مسقط - خالد عرابي
احتفالاً بالعيد الوطني الـ 53 المجيد لسلطنة عمان، عرض مقهى موماز MOMAZ بفرعه في مدينة الإعلام مخطوطة تاريخية نادرة تعود إلى عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، وذلك خلال الفترة من يوم 18 نوفمبر حتى 30 نوفمبر، وكانت قد حصلت على هذه المخطوطة مهرة بنت الزبير الشريك المؤسس للمقهى من ميدان هارفارد بولاية ماساتشوستس الأمريكية، ومن أهم ما يميز هذه المخطوطة أنها أصلية وفريدة، كما أنها تمثل حقبة تاريخية مهمة من التاريخ العماني المجيد، وكذا العلاقات العمانية - الأمريكية.
تستذكر مهرة تاريخ وكيفية حصولها على هذا الكنز التراثي الثمين فتقول: "في مساء شديد البرودة من عام 2014 وبعد نهاية يوم دراسي، وفي وسط ميدان هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية، شاهدت وزميلي - الصديق العزيز- صادق مبنى معلق عليه لافتة كُتِب عليها "الجَزائر".
فقررنا الدخول واكتشفنا بداخله مقهى ذو طابع شرق أوسطي. سعدنا جدا بذلك، وشعرنا كأننا وجدنا كنزًا... حيث كان كذلك حقًا.
وتضيف مهرة: "أتذكر ملامح المكان حيث كانت جدران المقهى مطلية بلونين أحمر وأصفر، والطاولات والكراسي خشبية، وآلة صنع القهوة القديمة موضوعة عند المدخل، وكان الجو مريحاً وحيويًا. شعرتُ وكأنه موطن للكثيرين.
هناك، رحَّبت بنا سارة -التي تعمل بالمقهى- بحفاوة وطلبت منا الجلوس. ثم حدَّثتنا عن المقهى "الجزائر" ومالكها "إميل درزي"، وهو فلسطيني هاجر منذ 50 عاماً إلى دولة الجزائر ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وأخبرتنا سارة في ذلك اليوم بأن "إميل" كان قد غادر المقهى في تلك الليلة قبل وصولنا إليه ببضع دقائق، وأننا بالتأكيد سيمكننا أن نلتقي به إذا أتينا إلى المقهى في أي يوم آخر.
في اليوم التالي، ذهبتُ إلى "الجزائر" ورأيت صادق جالس هناك مع رجل كبير السن - اتضح بأنه إميل درزي. فتقدمت إلى إميل وعرَّفته بنفسي. وعندما سمع بأنني من عُمان، وقف بكل قوته، على الرغم من ضعف حركته، وأنزل إطاراً كان معلقاً خلف طاولتنا مباشرةً، فناولني الإطار وأشار إليه. أمعنتُ النظَر فيه، وبدهشة بالغة، وجدتُ نفسي أحمل رسالة خطَّها السلطان سعيد بن سلطان الذي حكَم عُمان في الفترة من عام 1804م إلى 1856م، حيث كانت تلك الفترة حاسمة في التاريخ العماني بأن شهدت البلاد نمواً كبيراً في عهده، حيث تضمَّنت إرسال أول مبعوث عربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
كان إميل إنسانًا لطيفًا، وأتذكر أنه دعانا إلى منزله لرؤية مجموعته من الكتب. كان لديه واحدة من أولى ترجمات القرآن الكريم باللغة الإنجليزية. لقد كانت فعلاً لحظة رائعة حين حمَلتُ الكتاب بين يدي.
على مر السنين، تشكلت رابطة قوية بين إميل وصادق أشبه بالعلاقة التي تربط الأب بإبنه. فحين عانى إميل من المرض، وقف صادق إلى جانبه، واعتنى به بكل الطرق التي يمكن تخيلها إلى اللحظة التي دفن فيها إميل وانتقل الى مثواه الأخير في عام 2018م.
قُبيل وفاة إميل بأيام، أخبر صادق بأنه يريدني أن أحصل منه على رسالة السلطان. لقد كان لي الشرف والامتنان أن أُعهَد بمثل هذه الجوهرة التاريخية الثمينة. بعد إستلامها في عام 2018، أخذتُها إلى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عُمان للتأكد من صحتها. فقام المسؤولون هناك بإخراجها من إطارها لفحصها، وبمجرد أن تيقنوا بكونها رسالة أصلية حقيقية كتبها السلطان سعيد بن سلطان، همُّوا بسؤالي عن كيفية تمكني من الحصول على الرسالة، وأين كانت؟ وكيف؟
فأجبت السائل بقولي:"هل تصدق لو قلت لك بأنها كانت معلقة في مقهى في أمريكا"؟!
