمية بدور محوري في هذا المجال. وتعدّ شركة هواوي مثالاً جيداً في مجال دعم جهود تعزيز الشمول الرقمي الأوسع عبر برنامجها TECH4ALL، حيث تعاونت عام 2022، مع أكثر من 40 شريكاً، بما في ذلك منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وحققت تقدماً كبيراً ضمن إنجازات المحاور الأربعة للبرنامج وهي التعليم، والبيئة، والصحة، والتنمية.
ترى اليونسكو أن التعليم الجيد هو حق أساسي لجميع الأفراد طوال الحياة، وتنسق جهودها مع هواوي لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (التعليم الجيد)، حيث تتعاون الشركة مع شركائها لاستخدام حلول تقنية المعلومات والاتصالات المبتكرة وتمكين الوصول المتكافئ إلى التعليم الجيد بهدف تسخير قوة التكنولوجيا وزيادة تغطية شبكات الاتصالات بما يسهل وصول الأفراد إلى الموارد التعليمية عالية الجودة. وتسعى الشركة إلى مساعدة المزيد من الأشخاص على اكتساب المهارات الرقمية اللازمة لتحسين جودة التعليم وتحفيز التطور الوظيفي ونهج الابتكار التقني. واستفاد من مبادرتها "التقنية للجميع" TECH4ALL أكثر من 600 مدرسة وما يزيد على 220 ألف شخص من المعلمين والطلاب والشباب الباحثين عن فرص العمل وكبار السن.
على مستوى السلطنة، وفي إطار التزامها برعاية مواهب تقنية المعلومات والاتصالات، أنشأت هواوي في عمان مركزاً إقليمياً للتدريب في مجال تقنية المعلومات والاتصالات بالتعاون مع عمانتل لدعم تنمية المواهب في السلطنة. وتعاونت العام الماضي مع وزارة العمل وعمانتل لتنظيم نهائيات مسابقة تقنية المعلومات والاتصالات الإقليمية في مسقط. وجاء ذلك في إطار المبادرة الوطنية لتأهيل الكفاءات الرقمية (مكين) وبالتزامن مع اختيار مسقط العاصمة الرقمية العربية لعام 2022 ، حيث تؤكد مثل هذه البرامج والمبادرات الأثر الإيجابي الفاعل لتعاون القطاعين العام والخاص على مستوى عدم تخلف أحد عن ركب العصر الرقمي. وتعتبر المساواة والشمول الرقمي حجر الأساس لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً وقوة واستدامة للجميع.
مع استمرار تطور التكنولوجيا، يجب أن يبقى الشمول الرقمي عنصراً أساسياً في سياسات التنمية والاستثمار. ولا بد في هذا السياق من توفير البيئات التمكينية، والتعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين، وتبني رؤية مشتركة في خلق الفرص الرقمية للجميع حتى نتمكن من سد الفجوات الرقمية، وتحقيق الإمكانات الكاملة للشمول الرقمي بما يساعد المجتمعات على المضي قدماً نحو التنمية المستدامة.