يعتبر ضمان جودة التعليم العالي أحد الأركان الحيوية لتحقيق رؤية عمان التي تستهدف بناء مجتمع رقمي قائم على المعرفة. وبالتماشي مع تحقيق هذا الهدف، حددت الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في السلطنة بعض الخطوات الأساسية على طريق تعزيز جودة التعليم العالي في البلاد. ويتمحور أهمها حول تعزيز فرص التوسع في عقد شراكات بنائة مع مختلف المعنيين بموضوع إعداد الكوادر الشابة، منها على سبيل المثال الشراكات بين القطاعين العام والخاص بهدف تحسين مخرجات تنمية المواهب، وهو أمر ضروري على صعيد تحديث المناهج ومواءمتها مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية لقطاع التكنولوجيا وسوق العمل وتطلعات مختلف أفراد المجتمع ورواد الأعمال.
تتيح الشراكات مع مختلف القطاعات للطلاب فرص التعلم والتدريب العملي والتعاون في مجال البحث العلمي والمشاركة المجتمعية. على سبيل المثال، يمكن للطلاب من خلال العمل مع القطاعات والمجتمعات المحلية التعرف على مشكلات وحلول الأسواق المحلية على أرض الواقع، وتطوير وصقل مهاراتهم بما يتناسب مع الاحتياجات الحالية والمستقبلة للسوق. ويمكن لمثل هذه الشراكات أيضاً أن تساعد المؤسسات الأكاديمية على مواكبة الاحتياجات المتغيرة للمجتمع والاقتصاد على ضوء التحول الرقمي المتسارع، والتأكد من أن برامجها تتسم بالمرونة والتكيف وسرعة الاستجابة لهذه التغيرات.
ويمثل هذا الأمر قدراً كبيراً من الأهمية في قطاع التكنولوجيا، الذي يواجه نقصاً حاداً في مهارات تقنية المعلومات والاتصالات. ووفقاً لدراسة حديثة، أشار 61% من صناع القرار في هذا المجال على مستوى العالم إلى مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجه قطاع التكنولوجيا. وللتغلب على هذه المشكلة، بدأت شركات التكنولوجيا الرائدة في إطلاق مبادرات خاصة في مجال تنمية المواهب التقنية تعمل على سد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والجانب العملي واحتياجات سوق العمل.
في السلطنة، كانت هواوي، الشركة العالمية العملاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، سباقة ورائدة في هذا المجال، إذ أبرمت شراكة مع حكومة السلطنة وعدد من المعاهد التعليمية والشركات الرائدة في القطاع للمساهمة بشكل مشترك في دعم تحقيق رؤية عمان 2040. وأسست أكاديمية هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع أنحاء السلطنة بالشراكة مع الجامعات المحلية، والتي تعمل على تعريف الطلاب بأحدث التقنيات، وتتيح لهم الفرصة للحصول على شهادات معتمدة في هذا المجال، وتعزز قدرتهم وفرصهم للتوظيف والعمل. ويبلغ عدد الطلاب الذي تدعمهم أكاديميات هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 45,000 طالب سنوياً في السلطنة.
يمثل تأسيس الجامعة الوطنية لكلية التكنولوجيا المتقدمة إحدى المبادرات المهمة والمستقبلية التي تهدف إلى رفع جودة التعليم العالي في البلاد من خلال التكامل الاستراتيجي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتستعد هذه المؤسسة التعليمية المتخصصة لتكون بمثابة منارة للابتكار والخبرة في مجال التعليم القائم على التكنولوجيا. وستعمل هذه الكلية على تمكين الطلاب بالمهارات والمعارف اللازمة للتفوق في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال توفير البرامج المتطورة والبنية التحتية الحديثة والمناهج الدراسية المتوافقة مع المتطلبات المتطورة للعصر الرقمي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تساهم هذه المبادرة في تحفيز البحث والتطوير العلمي في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتعزيز الشراكات بين الجانبين الصناعي والأكاديمي، وتعزيز مكانة السلطنة كمركز إقليمي للتميز التكنولوجي، بما يساهم في نهاية المطاف في رفع مستوى التعليم وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة في البلاد.
إن تطوير مناهج حديثة تواكب تطورات قطاع تكنولوجيا المعلومات وتزود الطلاب بالمهارات العملية والمعارف اللازمة لأسواق العمل الحالية والمستقبلية من شأنه أن يعزز جودة التعليم العالي في السلطنة. وبالتالي فإن هذا الأمر يتطلب مراجعة منتظمة للمناهج الدراسية، والتعاون مع الخبراء في هذا المجال، ودمج التقنيات الناشئة في عملية التدريس والتعلم. وعند القيام بذلك، يمكن للخريجين أن يكونوا مستعدين جيداً لتلبية متطلبات القوى العاملة ولديهم ميزة تنافسية في سوق العمل.
في وقت سابق من العام الجاري، أعلنت الحكومة عن دعم برنامج شهادات شركة هواوي للسنوات الخمس المقبلة، بما يساهم في تسريع تطوير الجيل القادم من مواهب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأعلنت الوزارة أيضاً عن برنامج تحفيزي للطلاب العمانيين الذين حصلوا على شهادة "مساعد هواوي المعتمد في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" أو "خبير هواوي المعتمد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات". بالإضافة إلى ذلك، ستقوم عمانتل بتزويد الطلاب بحوافز مالية بقيمة 450 ألف دولار لمدة خمس سنوات.