وعن كيفية حصول إميل عليها: قالت أخبرني بأنه حصل عليها من مزاد للمقتنيات النادرة والثمينة في أمريكا في فترة السبعينيات، وعلقها بالمقهى لعشرات السنوات والتي فاقت أربعون عاما معلقة بالمقهى.
وتؤكد مهرة على السبب الذي جعلها تعرض هذه الوثيقة التاريخية في مقهى موماز، فتقول: أردت أن أؤكد على أن المقهى ليس مكانا لبيع القهوة فحسب، فالمقهى يمكن أن يكون مكانا للثقافة والفنون، وكما نعلم جميعا أن كثير من كبار الصالونات كانت تعقد في المقاهي، كما أنني أردت الربط بين فكرة عرضها في مقهى "الجزائر" بأمريكا على يد إميل درزي، ومن ثم فها أنا أعرضها في مقهى موماز بعمان لتكون فرصة للكثيرين للاطلاع عليها، وليتذكروا كيف كان لمقهى أن يطلعهم على وثيقة تاريخية ثمينة من تاريخ عمان العظيم.
فهذه الرسالة التاريخية التي كانت معلقة بأناقة في مقهى بوسَط ميدان هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من 40 عاماً، يتم عرضها اليوم بكل فخر في أحد المقاهي العمانية وفي موطنها الأصلي في العاصمة العُمانية مسقط، وأصبحت متاحة لكل مواطن عماني ومقيم على أرض السلطنة يزور المقهى أن يطلع جزء مهم من تاريخه، وأن يقرأ الرسالة ويطلع على نوعية الكلمات والجمل والعبارات التي تحمل ثراء ثقافي والتي كانت تنتقى وتختار بعناية فائقة في مثل هذه النوعية من الرسائل التاريخية، كما أن عرض هذه المخطوطة والوثيقة التاريخية في مقهى موماز يعكس ويبين الخلفيات الثقافية للفريق الذي وراء هذا المقهى فكلانا أنا و أخي عبدالله وحبنا للتراث والثقافة العمانية، وأن علينا مسؤولية شخصية تجاههما وأن نحافظ عليهما، ففكرة مقهى موماز كلها مستلهمة من التراث العماني، وحتى لوجو المقهى مستلهم من التضاريس العمانية وخاصة من النخلة والواحة وقمة الجبل وهو مقهى عماني ونحن نفتخر بهذا ونعتبر كل من يدخل هذا المقهى جزء من عائلة موماز.
أما عن فكرة إنشاء مقهى "موماز" فتقول مهرة: استلهمت الفكرة في الفترة التي أمضيتُها في أمريكا، حيث اكتشفتُ حبي للقهوة، كما كانت نابعة أيضا من رؤية أخي عبدالله المتعلقة بالارتقاء بسوق المأكولات والمشروبات في عمان. كما استلهمنا موماز من الرغبة في إيجاد مكان في عُمان يوفر للمجتمع مساحة نابضة بالحياة للاجتماع مع العائلة والأصدقاء وتقديم أفضل المنتجات. واليوم وبعد مرور خمس سنوات على عمر هذا المقهى بفرعيه في مدينة الإعلام، وعمان مول، فنحن فخورون بكوننا علامة تجارية متجذرة في الرغبة الجادة في منح بلدنا أفضل ما نستطيع والنمو دولياً كعلامة تجارية عمانية.
وعن أهمية هذه الوثيقة التاريخية قالت مهرة: هذه الرسالة تبين روح المجازفة للتاريخ العماني، كيف وصل العمانيون إلى الولايات المتحدة في مرحلة مبكرة جدا، كما وصلوا للشرق والصين في فترات أبعد، كما أنه ربما أن هذه الوثيقة التاريخية تجعلنا نفكر بروح أنه ربما يكون هناك وثائق تاريخية عمانية أخرى وبهذا المستوى وهذه القوة لم يتم التوصل أو العثور إليها بعد.
وأختتمت مهرة قائلة: " أرى شغف الاستكشاف وإرادة للنمو في هذا التاريخ الذي بإمكانه أن يكون مصدر إلهام للتقدم في زمننا الحالي. والتقدم يأتي بالمثابرة والعزيمة في سبيل الوصول إلى أفق جديدة في جميع المجالات التي بإمكانها أن تفيد، لا أقول بلدنا فقط، بل العالم أجمع. "