عامل آخر يؤثر على جودة التعليم العالي يتمثل في أعضاء هيئة التدريس، إذ يعد وجود هيئة تدريس قوية ومؤهلة أمراً ضرورياً لتقديم تعليم عالي الجودة، وإجراء أبحاث مؤثرة، وتعزيز ثقافة الابتكار والفضول الفكري. ولذلك، فإن الاستثمار في برامج تطوير أعضاء هيئة التدريس، وتشجيع الأنشطة البحثية، وتوفير الفرص لأعضاء هيئة التدريس للبقاء على اطلاع دائم في مجالات تخصصهم والمشاركة في البحوث متعددة التخصصات والمنشورات العلمية يمكن أن يسهم في رفع الجودة الشاملة لمؤسسات التعليم العالي وخلق بيئة أكاديمية أكثر حيوية.
جودة التعليم العالي تعتمد أيضاً على طريقة التقديم وتجربة التعلم. وعلى ضوء تسارع تطور التقنيات المتقدمة والمتطلبات الرقمية للعملاء الجدد، هنالك حاجة إلى وجود نهج جديد لتقديم التعليم، يركز على التعلم والدعم الذي يتمحور حول الطالب ونهج الرقمنة المتقدم.
إن توفير أحدث المرافق والتقنيات الحديثة والتعلم عبر الإنترنت أو موارد الفصول الدراسية الذكية يمكن أن يعزز تجربة التعلم بشكل كبير. كما أن الاستثمار في تأسيس وتطوير المختبرات والمكتبات والبنية التحتية الرقمية الحديثة يدعم منظومة التدريس والبحث والتعاون الفعال. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي دمج منصات التعلم الإلكتروني والفصول الدراسية الافتراضية إلى تمكين التعليم المرن وسهولة الوصول إليه، لا سيما في مواجهة التحديات غير المتوقعة مثل جائحة كوفيد-19. كما يتيح التعلم الإلكتروني للطلاب أيضاً فرص الوصول إلى دورات متنوعة وعالية الجودة من أي مكان على مستوى العالم.
أحد الأمثلة الهامة على كيفية دعم التكنولوجيا لجودة التعليم هو الشراكة القائمة بين هواوي وعمانتل، المزود الرائد لخدمات الاتصالات المتكاملة في السلطنة. إذ قامت الشركتان بإنشاء مركز إقليمي للتدريب في مجال تقنية المعلومات والاتصالات لدعم تنمية المواهب في السلطنة. ويهدف المركز إلى تحفيز نهج الابتكار وبناء قدرات الكوادر الشابة على المساهمة بتطوير التقنيات الجديدة بشكل أكبر لدفع عجلة التحول الرقمي في السلطنة ومسارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالتماشي مع تحقيق رؤية عمان 2040. ويتضمن المركز الذي يقع مقره في المبنى الرئيسي لشركة عمانتل في مسقط، مرافق تقنية متعددة منها قاعة معارض عمانتل للجيل الخامس، وقاعة المعارض الافتراضية للمقر الرئيسي لهواوي على الإنترنت وأكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات في السلطنة. كما سيتعاون المركز مع جهات أخرى مثل مركز البحوث والابتكار وقاعة معارض الدقم للجيل الخامس.
يعد وضع آليات قوية لضمان الجودة والالتزام بمعايير الاعتماد المحلية والدولية أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على جودة التعليم العالي وتحسينها. وتساعد التقييمات المنتظمة، وعمليات تدقيق الجودة الداخلية، ومراجعات الاعتماد الخارجي، المؤسسات على تحديد مجالات التحسين وضمان الالتزام بمعايير التميز المعترف بها عالمياً.
لطالما أبدت السلطنة التزاماً قوياً بتحسين جودة التعليم العالي، مثل التعليم في الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، من خلال دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل فعال في المشهد التعليمي. ونجحت السلطنة من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومنصات التعلم الإلكتروني، والموارد الرقمية، وبرامج تطوير أعضاء هيئة التدريس، في تحديث نظام التعليم العالي. ولم يؤد هذا التكامل إلى تعزيز إمكانية الوصول إلى التعليم ومرونته فحسب، بل عزز أيضاً البحث والابتكار والتعاون العالمي والكفاءة الإدارية.
جهود السلطنة وتفانيها في الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل التقدم التعليمي يؤكد تطلعاتها لتوفير تجربة تتسم بالجودة العالية والتنافسية العالمية في مجال التعليم العالي تتوافق مع متطلبات العصر الرقمي، وبما يساهم في نهاية المطاف في دفع عجلة النمو الاجتماعي والاقتصادي للسلطنة واستدامتها وتنميتها.
ضمان جودة التعليم العالي أمر حيوي على طريق تحقيق رؤية عمان الطموحة في أن تصبح مجتمعاً رقمياً مستداماً قائماً على المعرفة. ومن خلال التوسع في إبرام الشراكات المنفتحة ومزيد من جسور التعاون مع مختلف القطاعات، بالتوازي مع تحديث المناهج ومواءمتها مع احتياجات سوق العمل، يمكن لمؤسسات التعليم العالي تحسين مخرجات تنمية وتطوير المواهب والمساهمة بفاعلية في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في السلطنة.